كتبت هديل فرفور في “الاخبار”:
السجن ثلاثة أشهر لأمّ بتهمة عدم إقناع طفلها بالذهاب الى والده، هو خلاصة الحكم الغريب الصادر عن محكمة دائرة التنفيذ في جويّا إنفاذاً لحكم شرعي يقضي بتسليم ابن السنوات الخمس الى والده. وإذ جرت العادة بأن تحبس الأم في حال تمنّعها عن التنفيذ، لم يحدث أن يُحكم عليها بالحبس في حال تمنّع الطفل، ما يعيد طرح الإشكالية الأساسية المتعلّقة بالمكانة التي توليها المحاكم الدينية لمصلحة الأطفال في ظل صراعات الأهل.
نهاية الشهر الماضي، أصدر رئيس دائرة التنفيذ في جويّا، القاضي ريشارد السمرا، قراراً بسجن ريتا شقير ثلاثة أشهر «في حال تمنّعها عن تسليم ابنها لوالده (…) إنفاذاً للحكم الشرعي الرقم 18/2017 الصادر عن المحكمة الجعفرية في تبنين بتاريخ 13/5/2017».
بحسب رواية الأمّ، زارت مأمورة التنفيذ منزلها مرتين بهدف تنفيذ حكم «الجعفرية» القاضي بتسليم الطفل الى والده، «وفي المرتين رفض الطفل الذهاب مع والده». وأوضحت شقير لـ«الأخبار» أن الطفل كان «يبدأ بالبكاء والصريخ في كل مرّة كانت تلجأ فيها الى تسليمه الى والده»، لذلك قررت إبقاءه معها.
المُفارقة أنّ القاضي برّر قرار حبس الأمّ باعتبار أن «الطفل القاصر لا يكون واعياً ومدركاً لأقواله وأفعاله، وأنّ الراشد المُقيم معه يكون مسؤولاً حكماً عن هذه الأفعال». هكذا، تعدّ شقير مذنبة لأنها نزلت عند رغبة ابنها، وعليه فإنها تستحق الحبس! إذ إنه وفق نص القرار: «…وحيث إن إدلاء المُنفّذ عليها بأنها لا تمانع تسليم الطفل الى المُنفّذ، ومن ثمّ لجوؤها إلى رفض الطفل للذهاب مع والده للتمنّع عن التنفيذ، يؤكّد أنها متمنعة عن تسليم طفلها، ولا سيّما أنه يبلغ من العمر حوالى الخمس سنوات فقط. وبالتالي فإنّ من واجبها إفهامه وتوعيته وإرشاده وإقناعه بالذهاب مع والده، وتكون هي المسؤولة عن الرفض، ولا سيّما أنه لم يتبيّن أن المنفذ قد ألحق الضرر أو الأذى بابنه»!
وفق منطق القاضي، على الأم أن تعاند أمومتها وتواجه ضعفها أمام ابنها وتقنعه بالذهاب الى والده، وأن تكتفي بتنفيذ القرار الشرعي المؤقت الذي أجاز لها رؤيته 24 ساعة فقط في الأسبوع، وأن تتركه، كما تقول، في «بيت جدّه لأبيه مع العاملة المنزلية». وأشارت شقير إلى أن طليقها يقيم في بيروت، فيما يُراد للطفل أن يقيم في منزل جدّه، علماً بأن جدّته متوفاة وعماته ملتزمات بدوامات عملهن، متسائلة: «من أحقّ بتربية الطفل: أنا أم العاملة المنزلية؟»!
اللافت أن القرار القضائي «يعترف» بأن إدلاءات الأم «جدّية»، لجهة إفادتها بأن الوقوف عند رغبة الطفل ينسجم والاتفاقيات الدولية لحقوق الطفل. لكنّه يستطرد بأن ذلك «يخرج عن اختصاص هذه المحكمة ولا يمكن النظر إليها في المرحلة الراهنة، ولا سيّما أنّ دعوى الأساس معروضة أمام المحاكم الجعفرية»، لافتاً إلى أنّ «الادعاءات المُقدّمة من المُنفّذ عليها يجب أن تتجه إلى المحاكم الجعفرية وليس الى هذه المحكمة». وهنا، تُطرح الإشكالية المتعلّقة بمدى بمراعاة المحاكم الشرعية لمصلحة الطفل في ظل «صراعات» الأهل، وقدرتها على أخذ هذه المصلحة في الاعتبار في أي قرار بمعزل عن انحيازها الضمني للأب، وفق ما أثبتت تجارب عدة.
يُشار إلى أن المحكمة الجعفرية لم تبتّ، حتى الآن، دعوى تقدّمت بها شقير منذ أكثر من سنة متعلّقة بـ«إثبات طلاق وتسليم مهر». وبالتالي فإنّ المماطلة المعهودة في المحاكم الشرعية أدّت الى عدم بت مسألة الحضانة النهائية، واقتصار الحكم المؤقت على بقاء الطفل مع والده. وتعيد هذه القضية، مجدداً، طرح الإشكالية القديمة ــــ الجديدة المتعلقة بالنهج الذي تتبعه المحاكم الدينية في قضايا النساء لجهة المماطلة وعدم الإنصاف. كما تعيد طرح أهمية إقرار قانون مدني موحّد للأحوال الشخصية وكفّ يد المحاكم الدينية عن قضايا الأحوال الشخصية عموماً، وقضايا النساء خصوصاً.
وكيل الدفاع عن شقير، المحامي نجيب فرحات، أعرب عن دهشته لقرار القاضي، «إذ سبق لدائرة التنفيذ أن أصدرت أحكامها بالحبس في حال تمنع الأم عن تسليم الولد، ولكن لم يسبق أن أصدرت حكماً بالحبس على الأم في حال تمنّع الطفل عن التنفيذ». وتقدّم فرحات بطلب اعتراض على القرار مرفقاً بطلب وقف التنفيذ، على أن يكون الأربعاء المُقبل موعداً نهائياً لجلسة بت الطلب. وأشار ألى أنّ فترة أسبوع بين الحكم بالحبس وبتّ الاعتراض «مدة كبيرة، ذلك أنه كل يوم يعدّ محسوباً بالنسبة للشخص المحكوم عليه بالحبس»، موضحاً أن الأم قد تتعرّض للسجن في أي وقت. فيما تؤكد شقير أن قرار حبسها ثلاثة أشهر «أقلّ ثمن ممكن أن أدفعه لحماية ابني وتنفيذ رغبته بالبقاء في حضني».