كتب علي الحسيني في “المستقبل”:
لم يعد يقتصر التمدد الإيراني في سوريا على احتلال مدن ومناطق، ولا على مواقع استراتيجية قريبة من مناطق الجولان والقنيطرة كما سعت إيران في الفترة الاخيرة، بهدف إيجاد موطئ قدم لها ولجماعاتها عند حدود فلسطين المحتلة لغايات لم تعد خافية على احد، بل شمل هذا التمدد أو الغزو كما يُسميه الشعب السوري، قطاعات عدة مثل الإستشفاء والبناء والتعليم والنفط بالإضافة إلى الإعلام ومتفرعاته. واللافت أن التمدد الإيراني في سوريا، لم يبدأ في عهد رئيس النظام الحالي، إنما يمتد إلى زمن الرئيس حافظ الأسد يوم سمح للتغلغل الإيراني باختراق المدن السُنيّة وتشييع قسم كبير من أهاليها، بالإضافة إلى استباحة أملاكهم وأرزاقهم تحت حجّة وجود مراقد دينية شيعية تبيّن لاحقاً أنها ليست سوى قبور لشخصيات متعددة كانت تُدفن في بعض الاماكن بعد موتها أثناء ترحالها من بلد إلى آخر.
من كلام كان قاله علي يونسي، مستشار الرئيس الإيراني حسن روحاني، إن “إيران اليوم أصبحت امبراطورية كما كانت عبر التاريخ وعاصمتها بغداد حاليا”، في إشارة إلى إعادة الامبراطورية الفارسية الساسانية قبل الإسلام التي احتلت العراق وجعلت المدائن عاصمة لها، يُمكن تلخيص المشروع الإيراني الذي نسج أذرعاً له في المنطقة إبتداءً من لبنان ثم سوريا والعراق فاليمن، وقد تكشّف حجم هذا المشروع وخصوصاً في سوريا من خلال مشروع يحمل اسم “توينان” يُعنى بتمديد خطوط الغاز والنفط تنفيذاً وإشرافاً من القلمون السورية إلى تدمر وبادية حمص، وهذا بالتالي يكشف أهمية القلمون بالنسبة إلى إيران واستماتتها من خلال دماء حلفائها في سبيل السيطرة على هذا الجزء السوري. وللتذكير، فيوم سيطر تنظيم “داعش” على حقول الغاز في القلمون، تدخل الإيراني على الفور من خلال حلفائه وتحديداً “حزب الله” الذي دفع بدوره ثمناً باهظاً خلال معاركه هناك.
في الشق العسكري وهو الشاغل الأبرز بالنسبة إلى التمدد الإيراني في سوريا، فقد جرى منذ فترة قريبة توقيع إتفاقية تعاون عسكري بين النظامين الإيراني والسوري تحت عنوان “إعادة بناء القوّات السورية”. وقد عبّر وزير الدفاع الإيراني أمير حاتمي عن حجم الإتفاقية بالقول أن “أهم بند في هذه الاتفاقية هو إعادة بناء القوات المسلحة والصناعات العسكرية لتتمكن سوريا من العودة إلى قدرتها الكاملة. وتهدف إلى تعزيز البنى التحتية الدفاعية التي تعتبر الضامن الأساسي لاستمرار السلام والمحافظة عليه، كما أنها تسمح بمواصلة “الوجود والمشاركة” الإيرانية في سوريا. وأبرز ما جاء على لسانه: “الحرب لم تنته بعد لذلك يجب أن تستمر المواجهة حتى تطهير كل الأراضي السورية، وأعتقد أننا لسنا بعيدين عن هذا اليوم”.
اليوم وبفعل الغزو الفارسي لسوريا، يتحدث الشعب السوري عن بلده وكأنه تحوّل إلى قاعدة عسكرية إيرانية، تُشبه تلك القواعد التي تشرتها في العديد من المدن والمناطق.الملاحظ في هذا السياق، أن القواعد الإيرانية تتوزّع في كل أنحاء سوريا وأبرزها قاعدة في مطار دمشق الدولي وتعتبر المقر الرئيسي للحرس لثوري الإيراني، ويطلق عليها اسم “البيت الزجاجي” ومن خلالها تسيطر إيران على إمداد مختلف المناطق السورية بالمقاتلين وبالمتطرفين في حال أرادت.أما القاعدة العسكرية الإيرانية في حلب فهي مقر مرتزقة الميليشيات التي تستقدمها إيران إلى سوريا وتضم ميليشيات عراقية وأفغانية وأوزباكية وكذلك الامر بالنسبة إلى القاعدة العسكرية في القنيطرة. هذا كله يؤكد مدى أهمية سوريا بالنسبة إلى إيران وسعيها الدؤوب لتحويلها قاعدة ثابتة لها، تُشبه القواعد التي تُشرف عليها في العراق واليمن.
كما اختارت إيران المجال التعليمي في سوريا من أجل التغلغل فيه وخصوصاً طلاب المرحلة الابتدائية، حيث اختارت المناطق الشرقية التي تعد غنية بالنفط من أجل البدء في نشر حملتها التعليمية حيث كانت بدايتها من محافظة دير الزور شرق سوريا. في الآونة الاخيرة علت صرخة بعض السوريين على خلفية البدء بتوزيع المناهج الإيرانية على أكثر من 250 طفلاً سورياً من مدينتي البوكمال والميادين قرب محافظة دير الزور شرق سوريا، حيث يتم تدريس المنهاج باللغة الفارسية في مدارس افتتحتها إيران بكادر تعليمي إيراني، وتتراوح أعمار الأطفال بين 8 سنوات و15 عاماً. وبحسب ناشطين، فإنه بالإضافة إلى عمليات إغراء الأطفال وأهاليهم، بمبالغ مالية تُدفع لهم عند اختتام مجموعة محددة من الحصص التعليمية، ثمة سعي إيراني لنشر التشيّع عبر فتح عدد من الحسينيات في مناطق متفرقة من دير الزور بالإضافة إلى مكاتب خاصة بالانتساب إلى المليشيات التابعة لإيران. كما جرى تزوير حقيقة مواقع أثرية، وربطها بالتراث الشيعي وبناء حسينية في مدينة القورية بريف دير الزور الشرقي.
مشاركة إيران في الحرب السورية إلى جانب النظام السوري، هي تأكيد على ان المشروع الإيراني في المنطقة ماض في طريقه إلى أن يتحقّق، وما عمليات التهجير التي يعتمدها النظامان السوري والإيراني في العديد من المدن والمناطق السورية، سوى مؤشر واضح بأن “الوافدين الجدد” أي “الحرس الثوري وملحقاته، سيحلون مكان السكان الأصليين، ومن هنا تبرز عمليات قضم القرى وإجبار السكان السوريين على التنازل عن ممتلكاتهم ومنازلهم، مقابل إخراجهم بسلام أو مقابل تأمين الدواء والغذاء للأطفال، وهذا ما كان قد حصل فعلاً في بلدتي مضايا والزبداني وبعض قرى القلمون وقبلها في القصير.