كتب مازن ع. خطاب في صحيفة “اللواء”:
رئيس الجمهورية مؤتمن على الدستور وهو الوحيد الذي يؤدي يمين القسم امام البرلمان عندما يقبض على زمام الحكم. وله صلاحيات دستورية محددة تسمح له بأداء واجباته في السهر على تطبيق احكام الدستور والمحافظة على استقلال لبنان ووحدته وسلامة أراضيه. وهو يمارس بعض صلاحياته منفرداً، بينما يتعاون مع رئيس مجلس الوزراء في عدّة مجالات أخرى. هذه المهام والصلاحيات حددها الدستور في مواده ٤٩ الى ٥٩ ولا لبس فيها.
أمّا أن يردد أعضاء تكتل «لبنان القوي» وأوساط رئيس الجمهورية في كل مناسبة أنه يجب أن تكون للرئيس حصّة وزارية (وتحديداً وزارات أساسية) ليتمكّن من الحفاظ على الدستور وللسير ببرنامجه الإصلاحي والتغييري، فهذه مطالعة هي بمثابة هرطقة «هذيان» دستوري! وهي تستدعي الرّد بلغة برلمانية دستورية تضع النقاط على الحروف.
أوساط رئيس الجمهورية تقول إنه يريد حصّة وزارية لكي يسير ببرنامجه الإصلاحي والتغييري، فهل المقصود أن لفخامته برنامجاً موازياً للبيان الوزاري؟ إن كان كذلك، فهذا يطرح إشكالية أن يتعارض البيان الوزاري مع برنامج رئيس الجمهورية، فالبيان الوزاري هو الصّك الذي تستمد الحكومة منه شرعيتها الدستورية من ثقة الشعب الممثل بالبرلمان بعد نيل الحكومة الثقة. أمّا برنامج رئيس الجمهورية فهو برنامج اجتهادي لا شرعية دستورية له. وإذا كان المقصود أن يُعتَمد برنامج رئيس الجمهورية كبيان وزاري بحد ذاته، أي أن يضع رئيس الجمهورية البيان الوزاري، فحينها تقع إشكالية دستورية أُخرى!
إن مواد الدستور واضحة بخصوص البيان الوزاري ومسؤولية السياسات العامة. فالمادة ٦٤ تشير الى ان «رئيس مجلس الوزراء هو رئيس الحكومة يمثلها ويتكلم بإسمها ويعتبر مسؤولاً عن تنفيذ السياسة العامة التي يضعها مجلس الوزراء». والبند الثاني يشير الى انه «على الحكومة أن تتقدم من مجلس النواب في بيانها الوزاري لنيل الثقة في مهلة ثلاثين يوما من تاريخ صدور مرسوم تشكيلها». والمادة ٦٥ أعطت الحكومة السلطة الإجرائية كما جاء في النّص «تناط السلطة الجرائية بمجلس الوزراء». كما جاء في الفقرة الأولى أن «وضع السياسة العامة للدولة في جميع المجالات ووضع مشاريع القوانين والمراسيم التنظيمية واتخاذ القرارات اللازمة لتطبيقها». أمّا المادة ٦٦ في فقرتها الأخيرة فقد نصّت على انه «يتحمل الوزراء إجمالياً تجاه مجلس النواب تبعة سياسة الحكومة العامة ويتحملون افراديا تبعة افعالهم الشخصية».
كل هذه المواد تؤكد ان الحكومة التي يترأسها رئيس مجلس الوزراء هي التي تملك سلطة البت في رسم السياسة العامة الداخلية والخارجية للدولة وهي المسؤولة امام مجلس النواب. وعليه، ليس لرئيس الجمهورية اي سلطة او دور في وضع او تنفيذ السياسة العامة!
بالرغم من وضوح المواد الدستورية بشأن صلاحيات كل من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء، جرت العادة ان يتعاطى «الفريق البرتقالي» مع الدستور بمنتهى الاستنسابية، وأن يقفز فوق النصوص بهدف تأسيس سوابق تصبح عرفاً فيما بعد، بحجة استعادة بعض «صلاحيات الرئيس» التي سلبها اتفاق الطائف باعتقادهم.
في هذا الصدد، تأتي بدعة «حصّة الرئيس» للالتفاف على الدستور الذي اتاح لرئيس الجمهورية ان يترأس مجلس الوزراء عندما يشاء دون أن يشارك في التصويت. وبالتالي تسمح «حصة الرئيس» له بالقبض على وزارات اساسية يمكنه من خلالها الحصول على بعض النفوذ في تقرير وتنفيذ السياسات العامة للدولة. بل يسعى «الفريق البرتقالي» الى تحصيل «الثلث الضامن» (أو المُعطّل) في الحكومة، مما يسمح له بشل الحكومة والحد من قدرة رئيس الحكومة على الحركة والتحكم بمقررات المجلس.
وأتى الصراع على موقع نائب رئيس الحكومة ليكمل المشهد، فبالرغم من ان الموقع شرفيّ ورمزيّ ولا سلطة فعلية له في الواقع الحالي، إلا ان هناك توجّهل لإقرار نظام داخلي لمجلس الوزراء بموجب قانون تحدد فيه صلاحيات وازنة لنائب رئيس الحكومة.
لا مجال للعودة الى ما قبل اتفاق الطائف، ومحاولة نسف الاتفاق قد تؤدي إمّا الى اشعال حرب أهلية جديدة، وإمّا الذهاب الى مؤتمر تأسيسي يعيد خلط التمثيل الطائفي بشكل أو آخر، منها طرح صيغة «المثالثة» التي (وبأحسن الأحوال) لن يخرج منها «الفريق البرتقالي» سوى بثلث الثلث!