كتبت صحيفة “الراي” الكويتية:
شكّل الموقف غير المُتَوَقَّع الذي أطلقه الرئيس العماد ميشال عون وأسْقط فيه مبررات توزير النواب السنّة الموالين لحزب الله، تطوراً بالغ الدلالات على صعيد مسار تأليف الحكومة الجديدة التي كانت على وشك الولادة مطلع الأسبوع، واضعاً العلاقة بين عون والحزب أمام اختبارٍ غير مألوف منذ تَحالُفهما العام 2006.
فلم يكن عادياً خروج عون الى خط الدفاع الأمامي عن الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري ومنطقه الرافض توزير السنّة من خارج عباءته، معلناً “ظَهَر أخيراً سببٌ للتأخير وهو تمثيل (السنّة) المستقلين في الحكومة، وهذا نوع من التكتكة السياسية التي تضرب استراتيجيتنا الكبيرة، لأن أي تأخير الآن ينعكس على لبنان. فبعد ثلاثة أيام يكون للرئيس الاميركي دونالد ترامب كل الصلاحيات ليطلق العدائية ضد اي شخص، إضافة الى التطويق المالي والاقتصادي الذي يؤثر كثيراً على اقتصادنا”.
واعتبر “ان هذه المجموعة التي تطالب الآن بأن تتمثّل في الحكومة مكوّنةٌ من أفراد وليست كتلة، ونحن نمثل الكتل ضمن معايير معينة، وهم قد شكلوا أخيراً مجموعة، فهل يمكن أن يتمثّلوا في الحكومة وكل واحد منهم في اتجاهٍ سياسي معين”؟ مؤكداً “أن ما يهمّنا أيضاً عدم إضعاف رئيس الحكومة، فلديه مسؤوليات وعليه أن يكون قوياً من دون أن يتعرّض لأيّ هَزّات”.
ونَقَل هذا الموقف المواجهةَ من كونها بين الحريري، الذي رَفَضَ بشكل حاسم أي توزير لسنّة 8 آذار من حصةِ أي طرف، وبين “حزب الله” المُصرّ على تمثيلهم “أو لا حكومة”، ليدَخل عليها عون ويقف فيها أمام الرئيس المكلّف في تطوّرٍ عكَس في عمْقه جوهر القطبة المخفية في هذه العقدة والتي لم تعد خافيةً.
ورغم اقتناع أوساط مطلعة بأن العلاقة بين عون و”حزب الله” لا تقف على مَشارف فِراق استراتيجي، إلا أنها ترى أن تمثيل السنّة الموالين للحزب كشف عن أن المعركة الفعلية تدور حول التوازنات في الحكومة العتيدة ولا سيما في شقّها المتعلّق بحصّة فريق الرئيس وعدم رغبة الحزب في التسليم له بورقة الثلث المعطّل (11 وزيراً) التي يحصل عليها عملياً من خلال الوزير السني الذي سَبَق للحريري أن وافق على مبادلته بوزير مسيحي يكون من حصته، ولا سيما بعدما مَنَح الزعيم الدرزي وليد جنبلاط لعون حقّ تسمية الوزير الدرزي الثالث.
وترى أوساط مطلعة أن “حزب الله” الذي أَخْرَجَ العقدة السنية من “جيْبه” قبيل الاستعداد لإعلان ولادة الحكومة رافضاً حتى تسليم أسماء وزرائه الى الحريري قبل ضمان تمثيل حلفائه، لن يتساهل مع إمساك طرف بعيْنه الثلث “الذهبي” في حكومةٍ قد تستمرّ أربع سنوات ويمكن أن تضطلع بأدوار “فوق عادية” بحال دهمتْ البلاد استحقاقاتٌ مفاجئةٌ رئاسية أو غير رئاسية، معتبرة أن تَصدُّر الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله معركةَ توزير السنّة المؤيدين له تعبّر عن مدى جدية هذه “المعركة” وأولويتّها على أي مدى زمني إضافي يمكن ان يحتاجه استيلاد الحكومة رغم كل التحديات الخارجية التي تطلّ برأسها وتطول الحزب في جانب رئيسي منها.
وفيما أبلغت مصادر قيادية بارزة في 8 آذار الى “الراي”، أن الأولوية ليست لموعد تشكيل الحكومة “فمَن انتظر 5 أشهر يمكنه الانتظار ريثما تُحل عقدة السنّة المستقلين”، ترى الأوساط المطلعة أن موقف عون المتناغم مع الحريري أسقط عملياً اي إمكان لتوزير أيّ من النواب الستّة الموالين لـ “حزب الله”، ليبقى الخروج من المأزق ولو بعد حين معلّقاً على تسوية ما تضمن توافقاً على شخصية مستقلّة تشكل تقاطعاً بين مختلف الأفرقاء ولا سيما رئيس الجمهورية والحزب، في ظل الاقتناع بأنّ الأوّل لا يمكنه الركون طويلاً الى لعبة استنزافٍ تأكل من عهده وفوّتتْ عليه فرصة الاحتفال بالذكرى الثانية لانتخابه بوجود حكومةٍ جديدة، الأمر الذي تسبّب بـ “أخذ وردّ” غير مألوف بين جمهوريْ “التيار الوطني الحر” ومناصري “حزب الله”.
وإذ كان لافتاً أمس مغادرة الحريري إلى باريس في زيارةٍ خاصة، بعدما استذكر عبر “تويتر” والده الشهيد الرئيس رفيق الحريري لمناسبة ذكرى ميلاده، فإن هذا الأمر أكد صعوبة ان يحْمل “الويك أند” أي انفراجٍ حكومي، وسط رصْد اذا كانت خطوط التواصل المباشر ستُفتح بين عون و”حزب الله” الذي يدعو الى الحوار مع حلفائه السنّة في محاولةٍ لإخراج نفسه من دائرة تعطيل ولادة الحكومة.