أكد المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان أن “الأمن غير مكشوف ولو أن البلد هو في ظل حكومة تصريف أعمال وهناك خلافات سياسية. لذلك تكمن أهمية التوافق السياسي في تحسين الظروف الأمنية، فوجود حكومة تمارس دورها كاملا وتعمل على تحسين الظروف الاقتصادية والمعيشية للناس يخفف علينا من الأعباء الأمنية، ولا ضرورة للتذكير بأن الأجهزة الأمنية في الماضي كانت تؤدي دورها في ظل ظروف سياسية هي أصعب من الوقت الراهن، ومع ذلك أثبتت قدرتها على حماية الاستقرار والحفاظ على الأمن، وما يجب التركيز عليه أن مؤسساتنا الأمنية تؤدي واجبها من منطلقات وطنية ثابتة، وهذا الواجب معزول عن الخلافات السياسية الداخلية”.
وشدد، في حديث لمجلة “الأمن” على أن “العلاقة بين الأجهزة الأمنية لم تتأثر أيضا بالخلافات السياسية، فالتنسيق موجود عندما يتطلب الأمر، لكن هناك منافسة بين هذه الأجهزة ويجب عدم تفسير هذه المنافسة على أنها خلافات، فكل الأجهزة الأمنية ليس في لبنان وحده لكن أينما وجدت وفي ظل أرقى الديموقراطيات، تدور المنافسة في ما بينها وهي منافسة خفية لكن مردودها إيجابي على العملية الأمنية، فأنا دائما أشدد على ضباطي أن ينهوا ملفاتهم الأمنية قبل أي جهاز آخر، وهذا نسميه اصطلاحا “عصبية القطعة، وهذه عصبية مثمرة تدفع كل جهاز على حدة، أن يضاعف جهوده وأن لا يهدر الوقت كي لا يفلت منه الصيد الأمني”.
في موضوع السجون، أكد أن “معاملة النزلاء موضع متابعته الدائمة ولهذه الغاية زار السجن والتقى ضباط الخدمة هناك وشدد أمامهم على التقيد بالقوانين والأنظمة في تعاطيهم مع السجناء وعدم الاستقواء عليهم، أو إنزال عقوبات تعذيب أو مهينة بحقهم تحت طائلة إحالتهم على التأديب، لكنه لفت إلى وجود مشكلة من نوع آخر هي الاكتظاظ، “لدينا 10 آلاف محكوم وموقوف، في حين أن المباني وفقا للشروط القانونية يجب أن لا يتعدى عدد نزلائها الأربعة آلاف كحد أقصى، أي لدينا 7 آلاف زيادة، وهذا يتسبب بمعاناة قاسية للسجناء، ومن جهتي أتفهم هذه المعاناة وأعمل على حلها ضمن المستطاع”.
وقال: “من جهتنا نتعامل مع المشكلة وفق إمكاناتنا ونسعى إلى تخفيفها، وحاليا هناك مشروع لمجلس الإنماء والإعمار ببناء سجن جديد لكن يحتاج إلى وقت”.
وأردف: “يجب أن لا نترك أي مجال للمواطن ليحمل علينا مأخذا يرتد نقدا على المؤسسة كلها، فمواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الالكترونية تتصيد أخطاء رجال الأمن وتنشرها، حتى أن بعضها يتسمى باسم “وينيي الدولة”، وهذه عبارة مسيئة تتنكر لتضحيات مؤسستنا والمؤسسات الأخرى، فنحن مؤمنون بأن الدولة موجودة، ولن نسمح بتشويه دورنا”.
وأضاف: “لا أريد أن نصل الى وقت يقال فيه عنا “حاميها حراميها”، بالوقت ذاته، نحن هنا لخدمة المواطن وهذه الخدمة منظمة بالقانون وجوهرها منصوص عليه في القسم. والسلطة التي منحها لنا القانون لا يجوز استخدامها كيفما كان، إلا للصالح العام، وأي استخدام لها لأجل المصلحة الشخصية أو تجاوز حدودها هو انحراف عن مبادئ مؤسستنا وهو أمر يعاقب عليه القانون، ولن أتهاون في تطبيقه علما أنني لا أرغب في أن أصل إلى هذا الأمر”.
وتابع: “ليس سهلا علي كإنسان أن أضع توقيعي على إحالة رجل أمن على التحقيق، أنا أدرك عواقب هذا القرار، فيه الكثير من أضرار لا أتمناها على صاحبه، لكن كمدير عام لقوى الأمن الداخلي لن ترتجف يدي وأنا أوقع مثل هذه الإحالة لمتورط. أنا ماض في مشروع تغيير نظرة الناس إلى المؤسسة، وعليه، من يريد أن يمد يده على مال الغير من دون وجه حق أو باستغلال السلطة المعطاة له من المؤسسة مصيره السجن، هذا الموضوع، يجب أن يرسخ في أذهان الجميع من العنصر إلى الضابط، وكذلك المواطن الذي اعتبره أصل المشكلة باستخدامه الرشوة لإغواء ذوي النفوس الضعيفة لينال خدمة ليست من حقه، فمثل هذا المواطن مصيره أيضا السجن، وأيضا، المرتكب من قوى الأمن الداخلي سيتم التعامل معه كأي مواطن مرتكب، وأنتم تلاحظون أننا نقول في تقاريرنا الأمنية التي نوزعها على الوسائل الإعلامية أن عنصر قوى الأمن تم توقيفه لسبب كذا وكذا، وكذلك نذكر رتبة المرتكب مهما علت، لن نتستر على أي خطأ”.
وعن مشاكل السير في لبنان، قال عثمان: “نحن نعمل على تفعيل قمع المخالفات بما فيها السرعة، وهناك مشروع يجري العمل عليه لسد منافذ الهرب من دفع الغرامات بالوساطات، وأيضا رصد المخالفات على أكبر مساحة من الطرقات، عبر استقدام كاميرات ورادارات ذكية على أن يجري نشرها بطريقة لا تترك فراغا يسمح للسائق بارتكاب مخالفة من دون غرامة، وبوسع هذه الرادارات، ثابتة أو متحركة، أن ترصد المخالفة وتحرر الضبط وترسله إلى هاتف صاحب السيارة، من دون تدخل شرطي السير”.
وتوقف عثمان عند اتهامات المواطنين لقوى الأمن الداخلي بالقمع، وقال: “ما دام جانب من أهداف التصحيحات التي نقوم بها في المؤسسة هو تنقية العلاقة بين قوى الأمن الداخلي والمواطن، ألفت إلى خلل في هذه العلاقة يتحمل مسؤوليته المواطن نفسه، وهو كيله الاتهامات لمؤسستنا – إما عن جهل أو عن غرضية – بأنها ترسل مكافحة الشغب لقمع التظاهرات، وهذا ليس صحيحا، وما يجب أن يفهمه المواطن المتظاهر، هو أن دور مكافحة الشغب ليس القمع، إنما قوة فصل بين المتظاهرين ورجال الأمن المولجين بحماية المؤسسات”.
وأكد أن “مكافحة الشغب ليست قوة قمعية، إنما حماية المتظاهرين من أن يرموا أنفسهم في التهلكة أو يعرضوا سلامتهم للخطر، وهي تصدهم عن هذا الخطر بالقوة الجسدية وأدوات القتال البيضاء، لأن المتظاهرين إذا استطاعوا اختراقها سيكونون في مواجهة قوة لها الحق في إطلاق النار بمجرد توافر شروط هذا الحق، وإذا حدث هذا الأمر لا سمح الله فيمكن معاقبتهم قانونا”.
وتوقف عند الحملات التي تستهدف مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية وتتهمه بقمع الحريات، وقال: “ما استهجنه هو أن البعض يتعامل مع هذا المكتب وكأنه مؤسسة أو جهاز مستقل ويقول قام المكتب بفعل كذا ويريد كذا مثل هذا الكلام، ينم عن عدم معرفة فالمكتب تابع لقوى الأمن الداخلي وليس جهازا مستقلا يتصرف من رأسه”.
وأضاف: ألاحظ من يتهمون مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية بمصادرة الحريات، كأنهم يجهلون أهداف هذا المكتب والآلية التي يتحرك بموجبها، هذا المكتب هو لخدمة المواطن ولو يعرف هؤلاء الذين يتهمونه الخدمات التي يؤديها واعتقد يصلهم ما يحدث من جرائم بشعة وشنيعة على الشبكة العنكبوتية ولولا تدخل المكتب لهلكت مؤسسات وعائلات وبيوت بابتزازها بأعراضها وأمور أخرى، وهم ليسوا على الإطلاع على قوته الردعية لمن تسول له نفسه استخدام الانترنت للاعتداء على الناس، هذا المكتب يبقى عامل اطمئنان لمستخدمي الانترنت ومن ضمنهم الذين يتهمونه بمصادرة الحريات، ومن الخطأ تشويهه من دون وجه حق”.
وشدد عثمان على “التبدلات التي طرأت على مفهوم الأمن والتي تستدعي تعاونا دوليا، وقال: “طبعا، العالم لم يعد كما كان في السابق، لقد تحول الى قرية صغيرة. فقبل الهاتف الخليوي، أي قبل عام 1995، لم يكن عندنا أي شيء من أساليب التواصل الحديثة والانترنت. بوجود الهاتف الذكي لم تعد هناك حدود بين دول العالم، بل أصبحت الحدود وهمية، ففي ثانية واحدة بات بإمكاننا أن نتحدث ونشاهد أي شخص في العالم. أساليب التواصل قربت الناس والمسافات فأضحى العالم كما قلت قرية صغيرة”.
وكشف “أننا وضعنا رؤية لخطة استراتيجية طويلة متشعبة الأفكار نقول فيها: معا نحو مجتمع أكثر أمانا. لم نقل نحو مجتمع أكثر أمانا بل قلنا معا وهذا يعني مع المؤسسة والمواطن للوصول الى مجتمع أكثر أمانا. ولتطبيق الرؤية لا بد من رفع مستوى الخدمة. أولا، كان ممنوعا علينا في السابق أن نقوم بعملنا الصحيح والأساسي، فقوى الأمن الداخلي ضابطة إدارية وضابطة عدلية، فهي كل شيء على الأرض وفي السماء وعلى البحر، هذا بأول صفحات قانوننا. الخدمة التي يجب أن نقوم بها لا بد من أن تتناسب مع حجم الجريمة أو تفوقها. وما نقوم به رفع مستوى العمل في المؤسسة لخدمة الناس. وهذا يكون ضمن أطر الحفاظ على حقوق الإنسان، وهذا يعني عدم استعمال وسائل الضرب والعنف. هذه ثقافة بشعة وجدت في لبنان بمرحلة من المراحل.إنها ثقافة وسخة. الضرب واستعمال العنف أسلوب ضعف وليس قوة، فمن يستعمل عضلاته للوصول الى نتيجة ما لا يتمتع بقدر كاف من الذكاء، فأحيانا يعترف المرء بأمور غير صحيحة للانتهاء من الضرب ثم يتراجع عن أقواله. نحن مع احترام حقوق الإنسان، ولانتزاع الاعتراف ثمة وسائل حديثة عديدة وأساليب تؤدي الى الدلائل الصحيحة بدون عنف”.
وتابع: “الكل يعترف بأنه بات بإمكان قوى الأمن كشف الجرائم بسرعة، وهذا ما زاد من ثقة الناس بنا وبالمؤسسة وهنا أحقق هدفي الثاني وهو الثقة ــ خدمة وثقة ــ إن ثقة المجتمع بنا جديرة بالتقدير والاهتمام. لقد وضعت برنامجا بيني وبين نفسي ومع الضباط للوصول الى الهدف عبر إصدار قرارات متلاحقة تؤدي الى الغاية المرجوة رويدا رويدا. بعد الثقة الكاملة نصل الى شراكة مع المجتمع، فيصبح شريكا في مكافحة الجريمة، فكل فرد من المجتمع هو بمثابة عنصر من قوى الأمن”.
وعن ترقيات جديدة في السلك، أجاب: “نعم، هذه السنة مضطر أن أقوم بها استثنائيا لكني غيرت التعليمات مع مجلس القيادة ولن تعطى الترقية إلا لمستحقيها تبعا لمقاييس معينة”.
وختم: “هدفي واحد هو خدمة الناس ليس لي هدف آخر في حياتي. لقد وصلت الى هذا الموقع ليس لإشباع طموحي أن أكون شخصية مهمة، بل أريد أن أترك أثرا داخل المؤسسة وخارجها. إن قوى الأمن الداخلي عمرها 157 سنة، توالى عليها عدة أشخاص وما زالت واثقة شامخة وتخدم الناس وحافظت على حقوقهم، بل هي وسيلة إعادة الحقوق لأصحابها، لا ملجأ للناس سوى المخفر والفصيلة حتى تسترجع حقوقها. عندما يكتب المخفر يثبت المواطن حقه”.