كتبت سناء الجاك في صحيفة “الشرق الأوسط”:
يخيم الهدوء على مخيم «المية ومية» الفلسطيني بعدما شهد طوال أسبوع، جولات من المعارك الشرسة بين حركة «فتح» وتنظيم «أنصار الله» الذي يقوده الفلسطيني جمال سليمان، والتي أعادت إلى الأذهان مشاهد الفلتان الأمني الذي لا يكاد يغيب حتى يعود ليفضح مدى انكشاف الساحة اللبنانية الهشة على احتمالات تطيح بالأمن والاستقرار عندما تتطلب مصالح البعض ذلك.
والاشتباكات سلطت الضوء على تهديد لوجود المسيحيين في قرى شرق صيدا وتكرار سيناريو التهجير الذي عاشوا كابوسه خلال الحرب اللبنانية، بعد أن طاولت القذائف بلدة «المية ومية» المتاخمة للمخيم، ذات الأكثرية المسيحية وعطلت الحركة والمدارس فيها. وفي حين تولى مهمة المعالجة «حزب الله» وحركة «أمل»، اعتبر أهالي المخيم أن توقف القصف لن يحول دون عودة الاشتباكات، إذا بقيت الأسباب التي أدت إليها.
والمخيم لا يتجاوز طوله 700 متراً وعرضه 600 مترا، ولطالما تميز بالأمان مع وجود الجيش اللبناني وسيطرته على مدخليه وإبقاء الوضع مضبوطاً. ويقول أحد المقيمين في المخيم لـ«الشرق الأوسط» بأن «فلسطينيي مخيم عين الحلوة (شرق صيدا في الجنوب) كانوا يغبطون أهالي «المية مية» على إقامتهم في مخيم يربض فوق تلة مشرفة على البحر، إلى الجنوب الشرقي لمدينة صيدا. سكانه من العائلات تجمعها أواصر القرابة والنسب، غالبيتهم مسالمون ومتآلفون يعيشون في بيئة هادئة ولديهم علاقات جيدة مع أهالي بلدة «المية ومية». ولم تشهد بيئة المخيم ما يعكرها حتى اخترقها جمال سليمان وتنظيمه «أنصار الله» مخرباً استقراره وزارعاً الخوف بين سكانه».
ويقول رجل الدين السنّي المقرب من «حزب الله» الشيخ ماهر حمود لـ«الشرق الأوسط»: «نأمل ألا يتكرر ما حصل بين «فتح» و«أنصار الله»، فالضغط الذي مورس على الفريقين كبير جداً. الحجج التي استندت إليها «فتح» أزيلت، فالمخيم صغير ولا يحتمل مثل هذه المعارك التي تتجاوزه إلى الخارج».
مصدر في حركة «فتح»، تحفظ عن ذكر اسمه، قال لـ«الشرق الأوسط» بأن «قوات «فتح» وصلت إلى المبنى الذي يقيم فيه جمال سليمان. وأصبح ساقطاً عسكرياً، ما دفع «حزب الله» وحركة «حماس» للتدخل سريعاً حتى يتوقف إطلاق النار». ويضيف أن «وفداً من «فتح» زار الشيخ ماهر حمود، وأطلعه على حقيقة ما يجري وكشف له أن «حماس» و«الجهاد الإسلامي» أعطياه معلومات غير صحيحة عن مجريات الأحداث في المخيم. عندها وعد بإجراء اتصالات على أعلى المستويات مع الحزب».
ويضيف المصدر أن وفد «فتح» أعطى أدلة أن سليمان الذي يموله «حزب الله» ويوفر له السلاح والعتاد، يمول بدوره «دواعش» في عين الحلوة ويمدهم بالسلاح والمال والعتاد. وقال: «الوفد سأل من التقاهم في الحزب: إذا كنتم تقاتلون الدواعش في سوريا، كيف تدعمون من يمولهم في لبنان؟ بالتأكيد أُحرج الحزب وتعهد أن ينهي الحالة بإخراج سليمان من «المية ومية» وإنهاء وضع «أنصار الله» ليقتصر وجودهم على مخيم عين الحلوة، ولا تزال «فتح» بانتظار وفاء الحزب بتعهده. جمال سليمان لا يزال في المخيم. وعلِمنا أن سلاحاً وصل إليه بعد وقف إطلاق النار، كما أن منازل عناصر ومسؤولين في حركة «حماس» في «المية ومية» أخليت وتمترس فيها مقاتلون من الحركة، وشاركوا إلى جانب سليمان في المعركة ضد «فتح»، أربعة منهم حوصروا واعتقلوا وسلموا إلى الأجهزة الأمنية اللبنانية، أحدهم مرافق قيادي في حماس».
ويقول المصدر الفتحاوي لـ«الشرق الأوسط» «منذ البداية، كان هدف الأمين العام للتنظيم جمال سليمان هو السيطرة على المخيم، وفرض نفسه رقماً سياسيا. وهو مدعوم من الفصائل الإسلامية بمواجهة حركة «فتح»، وأصبح أحد المقررين في المخيم. فقد تسبب خلال سنة ونصف باشتباكات وأضرار على فتح».
أما الشيخ حمود فيقول إن «الأحداث افتعلتها عناصر غير منضبطة من «فتح»، القيادة تجاوبت معنا. الأمور أصبحت واضحة للفريقين، لا سيما بعد أن تدخل «حزب الله»، بعد جهودنا مع حركة «أمل» وطرحنا فكرة خروج جمال سليمان من المخيم. لكن ما حصل كان أفضل، فقد وعد الحزب بإنهاء الحالة بشكل جذري ومعالجة أسبابها. وهو لم يقل حرفياً إنه سيُخرِج جمال سليمان من المخيم».
ويكشف المصدر الفتحاوي أن «القصة لم تبدأ مع الأحداث الأخيرة. فقبل شهرين ألقت شعبة المعلومات القبض على نائب سليمان محمود حمد للاشتباه به في محاولة اغتيال مسؤول المخابرات في سفارة فلسطين إسماعيل شروف العام 2017. وتقول مصادر إنه متورط في ملفات أمنية خطيرة تكاد توازي ما ارتكبه الوزير السابق ميشال سماحة، وهو يعمل بالتنسيق مع علي المملوك الذي يوصف بالعقل المدبر لـ(أنصار الله)».
وفي حين يطالب اللبنانيون والفلسطينيون بدخول الجيش إلى المخيم، يقول قائد عسكري سابق لـ«الشرق الأوسط» إن «الجيش يمسك محيط المخيم من خارجه ودخوله لا يتم بقرار عمليات عادي. والسماح له بضبط الأمن فيه يتطلب قراراً سياسيا إقليميا ودولياً. وهناك لجنة أمنية في المخيم تنسق مع مخابرات الجيش، وهم مطلعون على مجريات الأمور، لكن التنفيذ منوط بالفلسطينيين».