كتبت ناتالي اقليموس في صحيفة “الجمهورية”:
إنتخابات رئاسية، نيابية، نقابية، بلدية، طالبية… معارك طاحنة لا تُحصى، إشتعلت في الأعوام الأخيرة، فيما أكثر من 77 ألف طالب في الجامعة اللبنانية «يتفرّجون» من دون تمكّنهم من إجراء انتخابات لاختيار هيئاتهم ومجالسهم الثمثيلية في كلياتهم ومعاهدهم. منذ 10 سنوات على نتائج الإنتخابات الطالبية الأخيرة، والأحزاب تتوارث في ما بينها المقاعد، في ظلّ غياب أيّ قرارٍ رسميّ من إدارة الجامعة حول مصير هذا الإستحقاق. واليوم، بعدما أنجزت الجامعات الخاصة انتخاباتها، يعلو غضبُ طلاب «اللبنانية»: «ألم يحن دورنا بعد؟».
«خوفاً من ضربة كف»، «البلد ما بيحمل»، «الظروف الأمنية لا تسمح»… وغيرها من الأسباب «لما بتقلي عجّة»، كان يسمعها طلاب الجامعة اللبنانية في السنوات الاولى على إرجاء الانتخابات الطالبية، إلى أن دخل تدريجاً الحديث عن هذا الإستحقاق في غيبوبة.
وحدها الأحزاب والتيّارات عبر مكاتبها التربوية ومناصريها في الجامعات، حاولت إبقاء قضية الإنتخابات تحت الضوء، كلٌ عبر طريقته الخاصة، كدعوة إلى اجتماع بين الأحزاب، إجراء اتصالات، تكثيف اللقاءات، إشعال صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، وغيرها من الوسائل. وأكثر ما كان يزيد الطلاب إحباطاً، المحاولات العقيمة التي حدّدت فيها إدارة الجامعة مراراً موعداً لإجراء الانتخابات وأرجأته.
في الكواليس
على طريقة «مين قبل الدجاجة أو البيضة؟»، يختلف بعض الاساتذة في مجالسهم والطلاب في ما بينهم، حول التريث لإعادة الانتخابات الطالبية، ريثما يتم الإنتهاء من إعداد نظام الاتحاد الوطني لطلاب الجامعة، المعني بشؤونهم على امتداد فروع الجامعة، أو المضي بإجراء الانتخابات الطالبية، كي لا يُحرم الطلاب من التعبير عن رأيهم، كما كان يحصل في الكليات قبل العام 2008، والذي لا يزال سارياً في كلية الهندسة الفرع الثاني.
في هذا الإطار، يوضح الدكتور محمد صميلي وهو عضو في اللجنة التي تمّ تشكيلها لدراسة النظام الداخلي للانتخابات الطالبية في الجامعة اللبنانية، في عهد الرئيس الدكتور عدنان السيد حسين، «آنذاك أحرزنا تقدماً، ولكن للأسف لم تواصل هذه اللجنة اجتماعاتها، فتوقف النقاش حول قوننة التمثيل الطلابي، علماً أنّ جزءاً من العمل كان مُتفقاً عليه ومُعدّاً بين القوى الحزبية، لذا بقي «شق مش كبير بس حساس» يتمحور حول المكتب التنفيذي لاتحاد الطلاب».
ويشير إلى أنّ « في عهد الرئيس الحالي للجامعة البروفسور فؤاد أيوب لم نجتمع بعد».
ويؤكّد صميلي أنّه «لا يكفي اجراء الانتخابات الطالبية، إذ لا بدّ من حيثية قانونية لهذه العملية تضمن تحقيق مطالب الطلاب وتمثيلاً طبيعياً لهم ضمن العملية الهرمية للجامعة».
بين «البيدر والحقل»، تختلف الحسابات، وتأخذ طابعاً مغايراً في صفوف الأحزاب التي تُجمع، على تنوّعها، أنّها تعدّ العدّة لتحرّكات طالبية، للضغط باتجاه عودة الحياة السياسية والانتخابات الطالبية إلى الصروح الاكاديمية.
«القوات»
«كيف نتغنى بالديمقراطية ولا نُجري الانتخابات؟»، يسأل رئيس مصلحة الطلاب في «القوات اللبنانية» شربل الخوري في حديث لـ«الجمهورية»، موضحاً: «تلقينا الوعود مراراً بإجراء الانتخابات، ولكن مكانك راوح. لذا نحمّل الجامعة بأساتذتها مسؤولية هذا الموضوع، لأنّ ذلك ولّد لدى الطلاب نوعاً من الخمول في تعاطيهم مع قضاياهم ومع أبسط حقوقهم، وكأن جيل اليوم نادراً ما بات يهتم بالشأن الوطني».
وأضاف: «منذ سنوات وننتظر هذا الاستحقاق، كنا نتبلغ حججاً أمنية وغيرها من الاسباب، ولكن في الحقيقة، أنّ بعض الكليات تريد إجراء الانتخابات وأخرى غير مبالية لخصوصية معينة، لذا لنفسح المجال كي تنفذ كل كلية ما تريده».
وناشد الخوري رئيس الجامعة د. أيوب، باسم الطلاب «للتدخّل والإسراع في إخراج الاستحقاق من غيبوبته، وتخطي كل ما يمكن أن يعرقله، ووضع حدّ للقمع غير المباشر»، فسأل: «ماذا ينقص «اللبنانية» عن غيرها من الكليات التي شهدت انتخابات طالبية؟».
«أمل»
يبدي مسؤول مكتب الشباب والرياضة في حركة «أمل» علي ياسين تمسّكه بالانتخابات الطالبية، «لإيمانه بانّها تعلّم الشباب كيفية التعاطي مع الشأن الوطني وتداول السلطة، وتخلق مشاريع تنافسية في ما بينهم، وتُشكّل لهم المتنفس الوحيد لخدمة بعضهم».
ويتوقف ياسين في حديث لـ«الجمهورية»، عند «أهمية المجالس الطالبية والهيئات في الكليات، كونها صلة الوصل بين الطالب وإدارته»، مشيراً إلى «انّ شباب اليوم يتوقون للتأثير في القرارات التي تتخّذها إداراتهم».
ورداً على سؤالنا من يُعرقل إجراء الانتخابات اليوم؟ يجيب: «طالما أننا نقارب الامور من منظار طائفي مذهبي، سنعجز عن إعادة الاستحقاق إلى الكليات، لذا عندما نصل إلى قرار فصل الطائفية عن الانتخابات في الجامعة اللبنانية تصبح حالها كحال بقية الجامعات الخاصة، التي شهدت معارك متنوعة».
ويتابع موضحاً: «وصلت المفاوضات السابقة إلى نقطة تشكيل اتحاد الطلاب في الجامعة والتقسيم الطائفي فيه وتحديداً، على هوية رئاسته، وانقسمت الآراء وبلغت حائطاً شبه مسدود». ويشير ياسين، الى انّ: « رئيس الجامعة من أكثر المتحمسين إلى الانتخابات، لذا أملنا كبير في ان تنطلق المعارك الطالبية هذه السنة».
«التيّار الوطني الحرّ»
في المقابل، يؤكّد مسؤول مكتب الجامعة اللبنانية في قطاع الشباب في «التيّار الوطني الحرّ» جيلبير موسى «انّ شباب التيار يدعمون إجراء الانتخابات الطالبية «اليوم قبل بُكرا»، ولكن شرط أن تكون رئاسة إتحاد مجلس الطلاب المكوّن من الهيئات الطالبية، مداورة بين الطوائف، ومناصفة بين المسلمين والمسيحييين».
ويتابع معرباً عن أسفه: «لكون المسألة عالقة حول اتحاد مجلس الطلبة ورئاسته، لا بدّ من حلّها قبل أي شيء».
ويلفت موسى، إلى انّ «الإجتماعات كافة التي دارت بين الأحزاب حول الانتخابات الطالبية، كانت تصل في كل مرّة إلى حافة التوافق وتتعرّقل من جهة محددة، لا ترغب في خوض غمار الاستحقاق عن سابق تصور وتصميم».
«التقدمي الاشتراكي»
«إلغاء الانتخابات الطالبية يؤدي إلى تراجع الحياة والمستوى في الكليات، وهو صفعة لكل اللبنانيين وتحديدا للمنظمات الشبابية». يقول الامين العام لمنظمة الشباب في الحزب «التقدمي الاشتراكي» محمد منصور، موضحاً في حديث لـ«الجمهورية»: «منذ العام 2012 اجتمعنا كمنظمات شبابية كافة، واتفقنا على قانون النسبية للانتخابات وقد وافق عليه الجميع، ورضينا كمنظمة، ان نخسر مقاعد في بعض الكليات بهدف إعادة الصوت للطلاب، لأنّ المجالس الطلابية المتوافرة في الجامعة هي مجالس غير تمثيلية تخرّج من انتخبها منذ سنوات، وما من صوت مسموع إلّا صوت الإدارة».
ويؤكّد منصور، انّ «القضية الأساسية إعادة الانتخابات للجامعة اللبنانية، وذلك ضمن مجموعة مطالب منها، تحسين البنى التحتية، المناهج، وغيرها».
وكشف عن أنّ المنظمة في صدد الإعداد لمؤتمر يجمع الاساتذة والطلاب قبل نهاية هذه السنة، وسيُقسم على مستويات عدّة منها اللوجستي، الاكاديمي، المطلبي.. يتناول جامعتنا من جوانبها كافة بما فيها عودة النشاط السياسي».
«المستقبل»
اما مسؤول ملف الجامعة اللبنانية في قطاع الشباب في تيار «المستقبل» جلال عون، فيعرب عن تململ الشباب قائلاً: «الإنتخابات الطالبية هي المسار الحقيقي للعمل الديمقراطي، وطلاب الجامعة اللبنانية يمثلون شريحة كبيرة من المجتمع، للأسف البعض منا شارك في الانتخابات البلدية أو النيابية كأوّل تجربة له، نظراً لعدم ممارسته حق الاقتراع في كليته».
ويتابع في حديث لـ«الجمهورية»: «أُشبعنا وعوداً وحججاً واهية، وحان الوقت بعدما شهد البلد كافة أنواع الاستحقاقات، أن يشارك طلاب «اللبنانية» في استحقاقهم».
ويضيف: «مرّة يتحججون بالوضع الامني وفي المشهد السياسي، ومراراً يتلطون خلف غياب نظام لاتحاد الطلبة. والسنوات تمرّ ونحن غائبون عن قرارات جامعتنا»، مشيراً إلى «انّهم كقطاع شباب، إجتمعوا ضمن ورشة تنظيمية، ووضعوا على قائمة أعمالهم ملف الجامعة اللبنانية كأولوية».
الإدارة: «مش مطنشة»
فيما تكبر نقمة الطلاب ككرة ثلج، وتبدو لهم انّ الادارة «مطنشة»، يؤكّد مصدر مسؤول في الادارة لـ«الجمهورية» «انّ الجامعة على دراية بنقمة الطلاب، وملف الانتخابات ليس على الرف، انما ترغب في تأمين خلفية قانونية لتمثيلهم عبر التمكّن من تشكيل إتحاد مجلس الطلاب بعد الانتخابات الطالبية، لأنّ أي انتخابات لا تتوّج بإنشاء مجلس يمثل الهيئات الطلابية كافة في الجامعة لا جدوى منها».
ويتابع المصدر: «لا بدّ من تحديد آلية الانتخابات، قوائم الترشح، التمثيل، معايير النجاح… وصولاً إلى انتاج مجلس للطلاب صلاحياته معروفة، وفي الوقت الراهن تفتقر الجامعة لهذه الآلية».
ويلفت المصدر إلى انّ «العرقلة لا يتحمّلها أحدٌ من الذين تولوا رئاسة الجامعة، انما العقدة في اختلاف الاحزاب في ما بينها، وتحديداً هاجسهم في ضمان حجم تمثيلهم في مجلس الطلبة».
في الوقت نفسه، لا ينكر المصدر، انّ الظروف مشجعة اليوم أكثر من أمس، فيقول: «لا شك في انّ ظروفاً قاسية مرّت على البلاد، ولم تشأ الجامعة أن تزيد الاحتقان بين الشباب، وفي الوقت نفسه قد لا يكون لديها قدرة على ضبطهم نتيجة توسعها الجغرافي وإمتدادها المناطقي، فكان الخيار بأن تمتص قدر المستطاع الاجواء المتشنجة، ومرّات «المر أفضل من الأمرّ».
هل من موعد قريب للانتخابات؟ يجيب المصدر: «يبدو انّ الوقت أصبح مناسباً لإنجازها، وهذا ما سنسعى إليه قريباً». ويبقى الطلاب: «على الوعد يا كمون».