Site icon IMLebanon

حيّدوا لبنان قبل فوات الأوان (بقلم رولا حداد)

منذ أعوام دخل الحياة السياسية اللبنانية مصطلح “النأي بالنفس” عن صراعات المنطقة التي اشتعلت خصوصاً بعد اندلاع الحرب في سوريا. لكن جوهر النأي بالنفس ليس وليد البارحة، إذ إن الدعوة إلى تحييد لبنان وحياده عن الاصطفافات والصراعات والحروب التي لا تنتهي في منطقة تغلي منذ نكبة فلسطين التي وقعت بعد سنوات قليلة على نيل لبنان استقلاله في العام 1943.

في كل الأزمات التي مرّت على المنطقة كان ثمة من يدعو من اللبنانيين إلى حياد لبنان وتجنبيه خطر الانزلاق نحو زلازل المنطقة التي تبدو منذ عقود وكأنها تقف على صفيح ساخن عنوانه الصراع العربي الإسرائيلي.هكذا ومع مختلف الموجات التي ضربت لبنان، بدءًا من المواجهة الكبرى بين حلف شمالي الأطلسي وحلف وارسو، من القومية إلى الناصرية إلى الصراع حول حلف بغداد وبعده ثورة الـ1958، وصولاً إلى الحروب العربية- الإسرائيلية التي لم يشارك فيها لبنان بفعل اتفاقية الهدنة الموقعة في العام 1949، ولتحييد نفسه عمّا يجري رغم تأييده المطلق للقضية الفلسطينية، مروراً بخطيئة “اتفاق القاهرة” العام 1969، التي أدت الى الانزلاق التدريجي الى حرب العام 1975.

وإذا كان الصراع العربي- الإسرائيلي شكل العنوان الأبرز للصراعات في المنطقة، فإن الصراع السني- الشيعي بات في مكان ما يشكل خطراً أكبر لأنه يضرب في داخل عدد من الدول العربية من لبنان إلى اليمن مروراً بسوريا والعراق والبحرين، والذي بدأت فصوله السياسية الحديثة مع انتصار الثورة الخمينية في إيران، ومن ثم حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران، قبل أن يتوسّع منطق “تصدير الثورة” بداية عبر إنشاء “حزب الله” في لبنان، لتنفتح بعدها الآفاق أمام إيران بعد إسقاط الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، فغزا الحرس الثوري العراق وأسّس ميليشيات الحشد الشعبي، وتوسّع في إنشاء الميليشيات الشيعية في عدد من الدول العربية، وصولاً إلى المشاركة الكثيفة في الحرب السورية لحماية نظام الرئيس السوري بشار الأسد.

واليوم تدخل المنطقة منعطفاً جديداً مع بدء سريان العقوبات الأميركية الجديدة والموجعة على إيران، بالتزامن مع خطين في الانفتاح على اسرائيل: فمن جهة باتت إسرائيل ضيفاً غير مزعج في عدد من الدول العربية في كسر واضح لمبدأ مقاطعة إسرائيل، من سلطنة عمان إلى الإمارات وقطر، ومن جهة ثانية بات “طبيعياً” أن تشارك وفود إيرانية ووفود إسرائيلية في مؤتمر اقتصادي واحد في الدوحة، ما يسقط كل جوهر الممانعة ودعوات إيران إلى “إزالة إسرائيل” من الوجود كما يسقط شعار “زحفاً زحفاً نحو القدس”!

أمام هذا الواقع يشكل لبنان الحلقة الأضعف بكل المعاني، بدءًا من طبيعة دولته وتركيبته الهشّة للعوامل المعروفة، مروراً باقتصاده المنهار، وليس انتهاءً بغياب أي مقومات قوة لديه وخصوصاً بعدما صادر “حزب الله” قرار دولته ومؤسساته، وها هو اليوم يصادر قرار تشكيل حكومته ليجعله ورقة في يد طهران في صراعها مع الغرب على خلفية العقوبات.

لذلك فإن المطلوب اليوم اليوم قبل الغد أن يدرك جميع المعنيين في لبنان أن لا قدرة لدينا على تحمّل تبعات أي مواجهة إيرانية- أميركية على أراضينا، لا سياسياً ولا اقتصادياً ولا اجتماعياً، وان مطلب تحييد لبنان عن هذه الصراعات لم يعد ترفاً بل بات ضرورة قصوى إذا لم يتم اللجوء إليها ينهار الهيكل على رؤوس الجمع.

والمطلوب في هذا الإطار تشكيل حكومة اليوم وإسقاط كل الذرائع الواهية التي يختبئ خلفها “حزب الله”، والمسارعة إلى لملمة أوضاعنا الداخلية والاستفادة من فرصة الأموال الموعودة في مؤتمر “سيدر” قبل الوصول إلى الانهيار الكبير، لأنه عندها سيكون فات الأوان ولن ينفع أي ندم!