كتب طارق ترشيشي في “الجمهورية”:
يؤكّد السفير البريطاني في لبنان كريس رامبلنغ، وجود رغبة لبنانية بالإصلاح والتغيير، وأنّ لبنان «قادرٌ على تخطّي المصاعب». وأكّد أنّ بلاده «تواصل دعمها لتشكيل حكومة في لبنان»، معتبراً، أنّ «من المهم أن يتمكّن سعد الحريري من إحراز التقدّم في هذا الملف لمواجهة التحدّيات». وإذ اكّد تمسّك بلاده بالاتفاق النووي مع إيران، إعتبر في المقابل، أنّ العقوبات الاميركية الجديدة عليها، غايتها وقف نشاطاتها في المنطقة، مشيراً الى عدم التزام إيران قرارات دولية تُلزمها بوقف هذه النشاطات، ومؤكّداً، أنّ بلاده لا تزال تعتبر الجناح العسكري لـ«حزب الله» «إرهابياً» على رغم مشاركة الحزب في الحرب على «داعش». ودعا الى تطبيق سياسة «النأي بالنفس» في لبنان «بالأقوال والأفعال».
مضت أشهر على إقامتكم في لبنان، أجريتم خلالها زيارات ولقاءات بروتوكولية، ما هي المحصّلة أو الخلاصة التي خرجتم بها، أو الانطباع الذي تكوّن لديكم عن لبنان ومناخه السياسي؟
– لقد استمتعت حقاً منذ وصولي الى لبنان، لقد أردت، زوجتي وأنا، القدوم الى هنا منذ وقت طويل، وقد أمضينا فترة كبيرة من حياتنا في الشرق الاوسط (الاردن، ليبيا، مصر، سوريا). لقد وجدت انّ لبنان بلد مدهش وجميل، وأعتقد أنني في حاجة الى مزيدٍ من الرؤية والاختبار، حتى استطيع إبداء رأي، ولكني وجدت مستوى عالياً جداً من المواهب والطموحات والأمل.
لقد قابلت السيّد محمد شقير في غرفة الصناعة، وجمعية المصارف مع جوزف طربيه، وقد لمست الأمل. ومن الواضح انّ هناك أجواء اقتصادية وسياسية صعبة في الوقت الحالي. وقد لمست الحاجة التي يطالب فيها كثيرون من أجل الإصلاح، ورأيت هذا في عدد من الوزارات وعند كثير من الوزراء. وكلي آمال في انّه، إذا تمّ العمل بهذه الرغبة للإصلاح والتغيير، فأعتقد انّ لبنان قادرٌ على تخطّي المصاعب. ونحن في المملكة المتحدة سنواصل وقوفنا الى جانب لبنان ودعمه بقوة.
قيل كثيراً، إنّ هناك إجماعاً دولياً على حفظ الاستقرار في لبنان، ولكن بعد كل التطورات التي تجري، هل ما زال هذا الاستقرار يحظى بالدعم الدولي؟
– لقد عشت معظم حياتي في هذا القسم من العالم، ولطالما كان لبنان دولة تعرف الصمود في وجه التحدّيات الداخلية والخارجية والسياسية والاقتصادية. وأعتقد انّه عندما ننظر الى مسألة «داعش»، التي كانت موجودة في العام الماضي، وكيف تصدّت القوات المسلحة اللبنانية لـ«داعش» ومخاطره، فإن هذا يعطيني الأمل.
وكما قلت سابقاً، هناك بعض التحدّيات السياسية والاقتصادية، وهي بسبب ما يحصل في المنطقة من جهة، ومن جهة ثانية بسبب بعض المعوقات الداخلية التي تتعلق بالخطط للمواجهة. وأعتقد، انّه إذا عملت الوزارات في الحكومة الجديدة على مواجهة هذه التحدّيات، فإنّ ذلك كفيل بالتأكيد بترسيخ الاستقرار. ونحن ملتزمون الوقوف الى جانب لبنان ودعمه في تحقيق استقراره.
منذ أشهر ولبنان يترقّب ولادة الحكومة، ولا يبدو أن هناك «حلحلة» في الأفق، كيف تنظر دولتكم إلى التطورات المحلية في لبنان؟
– هذه المسألة مسألة لبنانية داخلية، وتقع على عاتق السياسيين اللبنانيين مسؤولية تشكيل الحكومة. ويبدو انه كان هناك بعض التقدّم في هذا الملف أخيراً، وكذلك بعض التطورات يوم الاثنين (الماضي)، ولكن خاب ظن كثيرين بيننا مما آلت اليه الامور.
ولكن علينا النظر الى اللعبة على المدى الطويل، وأعتقد انه كان هناك بعض التقدّم، ونحن في المملكة المتحدة، نواصل دعمنا لتشكيل حكومة في لبنان، ونرى ان هناك كثيراً من التحدّيات التي يجب مواجهتها، ليس فقط على الصعيد الاقتصادي. ومن المهم أن يتمكن سعد الحريري من إحراز التقدّم في هذا الملف لمواجهة التحدّيات.
إلى أي مدى تهتم بريطانيا بدعم لبنان؟
– لدينا علاقة تاريخية مع لبنان تمتد لسنوات طويلة. ولكن في السنوات العشر الأخيرة تمكّن البلدان من ترسيخ علاقات تعاون قوية، وسيستمر دعمنا للجيش اللبناني، ونحن ملتزمون تماماً بهذا الأمر، كما نوفّر الدعم على المستوى التعليمي وأيضاً على مستوى الخدمات.
وأعتقد اننا كنا أول دولة تتحرّك لتأمين الأموال لصالح وكالة «الاونروا». سنواصل هذا الدعم، ولقد صرفنا خلال الاشهر الاثني عشر الاخيرة أكثر من 200 مليون دولار في لبنان. ونحن لا نقلق من موضوع المال ولكن، من موضوع التأثير الذي يمكن أن نحقّقه في لبنان. أمن وازدهار واستقرار لبنان، أمر مهم جداً بالنسبة لنا.
الى أي مدى تُقلقكم قضية اللاجئين السوريين؟ وهناك اتهام للدول الاوروبية بأنّها تريد بقاءهم في لبنان والاردن وغيرها من الدول حتى لا يتسرّبوا إليها؟
– أعتقد انّ هذه مسألة مهمة جداً، وأنا كنت في الاردن عندما اندلعت الأزمة السورية، واختبرت طوال عامين الضغط الذي عانته الاردن من هذا الموضوع.
ومسألة اللاجئين مهمة جداً بالنسبة الى لبنان والمملكة المتحدة وكل اوروبا. ومن شبه المستحيل تصوّر نقل نسبة السوريين الذين يبلغ عددهم مليوناً ونصف مليون شخص في دولة يبلغ عدد سكانها 4 ملايين نسمة واحتسابه على حجم أوروبا. ولا يمكن تصوّر معادلة كهذه، وهذا يعطينا لمحة الى حجم الضغط الذي يعانيه لبنان، والذي تمكّن بكل شجاعة وقوة تحمّل هذا العبء الكبير.
ونحن نرى أنّ مستقبل السوريين سيكون بعودتهم الى سوريا، ويجب علينا الحرص ان تكون عودتهم مستدامة. ونحن حريصون أيضاً أن تتم عودة اللاجئين في أمان الى مناطقهم. وأعتقد انّ أكبر عائق أمام تحقيق هذا الموضوع وعودة اللاجئين، هو مناخ الخوف الذي يخشاه السوريون، من أنّه سيتم قتلهم وقتل أفراد عائلاتهم، ويخشون أن يتم الإستيلاء على منازلهم وممتلكاتهم ويتم اجبارهم على الإنخراط في الجيش لمقاتلة إخوانهم السوريين.
ولكن في الوقت نفسه، نحن نركّز على الضغوط التي يواجهها لبنان، وقد تمكنا من تأمين مبالغ كبيرة من المال الى السلطات اللبنانية وغيرها في لبنان، لمساعدة الجهات الأكثر ضعفاً، لمواجهة هذه الضغوط، وسنواصل العمل على المشاريع المبتكرة التي نعتقد أنّها ستساهم في التخفيف من حدّة هذه المشكلات. وفي حين نسعى لتحسين الوضع في سوريا، نحن ملتزمون توفير الخدمات للبنان واللبنانيين.
ما هو موقف بريطانيا من رزمة العقوبات الاميركية الجديدة التي سيبدأ تطبيقها على إيران وحليفها «حزب الله» اللبناني؟
– أريد ان أعود قليلاً الى الوراء، والتذكير بأنّ الاتفاق النووي مع إيران هو اتفاق مهم جداً للاستقرار والامن في المنطقة، وهذا الاتفاق سمح لنا بالتعامل مع التهديد النووي الايراني، وهو اتفاق مهم بالنسبة الينا وبالنسبة للاوروبيين، إضافة الى انّ روسيا والصين لا تزالان ملتزمتين هذا الاتفاق.
والعقوبات الأميركية الجديدة لا تأتي نتيجة الانسحاب من هذا الاتفاق. نحن مهتمون كثيراً بهذا الاتفاق، ولكن، هذا لا يجعلنا ساذجين حيال نشاطات إيران في المنطقة وصواريخها الباليستية، وقد تمكّنا من التوصل الى اتفاق نووي، ولكن لا زالت لدينا مخاوف من نشاطات إيران في المنطقة.
لكن إيران تعتبر انّ صواريخها الباليستية ليست مُدرجة ضمن الاتفاق النووي، وتعتبر انّ من حقها امتلاك هذه الصواريخ لحماية نفسها؟
– لا أستطيع ان أصدّق الطرح الايراني، لأنني اعتقد أنّ تطوير الصواريخ الباليستية والنشاطات في المنطقة هي عوامل مزعزعة للاستقرار. لكن، هناك سؤال قانوني هنا، الا وهو، إذا كانت إيران تعتبر انّ الصواريخ الباليستية ليست من ضمن الاتفاق النووي وهذا صحيح، ولكن هناك عدداً من قرارات مجلس الامن الدولي التي وقّعناها جميعاً تنصّ انّ على إيران إيقاف نشاطاتها في المنطقة.
كيف تنظر بريطانيا الى «حزب الله» اللبناني الذي قرّر تفعيل حضوره في مؤسسات الدولة، وهل باتت تصنّفه منظمة إرهابية كالولايات المتحدة الاميركية؟ أم انّها لا تزال تلتزم الموقف الاوروبي الذي يفصل بين الجناحين العسكري والسياسي فيه؟
– نحن لا زلنا نشعر بالقلق من بعض نشاطات «حزب الله»، وهذا جزء منه يعود الى مواصلة الحزب تطوير ترسانته العسكرية، حسب ما صرّح به الأمين العام للحزب منذ أيام، وفي جزء آخر بسبب نشاطات الحزب في المنطقة. ونحن دعينا ولا زلنا ندعو الى تطبيق سياسة «النأي بالنفس» عن الأزمات الاقليمية بالأقوال وبالأفعال ايضاً. وأعتقد انّ هذا الامر مهم جداً وجزء اساسي من سياستنا. ونحن لا زلنا نعتبر انّ الجناح العسكري لـ«حزب الله» ارهابياً.
ألا يمكنكم أن تعتبروا أنّ «حزب الله» في مكان ما، ساهم في مكافحة الإرهاب في حربه على «داعش» وغيرها من المنظمات التي تعتبرونها إرهابية وتعلنون دوماً انّكم تكافحونها؟
– الوضع في سوريا معقّد جداً، واحتاج هذا الوضع هناك الى قوى عدّة لمحاربة «داعش»، وقد نجحنا في التحالف الدولي من ضرب «داعش»، ووجّهنا لهم ضربات مؤلمة. وقد قرأت تقارير تفيد أنّ «حزب الله» من جهته قد خاض معارك ضد «داعش» في الوقت نفسه، ولكنني لا اريد لذلك ان يؤثر على موقفنا، من اعتبار الجناح العسكري لـ«حزب الله» ارهابياً، بناء على نشاطات وأفعال موثقة، تماماً مثل ما فعل الاتحاد الاوروبي في اعقاب تفجيرات بلغاريا.
ما هي انعكاسات «بريكست» على العلاقات الاقتصادية القائمة مع لبنان. وهل يمكن ان تؤثر على التبادّل التجاري بين البلدين؟
– يتمتع لبنان وبريطانيا بعلاقة قوية، تمتد الى ما قبل انضمام بريطانيا الى الإتحاد الاوروبي، وستستمر حتى بعد خروجنا منه. لذا، انا واثق تماماً من انّ علاقاتنا التجارية ستكون أقوى وأقوى، ويمكننا تحقيق المزيد على هذا المستوى، وهذا ملف سأعمل أكثر على تطويره وتحسينه خلال الاعوام الاربعة التي سأمضيها في لبنان.
والعلاقة التجارية بين لبنان وبريطانيا محكومة اليوم بالاتفاقات مع الاتحاد الاوروبي وبحسب قوانينه، وسنحتاج الى توقيع اتفاق جديد، من أجل ضمان ان تكون العلاقات بين البلدين تتمتع بالاستقرار بعد مغادرتنا الإتحاد الاوروبي. وأنا واثق من انّ هذا الامر سيحصل، ولكن الأهم، هو انّ هناك الكثير من الاشخاص الذين يريدون توقيع اتفاق أفضل بين البلدين ويصبّ في مصلحتهما.
ومتى غادرنا الاتحاد الاوروبي، آمل ان نتمكن من التوصل الى اتفاق أفضل ومحدد بين لبنان وبريطانيا. وسيكون هناك مؤتمر للمستثمرين في لندن في 12 كانون الاول، وانا اتطلع قدماً، ان تلعب الشركات اللبنانية والبريطانية، بالاضافة الى الأفراد، دوراً مهماً في هذا المؤتمر.
هل ترون انّ «اتفاق الطائف» بعد مرور أكثر من 27 عاماً على توقيعه، ما زال صالحاً بالنظام الذي أرساه للبنان؟ أم انّ المطلوب تطويره او تعديله، خصوصاً انّ بريطانيا هي من ضمن المجموعة الدولية التي تؤيّده؟
– لقد تحدّثنا سابقاً عن استقرار لبنان وقوته، وذلك مبني على عدد من الاتفاقات التي تمّ توقيعها في فترات مختلفة. وأعتقد انّ هذه الاتفاقات جاءت نتيجة مفاوضات مهمّة، إتفق فيها جميع الأفرقاء على التفاصيل والآليات، وهذه الاتفاقات مهمّة لبناء مستقبل لبنان عليها.