حزمة لا بأس بها من التطورات الدولية والاقليمية طرأت فجأة على المشهد السياسي العام، فرملت الاندفاعة الحكومية ودفعت بأصحاب الحل والربط من القوى السياسية اللبنانية إلى استخراج “عقدهم” من خزنة الموجودات واختيار أكثرها ملاءمة لمنع التشكيل، تحصينا لواقع مأزوم قد يجدون أنفسهم فيه بفعل نتائجها المتوقعة والتي ستقلب على الأرجح المقاييس التي كانوا يرتكزون إليها في حساباتهم التشكيلية، بحسب ما تقول مصادر سياسية مطّلعة على التقلبات الإقليمة والداخلية في المواقف والمعطيات المستجدة لـ”المركزية”.
إذ فيما كانت “الطحشة التشكيلية” تبلغ خواتيمها “أطلّ” أمين عام “حزب الله” السيد حسن نصرالله على اللبنانيين في خطاب 19 تشرين الأول الماضي ليدعو المشكّلين إلى عدم تحديد مواعيد لولادة الحكومة على قاعدة “هدئوا من روعكم” فالقرار لنا ولا حكومة قريبا لأننا لم نفرج عنها بعد، أو بالأحرى لم يصدر أمر العمليات الخارجي بإخراجها إلى النور، ليتبين لاحقا أن عدة عدم الإفراج عنها تتضمن العقدة السنية التي نفض عنها الغبار فجأة إثر حل العقبة القواتية المسيحية.
وفي مراجعة سريعة لسلسلة التطورات التي استجدت منذ إطلالة نصرالله حتى طرح العقدة السنيّة، تفنّد المصادر محطات ذات دلالات بارزة على هذا المستوى: “فبعد المحطات الأميركية المعروفة وأولها الأحد المقبل موعد صدور دفعة العقوبات الجديدة على إيران، و6 الجاري تاريخ الانتخابات الأميركية النصفية، بما يعني على مستوى تظهير وضع الرئيس دونالد ترامب للعامين الباقيين من عهده، جاءت زيارة الرئيس سعد الحريري إلى المملكة العربية السعودية منتصف الأسبوع الماضي بما تخللها من حفاوة واهتمام بالضيف اللبناني لتقلب المشهد الذي تحكم بطبيعة العلاقة بين الحريري والمملكة منذ استقالته الشهيرة قبل نحو عام والملابسات التي أحاطت بها وأوحت بأن الحريري انكشف ظهره ولم يعد له من سند عربي يعزز موقعه في السلطة اللبنانية. وجاءت مشاركته في مؤتمر الاستثمار السعودي وجلوسه جنبا إلى جنب مع وليّ العهد الأمير محمد بن سلمان لتثبّت هذا الانطباع، فعاد الحريري إلى بيروت مستعيدا موقعه القوي على مستوى الشارع السني المحلي والسند العربي السعودي.
وبعد يومين بالتمام، وفي حدث كان له وقع المفاجأة المدوية على العالم العربي، حطّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو وزوجته في أول زيارة رسمية له، في سلطنة عمان، وقد زارها رئيس الوزراء الإسرائيلي الراحل إسحق رابين عام 1994، حيث خصهما السلطان قابوس بن سعيد والمسؤولون العمانيون بحفاوة بالغة، وتم البحث في سبل دفع عملية السلام في الشرق الأوسط، فيما صوّره البعض على أنه يندرج في إطار حلف خليجي جديد مع واشنطن يستهدف الوقوف في وجه إيران من بوابة إنجاز “صفقة القرن”.
وقد سارعت طهران إلى انتقاد الزيارة، ونقلت وكالة أنباء فارس الإيرانية عن المتحدث باسم الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي قوله “لا ينبغي للدول الإسلامية في المنطقة أن تفسح للكيان الصهيوني الغاصب وبضغط من البيت الأبيض التحرك لإثارة فتن ومشاكل جديدة في المنطقة.” فكان رد سريع من وزير الشؤون الخارجية العماني يوسف بن علوي على الانتقادات بقوله إن “زيارة بنيامين نتنياهو سبقتها أخرى للرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى عمان، وقد جاءت الزيارتان في الإطار الثنائي”، ما يؤشر عمليا إلى زخم قوي استجد على خط تحقيق السلام العربي- الإسرائيلي، في وقت تتعرض طهران لضغوط قوية من واشنطن وحلفائها في المنطقة.
مجمل هذه التطورات ترى المصادر أنها “حتّمت على غيران تحريك ورقة لبنان شبه الاخيرة في جعبتها، بعدما اضمحل دورها في العراق وسوريا واليمن المتجهة إلى التسويات السياسية، فجاءت العقدة السنية غبّ الطلب في زمانها ومكانها.