كتب فاروق يوسف في صحيفة “العرب” اللندنية:
صار كل شيء في لبنان من اختصاصه. الحرب والسلام. الثروة والفقر. الهدم والإعمار. فالسلطة بيده تاركا كل ما عداها للآخرين.
حزب الله، كما أشار الإيرانيون غير مرة، يحكم لبنان. وهي إشارة شؤم تؤكد أن لبنان أضاع كل ما يمت إليه بصلة ويذكر به: الحرية والاستقلال والديمقراطية. بل إنه أضاع أيضا أسوأ ما فيه، توازنه الطائفي. ظهرت طوائف جديدة. سنةُ حزب الله ومسيحيو حزب الله. مثلما هو الحال في العراق حيث ظهر سنة نوري المالكي ومسيحيو الحشد الشعبي.
ولو كان حزب الله جماعة طائفية لبنانية لاعتبرنا ما يجري نتيجة طبيعية لصراع طائفي استمر لعقود ارتفعت حظوظ البعض فيه، فيما انخفضت حظوظ البعض الآخر في سياق تاريخي بُني على خطأ متعمد. غير أن الأمر ليس كذلك. فحزب الله مجرد صنيعة إيرانية. لغم صُنع في إيران لا من أجل نسف لبنان وحده، بل من أجل تفجير السلام في المنطقة إذا اقتضت الحاجة الإيرانية.
اختطف حزب الله شيعة لبنان أولا، ثم ابتلع لبنان كله. منذ عام 2008 صار واضحا أن حزب الله يمكنه القيام بأي شيء من أجل أن يظل ممسكا بخناق اللبنانيين. ما من شرط وطني أو بند قانوني أو وازع أخلاقي يمكن أن يقف بينه وبين ذلك الهدف. فبعد أن سقط قناع المقاومة، وبعد أن اتضح أن البندقية التي كانت موجهة إلى العدو يمكنها أن تستدير بيسر لتحصد أرواح اللبنانيين، صار الإعلان عن موهبة الخيانة يُحاط بقدر لافت من الفخر والاعتزاز.
“نحن إيرانيون” لم يقلها حسن نصرالله، غير أنه قال ما يثبتها وهو لا يشعر بأي نقيصة أو مثلبة. إنه يفعل ما هو مطلوب منه باعتباره واحدا من جنود الولي الفقيه، حسب تعبيره. وبما أن لبنان استسلم لسلطة ذلك المقاتل، فإن ذلك معناه أن الدولة إنما تُدار من قبل الحرس الثوري الإيراني.
صار الجنرال قاسم سليماني هو ملك المنطقة غير المتوّج. فهو يحكم في العراق وسوريا ولبنان. سليماني إذن هو الذي يحكم لبنان الذي لن يكون بخير أبدا. فبعد أيام يبدأ تطبيق وجبة العقوبات الأميركية الثانية على إيران.
ولأنها تتعلق بالنظام المصرفي وبتصدير النفط فيُعتقد أنها ستقصم ظهر نظام الملالي. ستسلّمه تلك العقوبات إلى ما كان يسعى إليه، نظاما شريرا ومعزولا عن العالم الذي سبق أن قدم له أسباب كراهيته.
تداعيات ذلك الانهيار ستصيب أذرع إيران في الخارج، وفي مقدمتها حزب الله، بالهلع والاضطراب بما ينعكس سلبا على لبنان. ذلك لأنه ليس من المتوقع أن يتخلى حزب الله عن مكتسباته بمجرد انقطاع التمويل الإيراني.
لقد تشكلت لديه دولة يمكنه من خلالها الاستثمار داخليا. غير أن ذلك الاستثمار سينكفئ به إلى الداخل وهو ما لا ترغب فيه زعامته في الحرس الثوري الإيراني، فهو لا ينفعها في تلك الأوقات العصيبة.
ستكون مهمة حزب الله حينها الانتحار بلبنان مرة أخرى، وذلك لن يتحقق إلا من خلال إشعال حرب جديدة مع إسرائيل، لن تكون كسابقاتها، ذلك لأنها ستكون الأخيرة.
وكما أتوقع فإن تلك الحرب إن قامت (وهي ستقوم) فإنها لن تكون موجهة ضد إسرائيل وحدها بل ستشمل دولا أخرى، يضعها الإيرانيون في قائمة أعدائهم. ليس من المستبعد أن يشعل حزب الله حربا واسعة من أجل إنقاذ إيران. وإذا ما كانت نهايته هي ثمن إشعال حرب في المنطقة فإن نصرالله لن يتردد في القيام بذلك. لقد ادّخرته إيران لتلك الساعة ولن يتأخر في القيام بواجبه.
ذلك ما يملي على المجتمع الدولي واجب النظر إلى الميليشيا الإرهابية، التي يقودها نصرالله، باعتبارها خطرا على السلم العالمي يجب التصدي له قبل فوات الأوان.