روى المصور الفوتوغرافي نبيل اسماعيل قصة مؤثرة عن صورة التقطها خلال حرب الإلغاء عام 1990، حلّت لغزاً لعائلة لبنانية عمره 27 سنة.
وكتب نبيل أسماعيل عبر صفحته على “فيسبوك”:
بعد قرابة أسبوع من استضافتي وزميلي المصور جوزيف براك في البرنامج التلفزيوني للاعلامي جو معلوف في أواخر العام 2017. حيث عرضتُ ضمن المقابلة بعض الصّور التّي التقتطها خلال الحرب الأهلية اللبنانية، ومن ضمنها هاتين الصورتين اللتين التقتطهما خلال حرب الألغاء. ” حرب الألغاء كانت عام 1990 . جرت بين وحدات من الجيش اللبناني التي كانت بإمرة الجنرال ميشال عون وقادها من قصر بعبدا، وبين القوات اللبنانية برئاسة سمير جعجع“. وقد سُميت بـ ”حرب الإلغاء“ بعد اتهام جعجع لعون بمحاولة إلغاء القوات اللبنانية بناء لرغبة سورية “. ، وجرت المعارك في المنطقة الشرقية من بيروت وفي مناطق سيطرة الميلشيات المسيحية. قُتِل فيها المئات وأصيب الآلاف من المدنيين. وهجّرت هذه الحرب أكثر من نصف مليون مواطن مسيحي من مناطقهم”.
جاءني إتصال من شخص لا أعرفه رغم انه قال لي أسمه ”حقيقة نسيت الاسم“. وبلطف سألني حضرتُك التقطت هذه الصّور التي عُرضت على الشاشة ؟، أجبت نعم، بأي سنة التقتطها؟ قلت خلال حرب الألغاء، عام 1990. سألته عن السبب؟، قال صورتك حلّت لنا لغزاً عمره 27 سنة !! ، قلت معقول!! لم أفهم جيداً الرجاء التوضيح أكثر؟!!، قال إن صاحب الصورة شخص يعمل طبيباً في مستشفى ” اوتيل دو“، ومن يومها نحن عائلته لا نعرف عنه شيئاً، أحياناً نعتقد أنه مخطوف واحياناً معتقل في سوريا وأحيانا نقول أنه قتل!!! نعيش في دوامة عمرها 27 سنة!!، يومها أفتقدته عائلته لم يعد الى منزله كعادته كل مساء. في اليوم الثاني إتصلنا في مكان عمله في المستشفى حيث أفادونا أن الطبيب قد غادر المستشفى ظهر أمس. ومن يومها لم يعد الى منزله ونحن نعيش لغزاً محيّراً، اين الطبيب ؟ حي أو ميت؟..
تابع متّصلي، حين شاهدنا صورك على الشاشة أصبنا بالصدمة…. وتأكدنا ان الجثة في الصورة هي جثة الطبيب والسيارة سيارته“ وأكّدت صورك لنا أنه سقط ضحية خلال الاشتباكات التي جرت في تلك المنطقة، لقد قتلوه وهو متجه الى منزله . لقد حلّت صورك لغزاً حيّرنا وشغل عقلنا خلال 27 سنة.
مرّت قرابة دقيقتين لم أتكلم خلالها ولا المتّصل تابع كلامه معي، حلّ اللغز فاجأني وأربكني، لم أعد أعرف ماذا أقول، صمتٌ مطبق متبادل بيننا، ثم أيقظني من صمتي سؤاله هل نستطيع الحصول على الصور؟؟. بصوت خافت وحزين قلت نعم. نعم أنا آسف، أسفاً شديداً وينتابني شعورٌ قاسٍ في هذه اللحظات، ماذا أقول لك سيدي، انا جداً آسف أنني صوّرته مقتولاً ومتروكاً على الأرض، انها مهنتي، لقد مارست عملي كمصور من دون تحيز، انه واجبي آسف انني التقطت صورةً لأحد الضحايا الأبرياء بهذا الشكل، كما أنني آسف لأي ضرر سببته بعرضي الصّور على شاشة التلفزة… ثم عدت الى صمتي.. لكن المتصل كان أشجع مني اذ قال بالعكس نحن نشكرك لأننا الآن إرتحنا، حللت لنا اللغز وعرفنا مصير الطبيب، سأعاود الاتصال بك للحصول على الصّور.
أنا بأنتظار معاودة هذا الشخص الإتصال بي لإعطائه الصّور، وآسف اذا جرحت شعور أحد أفراد عائلته بنشري هذه القصة التي هي واحدة من آلاف قصص الحرب الأهلية التي تحكي مأساة الحرب وويلاتها كما تروي قصصاً لأناس أبرياء سقطوا ضحايا الحقد والاقتتال.
ملاحظة: وايضاً نسيت إسم الطبيب الضحية رغم ان المتّصل أخبرني بإسمه لكنني نسيت الإسم لشدّة دهشتي من أنّ صورة ً فوتوغرافيةً حلّت لغزاً عمره 27 سنة”.