كتبت بولا أسطيح في صحيفة “الشرق الأوسط”:
تتراكم المعطيات والدراسات التي تؤكد تخطي لبنان الخطوط الحمر فيما يتعلق بتلوث البيئة، وآخرها إدراج منظمة «غرين بيس» البيئية العالمية مدينة جونية بين المدن الأكثر تلوثاً في العالم، بعد احتلالها المرتبة الخامسة عربياً والـ٢٣ عالمياً، من حيث نسبة الغاز الملوث ثاني أكسيد النيتروجين في الهواء (NO2)، لتنافس بذلك بيروت والمناطق المحيطة بالعواصم الصناعية الكبرى على المراتب الأولى للمدن الأكثر تلوثاً في العالم، ولتسبق جونية مدناً كبرى مثل القاهرة ونيودلهي.
ولا يقتصر التلوث الذي يعاني منه لبنان على الهواء، بل يطول المياه الجوفية ومياه البحر والشواطئ، كما التربة. وقد أدى التلوث الكبير الذي يشهده أكبر الأنهر اللبنانية، نهر الليطاني، لبلوغ نسب المتوفين جراء مرض السرطان مستويات هائلة وغير مسبوقة. وتصدّر لبنان أخيراً لائحة دول غرب آسيا في عدد الإصابات بمرض السرطان قياساً بعدد السكان. وأفاد تقرير صدر في شهر سبتمبر (أيلول) الماضي عن منظمة الصحة العالمية، بأن هناك أكثر من 17 ألف إصابة جديدة في عام 2018، و242 مصاباً بالسرطان بين كل 100 ألف لبناني.
وتتحدث الإحصائية في الإدارة البيئية في الجامعة الأميركية في بيروت والعضو في ائتلاف إدارة النفايات سمر خليل، عن «نكبة بيئية يشهدها لبنان تستدعي إعلان حالة طوارئ»، لافتة إلى أن التلوث قد طال كل مقومات الحياة، سواء المياه أو التربة أو الهواء، مشيرة إلى أن بعض المزروعات يتم ريها بمياه الصرف الصحي التي يصب معظمها أيضاً في البحر. وتقول خليل في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «مياه البحر غير صالحة للسباحة، كما أن الأسماك في المياه الإقليمية اللبنانية غير صالحة للأكل». وتشير خليل إلى أن أحد أبرز أسباب تلوث الهواء يكمن في الاستعمال المفرط للمولدات الكهربائية المنتشرة بين منازل اللبنانيين، موضحة أنها تشكل «مصدر تلوث مهولاً باعتبار أنه وبمجرد تشغيلها تزداد نسبة الملوثات في الهواء نحو 30 في المائة».
ففي الوقت الذي لا يزال فيه الصراع على الآلية المثلى لحل أزمة الكهرباء مستمراً، انتشرت مولدات الكهرباء بشكل كبير، ما أدى إلى زيادة نسبة الملوثات المسرطنة في الهواء. وأظهرت دراسة أعدتها «الجامعة الأميركية في بيروت» أن في منطقة الحمرا وحدها 496 مولداً كهربائياً، وأن السكن قرب مولد كهربائي يتسبب في ارتفاع خطر الإصابة بسرطان الرئة 13 مرة. وبحسب منظمة الصحة العالمية، فإن نسبة الجزيئيات في الهواء أعلى بنسبة من 150 إلى 200 في المائة من الحدود المسموح بها.
ويشير مسؤول حملات «غرين بيس المتوسط» في العالم العربي جوليان جريصاتي، إلى أن مصادر تلوث الهواء في لبنان معروفة ويتوجب وضع خطة واضحة المعالم للتصرف فوراً لوضع حد لها، لافتاً إلى أنه إلى جانب المولدات الكهربائية، يُشكل حرق الفيول لتوليد الكهرباء، سواء عبر المعامل أو البواخر التي استقدمناها من الخارج للمساعدة في تأمين النقص في التيار الكهربائي، سبباً رئيسياً لارتفاع نسبة تلوث الهواء، ما يستدعي الاتجاه إلى الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية التي يعتمد عليها عدد كبير من دول العالم.
ويوضح جريصاتي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن ارتفاع عدد السيارات المستخدمة في لبنان يُشكل أيضاً عاملاً سلبياً يُضاعف من تلوث الهواء، مشدداً على وجوب التصدي لهذا الواقع من خلال وضع خطة للنقل المشترك، لا خطط لتوسيع الطرقات. ويضيف: «كيف نفسر أننا ننافس اليوم دولاً صناعية كبرى على المراتب الأولى للبلدان الأكثر تلوثاً في العالم، ونحن أصلاً لسنا دولة صناعية؟ ما يحصل خطير جداً والدراسة التي دلت على جونية إنما تؤكد أيضاً أن كل المناطق المحيطة بها، أي ساحل كسروان وجبل لبنان وبيروت، كلها مناطق تشهد تلوثاً هائلاً يستدعي استنفاراً من قبل أجهزة الدولة للتصدي له».
وبدورها، أوضحت مؤسسة «كهرباء لبنان» تعقيباً على تقرير منظمة «غرين بيس» حول تلوث الهواء في مدينة جونية، الذي ركز على ثاني أكسيد النيتروجين (NO2) ملوثاً رئيسياً للهواء، كما ذكر معمل الذوق من ضمن مسببات هذا التلوث، أنه «انطلاقاً من حرصها على صحة المواطنين القاطنين في محيط معمل الذوق الحراري، سبق واتخذت عدة إجراءات لتخفيض نسبة أكاسيد النيتروجين (NOx) في المعمل، إضافة إلى سائر الانبعاثات، بحيث باتت مطابقة لمعايير وزارة البيئة اللبنانية».