كتبت صحيفة “اللواء”:
أخذ حزب الله قراره: فلتتأخر الحكومة، ولتفرض عقوبات جديدة على إيران والحزب، والمحور الدائر في هذا الفلك، ولتكن مواجهة مع التيار الوطني الحرّ، ولا بأس، فلتمتحن العلاقة بين قيادة الحزب ورئاسة الجمهورية اللبنانية..
المقابل، الظاهر، توزير نائب من ستة نواب، هم النواب السنّة، المحسوبين، أو المقربين أو الحلفاء لحزب الله (ما حدا يزعل) في حكومة الرئيس سعد الحريري.
أمَّا في الخفاء، لست أزعم أن لدّي معلومات، في هذا السياق، لكنني أعتقد ان وراء الأكمة ما وراءها. والمشكلة لا تكمن في حسابات إقليمية أو دولية من هذا النوع أو ذاك، لكنه مجرَّد اعتقاد، ينتمي إلى التجربة والخبرة، والميتافيزيقا، التي تقف دائماً وراء الأحداث، لا سيما الأحداث الكبرى الجارية على جبهة المصالح المتطاحنة الدولية والإقليمية على أرض العرب «الغلابى» (أي الذين لا حول لهم ولا قوّة) الذين ينزفون، ويموتون، ويقتلون، ويتقاتلون (لا فرق).
بداية: هل لموقف الحزب، الثابت بتوزير أحد سنّة 8 آذار خلفيات خارجية؟ الجواب ببساطة، ربَّما..
ثاني الأسئلة: هل الحزب بوارد التراجع عن هذا المطلب، الذي يبدو عقدة «مفتعلة»، في نظر الرئيس المكلف، والمجلس الشرعي الإسلامي الداعم له، فضلاً عن لقاء رؤساء الحكومات السابقين، وجبهة عريضة من حلفاء الرئيس الحريري؟
ثالث الاسئلة: هل الحزب، بات على استعداد لتحمل كلفة خلاف مع التيار الوطني الحر، ومؤسسه الذي صار رئيساً للجمهورية؟
رابع الأسئلة: ما هي الإمكانية المتاحة لإيجاد مخرج لهذه العقدة، المستعصية، والتي تحتوي في باطنها كل مكوّنات الاحتمالات المريرة: من تسجيل غلبة، أو تعطيل تأليف، أو الذهاب إلى أزمة مفتوحة؟
حجم الأسئلة هذه، هو من حجم الأزمة الجديدة.. أو العقدة، التي يُؤكّد حزب الله على لسان نائب أمينه العام الشيخ نعيم قاسم انها قديمة، وليست جديدة، وأن المعنيين بالتأليف لا يأخذونها على محمل الجدّ، حتى وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه.
والمخاوف الماثلة، عبَّر عنها رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، ليست بصفته وزيراً سابقاً للطاقة، أو بصفته وزيراً للخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الأعمال، بل بصفته السياسة، رئيساً لتيار، والمعاون الرئيسي لرئيس الجمهورية، في إدارة الملفات الصعبة والمعقدة، وفي مقدّمها ملف تأليف الحكومة، التي تختبر مرارة الشهر السادس، من دون إنضاج الأفق، عما إذا كانت الأزمة آيلة للحلّ في الأسابيع القليلة، التي تفصل البلاد والعباد عن عيدي الاستقلال أو رأس السنة.. عبَّر عنها الوزير باسيل، عندما قال أن تياره وفريقه لن يسمح بانفجار الوضع بين المكوّنات اللبنانية.
لن أدخل في مساجلة مع هذا الطرف أو ذاك.. لكنني أعود إلى الأسئلة، استنطقها من جديد، وأتفحص احتمالات الإجابة عنها..
لا بدَّ من المسارعة إلى القول أن الحزب ليس بوارد التراجع.. ولا حاجة لسرد سلَّة من الأدلة.. فهو لم يتراجع عن قانون النسبية، وهو لم يتراجع عن مطلب وزارة الصحة، وهو لم يتراجع عندما خيضت معركة تثبيت باسيل نفسه في وزارة الطاقة، وهو لم يتراجع عن إيصال عون نفسه إلى الرئاسة الأولى، وهو لم يتراجع عن تثبيت الرئيس نبيه برّي في رئاسة المجلس النيابي، واقتسام الشراكة على السيطرة على الشيعة اللبنانيين، المسلمين منهم والعلمانيين، المسجلين ومكتومي القيد، المقيمين والمغتربين على الأرض (الجغرافيا) ومؤسسات الدولة وإداراتها من الوزارات إلى المؤسسات العامة، ومن المعاهد المهنية إلى الجامعة اللبنانية، مروراً بالإبتدائيات والثانويات.. وما كان لهذه الطائفة (الخارجة من القمقم) من مكاسب ومناصب، ومصالح ومنافع.
وحزب الله، لم يتراجع عن تثبيت وزارة الاشغال لحليفه الماروني تيّار «المردة» ورئيسه «الصديق» والحليف سليمان فرنجية، بعد ان خذله في الرئاسة الأولى.
ومن هنا، أدلف إلى الإجابة عن السؤال الثالث: هل الحزب بات على استعداد لتقبل الخلاف مع باسيل وتياره، وصولاً إلى بعبدا؟
يحاذر الحزب، الوصول إلى هذه النتيجة الخلافية، قـرّر عدم الردّ مثلاً على زياد أسود (وهو نائب في تكتل لبنان القوي الذي يرأسه باسيل) وهو أعطى ما يلزم من توجيهات للابتعاد عن الهاشتاغز المُساجِلة أو المُخوّنة أو… للتيار الوطني الحرّ، وأكدّ على التحالف والصداقة، وكل عبارات المجاملة، ويحرص على حصر المشكلة داخل بيت الوسط، أو «البيت السُنّي» إذا صح القول..
ومع ذلك، تتحدث «معطيات ومعلومات» في آن معاً، ان الحزب بات أكثر قبولاً لمراجعة علاقاته الممتدة ما قبل 2006 مع الفريق العوني، ولكن ليس على كسر الجرَّة، بل وضع النقاط في نصابها..
وعليه، لم يعد حريصاً على العهد، ما لم يكن العهد حريصاً على مسيرته..
وعليه، هو لم يعد متمسكاً، أو لم يكن متمسكاً أصلاً، بأحادية التحالف الماروني مع التيار العوني، بل هو «يعوّم التحالف» والعلاقة التاريخية الثابتة، مع فرنجية والمردة، والشخصيات المسيحية المارونية وغيرها المستقلة، فضلاً عن العلاقة، مع الحزب السوري القومي الاجتماعي والحزب الشيوعي، والشخصيات المسيحية الليبرالية، الداعمة للمقاومة..
وحزب الله، في مجال العلاقات الإسلامية – الإسلامية، خاض معركة شرسة، من أجل قانون انتخابي نسبي، وان لم يكن عصرياً، لإيصال حلفائه، من الأحزاب الوطنية أو القومية السنّية إلى المجلس النيابي، لا ليفرط بتوزيرهم اليوم.
إبَّان الأزمات المتلاحقة، بعد زلزال شباط 2005، كانت شخصيات من لقاء الأحزاب اللبنانية (التي كانت تشمل أيضاً حزب الكتائب اللبنانية، قبل استعادته من آل الجميل) تنقل عن الأمين العام للحزب السيّد حسن نصر الله ان خياره باتجاه السنّة، يوازي خياره باتجاه بقائه مقاومة..
يُدرك حزب الله ان «الوحدة الاسلامية» في لبنان، من شأنها ان تكون نبراس الوحدة الإسلامية في العراق وسوريا واليمن ودول الخليج.. فليس من الوارد في أداء حزب الله، ولا في تكتيكه، أو استراتيجيته، التخلي عن «الحليف السنّي» مهما تعرّض «تفاهم كنيسة مار مخايل للأذى» أو التخدش أو حتى بعض «التمزق العضلي».
يراهن حزب الله، على امكانية إنتاج الحل، لكن الأزمة في الحل أيضاً ان يكون من حساب الرئيس المكلف، الذي أدار ظهره للأزمة التي يعتقدها مفتعلة، داخل «بيته الطائفي» قبل ان يفتعل باسيل أزمة ثقة جديد مع تكتل «الجمهورية القوية» أو كتلة «القوات اللبنانية» التي أدارت مفاوضات على «الطريقة الانكليزية»، خرجت منها رابحة بالسياسة، ورمت الكرة إلى التحالف الصلب بين عون وحزب الله، في محاولة لتصديعه..
في الأزمة الراهنة، الكل محشور في الزاوية، والرهان على الوقت أولاً.. وثانياً وثالثاً.. هكذا تدل الوقائع.. وهكذا تدل التجارب.. فلننتظر إذاً؟!