وجه الرئيس فؤاد السنيورة رسالة مفتوحة الى رئيس الجمهورية ميشال عون بعد الحوار المفتوح في ذكرى انتخابه رئيساً للجمهورية لتبيان عدد من الحقائق عن مسألتي قطع الحساب والموازنات العامة ومسألة الـ11 مليار وغيرها.
وهذا ما جاء في الرسالة:
“بدايةً أتوجه إلى فخامتكم بعدما تابعت الحوار الذي أجراه معكم عدد من الصحافيين لمناسبة مرور عامين على انتخابكم إلى سدة رئاسة الجمهورية. وإني بهذه المناسبة أتمنى وأدعو الله تعالى أن تثمر جهودكم وجهود جميع الخيّرين في أن تحمل السنوات القادمة من وجودكم على سدة الرئاسة الخير والأمن والاستقرار والبحبوحة للبنان واللبنانيين.
فخامة الرئيس،
أريد بداية أن أنوّه بالنَّفَس الواقعي والوطني الذي ساد المقابلة، إذ جرى التأكيد من قبل فخامتكم على ان رئيس الحكومة ينبغي ألا يكون ضعيفاً، فهو الذي يتحمل مسؤولية تأليف الحكومة ومسؤولية الحكم. وفي ذلك إشارة من فخامتكم إلى أنّ ما يجري من عرقلة مصطنعة تأتي من خارج السياق الدستوري. فلقد أصبحت إجازة تأليف الحكومة أو منعها من الوجود عائدة إلى مكان من خارج الرئاستين، وهذا ينطوي على مخاطر من أن يصبح حكم البلاد غير خاضع للقواعد الدستورية والوطنية بل لاعتبارات قوى الأمر الواقع.
كما أنني أنوه بروح الود التي أبديتموها تجاه دولة الرئيس المكلف، وتأكيدكم على أنّ التعاون المخلص بينكما يُسهم في إقامة تعاون ووئام يمكن أن يضعا الدولة اللبنانية على مسار الإصلاح والنهوض الحقيقي من دون الخضوع لمحاولات زعزعة البنى الدستورية والوطنية للكيان اللبناني.
وبهذه المناسبة، أستميح فخامتكم عذراً إن لفتُّ عنايتكم إلى بعض النقاط التي وردت على لسانكم من أجل تبيان عددٍ من الحقائق التي حاول البعض على مدى فترات سابقة أن يطمسها عن طريق ترويج شائعات ومغالطات مضرّة لا علاقة لها بالحقيقة الدامغة بشأن مسألتَي قطع الحساب وإعداد الموازنات العامة، وكذلك في مسألة الأحد عشر مليار دولار، وغيرها من الافتراءات السياسية التي لا تمت إلى الحقائق المالية أو المحاسبية بصلة. والقصد من ذلك هو إثارة البلبلة والاستهداف السياسي، علماً أنّه كان قد جرى الرد على تلك الافتراءات في أكثر من مناسبة سابقة وفي مؤتمرات صحافية، وكذلك في اجتماعات الهيئة العامة لمجلس النواب. ذلك إضافة إلى ما جرى القيام به من دحض المغالطات الأخرى التي وردت في كتاب: “الإبراء المستحيل” والتي جرى الرد عليها في كتاب صدر بعنوان: “الافتراء في كتاب الإبراء”، والذي يفنّد كل المسائل المثارة في ذلك الكتاب.
كذلك كان قد جرى الرد بالتفصيل على ما ورد بشأن قضية الأحد عشر مليار دولار، إذ تعجَّل البعض في إطلاق تلك الشائعات نتيجة عدم التمييز بين حساب الموازنة وحساب الخزينة، وان مبلغ الإنفاق المتمثل بالأحد عشر مليار دولار وعلى مدى أربع سنوات يعود إلى تحمّل الخزينة لكلفة دعم الكهرباء، ولفروق كلفة الفوائد على الدين العام، ولدفعها فروقات كلفة سلسلة الرتب والرواتب، ودفعها كلفة غلاء المعيشة، وكذلك المبالغ المدوّرة من موازنات سابقة، فضلاً عن الكلفة التي تحملتها الخزينة اللبنانية من أصل كلفة إعادة الإعمار نتيجة عدوان تموز 2006. وجميع تلك النفقات مثبتة وبالكامل في مستندات وزارة المال، على عكس ما يدَّعي البعض خلاف ذلك.
إنّ أغرب ما سمعته في الحوار البارحة، ما ورد على لسان الصحافي الأستاذ نقولا ناصيف، بأنّ هناك 40 مليار دولار من دون وجود أوراق ثبوتية، وهذه أقاويل وأمور لا أساس لها من الصحة، بل هي مجرد اختلاق فاضح. إلاّ أنني وبالرغم من كل ما ورد من ردود سابقة، فإني أجد أنه من الضروري أن أوضح بعضاً من تلك المسائل التي وردت في اللقاء الصحافي البارحة:
1- بالنسبة الى قطع الحساب
كان العام 1979 آخر سنة جرى فيها إعداد وإقرار قطع حسابات الموازنات العامة قبل ترؤس الرئيس الشهيد رفيق الحريري لحكومته الأولى في العام 1992. أي أنه لم يجرِ إقرار قطع حساب لثلاث عشرة سنة على التوالي سابقاً، أي من العام 1979 وحتى العام 1992.
2- خلال السنوات ما بعد العام 1979
جرى إقرار الموازنات العامة في مجلس النواب من دون وجود قطع الحساب للموازنات بعد العام 1979، وذلك باستثناء السنوات 1986- 1987- 1988- 1989، والتي لم يجرِ فيها إقرار موازنات عامة في لبنان.
3- على مدى سنوات طويلة قبل العام 1979
كان ديوان المحاسبة لا يقر قطوعات حسابات الموازنات العامة، مع أنّ ذلك هو من ضمن مهماته في إجراء الرقابة اللاحقة على تنفيذ الموازنة، وكذلك في عدم إجراء الرقابة اللاحقة في أمور كثيرة أخرى، متذرعاً بأسباب عديدة وبعدم تمكنه أو عدم توافر الإمكانات البشرية اللازمة لديه للقيام بذلك وغيرها من الأسباب.
4- ابتداء من العام 1993
عاد الانتظام إلى المالية العامة وأصبحت الموازنات العامة تُعَدُّ وتُسَلَّمُ للمجلس النيابي وتقرّ من قبله في مواعيدها الدستورية من العام 1993 إلى العام 2005. كذلك عاد الانتظام إلى مسألة إعداد إقرار قطوعات الحساب للموازنات العامة، حيث أقرت جميع قطوعات الحساب من العام 1993 وحتى العام 2003 ضمناً من قبل مجلس النواب. إلاّ أن ديوان المحاسبة وكالعادة كما سبق له وعلى مدى عقود ماضية، لم يقر أياً من تلك القطوعات تحت أعذار عديدة، علماً أن وزارة المال كانت وعلى عادتها على مدى العقود الماضية تورد نصاً يحفظ الحق لديوان المحاسبة، الذي ينبغي عليه أن يعود ليتولى القيام بدوره الأصلي وهو اجراء الرقابة اللاحقة بدلاً من أن يستغرق وقته كله في إجراء الرقابة المسبقة. ولذلك، فقد حرصت وزارة المال على مدى تلك الفترة ان يتضمن نص إقرار قانون قطع الحساب الفقرة الآتية: “مع الأخذ في الاعتبار التعديلات التي قد يقرها ديوان المحاسبة والتي يتولى لاحقاً اجراءها في حال وجودها”.
تجدر الإشارة هنا إلى أنّ الحكومة اللبنانية، وبموجب المرسوم 17053 بتاريخ 2006/5/25، كانت قد أقرّت مشروع قانون وأرسلته إلى مجلس النواب والذي يقضي بتعيين مدققي حسابات خارجيين (External Auditors)، من قبل مدققي حسابات دوليين، وذلك على النسق الذي تعتمده معظم الدول المتقدمة، لتدقيق حسابات الدولة اللبنانية بكافة إداراتها ومؤسساتها، وذلك لتتوضح الأمور بكاملها بصدقية وشفافية كاملتين، ولوضع حدّ نهائي لكل الجدل القائم والأخذ والرد والتقاصف السياسي حول الحسابات المالية منذ العام 1989 وحتى يومنا هذا، وذلك من دون إغفال العمل على تعزيز دور ديوان المحاسبة، بما يُقْدِرُهُ على العودة إلى القيام بدوره الأساسي والصحيح في إجراء الرقابة اللاحقة على الحسابات المالية للدولة اللبنانية. إلاّ أنّ مشروع القانون هذا ما يزال في أدراج مجلس النواب منذ أيار من العام 2006.
لقد أحببت يا فخامة الرئيس أن ألفت انتباهكم الكريم إلى جميع هذه الحقائق والتي قد يكون البعض قد حاول تشويهها أو التغاضي عنها، عن قصد أو عن غير قصد. كما عمد البعض الآخر إلى الاستمرار في تكرارها، معللاً النفس في أن تصبح حقائق في ذاكرة اللبنانيين وهي حتماً ليست كذلك. وقد قمت بذلك حرصاً على إظهار الحقيقة ورغبة مني في تجنيب اللبنانيين الغرق في متاهات الأوهام والأضاليل التي يروجها البعض بقصد إبعادهم عما يجب أن يركزوا اهتمامهم عليه، وتحديداً ضرورة سعيهم الثابت والواثق نحو ولوج باب الإصلاح الحقيقي والجذري والذي يتضمن اعتماد الإجراءات الإصلاحية الشجاعة بما يضع البلاد مرة أخرى على عتبة استعادة الاستقرار والنهوض والنمو، واستعادة الدولة لدورها ولسلطتها ولهيبتها، وبالتالي استعادة بناء جسور ثقة اللبنانيين والمجتمعين العربي والدولي بلبنان ودولته”.