عاد شبح التأزيم يتهدد ولادة الحكومة اللبنانية الجديدة مع انتقال رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري من رفضه إعطاء النواب السنة الستة المتحالفين مع «حزب الله» مقعداً وزارياً من حصته، إلى رفضه الكامل لتوقيع تشكيلة حكومية فيها اسم واحد من هؤلاء، في حين رأى رئيس مجلس النواب نبيه بري أنه لم يبقَ أمامنا «إلا الدعاء» للإسراع في تشكيلها.
وفي موقف لافت للحريري، قالت مصادره لصحيفة «الشرق الأوسط»، «إنه لن يوقّع مرسوم حكومة فيها ممثل لـ(سُنة 8 آذار)، وهذا موقف حازم ونهائي»، مشيرة إلى أنه لا يجوز بعد 6 أشهر على إجراء الانتخابات أن يجتمع ستة نواب من مناطق مختلفة للمطالبة بتمثيلهم في الحكومة. وقابلت مصادر في «8 آذار» موقف الحريري بتأكيد استمرار الحزب في المطالبة بتمثيل هؤلاء، معتبرة أن الحريري «ربما يمهّد للاعتذار» عن تأليف الحكومة. ولاحقاً، تحدثت مصادر مواكبة للتأليف عن «طرح يقابل بإيجابية من أجل حل العُقدة السُّنية ويبدو أنه سيسلك الطريق قريباً»، وأشارت إلى أن «باسيل حمل حلاً مقترحاً من رئيس الجمهورية يقضي بتسمية سنّي لا يستفز الحريري ضمن حصة الرئيس عون، على ألا يكون من كتلة طوني فرنجية وبالتالي يكون النائبان فيصل كرامي وجهاد الصمد مستبعدين».
ونُقل أمس عن رئيس مجلس النواب نبيه بري، بعد لقاء مع نواب سألوه عن موضوع الحكومة وما آلت إليه الأمور حتى الآن، قوله: «تكلمت مع من يجب أن أتكلم معهم في هذا الموضوع، ولم يبقَ لنا سوى الدعاء للإسراع في تشكيل الحكومة». ودق بري جرس الإنذار مرة أخرى حول الوضع الاقتصادي وتداعياته اجتماعياً ومعيشياً وعلى البلاد عموماً، داعياً إلى «التبصر وعدم السقوط في فخاخ العناوين التي تبدو صغيرة أمام الابتلاء الذي يصيب الأمة على مستوى المنطقة وما تشهده من تطورات خطيرة». ونقل النواب أيضاً أن بري كان يعتزم الدعوة إلى جلسة تشريعية، وقد تم توزيع جدول أعمالها على النواب، لكنه يفضل التريث في ظل الوضع والظروف الآنية.
وقالت مصادر «8 آذار» لـ«الشرق الأوسط»، إن «حزب الله» متمسك إلى أبعد الحدود بتمثيل حلفائه السُّنة «الذين خاضوا الانتخابات وربحوا مقاعدهم من خلالها»، مشيرةً في المقابل إلى التمسك بالحريري رئيساً للحكومة وبالتسوية التي أتت بالرئيس ميشال عون لرئاسة الجمهورية ومفاعيلها، كما التمسك بالاستقرار الأمني والحوار». ولفتت المصادر إلى أن أمس لم يشهد أي اتصالات بين الحزب والحريري بشأن القضية، لكنها لم تقفل الباب أمام الحلول التي قد تأتي من رئيس الجمهورية أو أي مكان آخر.
وكشف النائب فيصل كرامي عن «أن الرئيس المكلف سعد الحريري حمل أول من أمس إلى قصر بعبدا تشكيلة ناقصة خالية من أسماء وزراء (أمل) و(حزب الله) وهو أمر لم نعتد عليه سابقاً، وبالتالي هو رمى الكرة من ملعبه إلى ملعب رئيس الجمهورية». واعتبر أنْ لا عقدة سُنية بل حق ومطلب محق، مشيراً إلى «أن الرئيس الحريري انشغل بالعُقد الباقية، متجاهلاً مطلب النواب السنة المستقلين ورافضاً القبول بنتائج الانتخابات».
وفي المواقف، اعتبر النائب ماريو عون «أن العُقدة السُّنية ليست من بين العُقد الأصعب التي مرت على عملية التأليف»، وقال: «الحكومة أصبحت في خواتيمها لكنّ أحداً لا يمكن أن يقدّر كم ستحتاج هذه العُقدة من وقت لحلها إلا أنها من المرجح قد تؤدي إلى بعض التأخير لأن مواقف الرئيس سعد الحريري ما زالت على حالها». وإذ استبعد أن «تكون عقدة سنة المعارضة سبباً لأي خلاف بين الرئيسين (رئيس الجمهورية ميشال عون والحريري)»، أوضح «أن تكتل لبنان القوي ليس معنياً بهذه العُقدة لا سلباً ولا إيجاباً»، لافتاً إلى «وجود سني في حصة رئيس الجمهورية، وبالتالي فإن الحل موجود لدى الرئيس الحريري».
وأكد عضو تكتل الجمهورية القوية (القوات اللبنانية) النائب زياد الحواط، «أن هناك نية ما لتطيير الحكومة وتأجيلها إذ ظهرت اليوم من جديد عُقدة (سُنة 8 آذار)»، وتساءل: «هل يقبل رئيس الجمهورية أن يكون ممثل نواب (سُنة 8 آذار) من حصته؟»، مضيفاً: «هناك علامات استفهام حول سبب خلق العُقدة السُّنية بعد حل العقدتين المسيحية والدرزية والبلد مخطوف وفي قبضة (حزب الله)». وأضاف: «كنا نتمنى أن تولد الحكومة اليوم (أمس) مع ذكرى انتخاب الرئيس عون، لكن للأسف يريدون أن يكون البلد مخطوفاً وبين يدي (حزب الله)، في وقت علينا جميعاً مساعدة الرئيس المكلف. كما نتمنى ونسعى أن تكون الجمهورية اللبنانية عادلة ولجميع اللبنانيين ويُحترم فيها الدستور، والشعب اللبناني أعطانا تأييده لمشروعنا هذا. نحن متعاونون لأقصى الحدود لإنجاح (العهد) لأن نجاحه هو نجاحنا جميعنا وحريصون على الخروج من هذا النفق المظلم الذي يعيشه لبنان».