كتب مازن ع. خطاب في صحيفة “اللواء”:
أبلغُ ما يمكن وصف الوضع اللبناني به هو قولٌ للمتنبي: «مَصائِبُ شَتّى جُمّعَتْ في مُصيبَةٍ… ولم يَكفِها حتى قَفَتْها مَصائِبُ»!، فبعد تحديات «هِرَقلية» دامت نِصف سَنَة، جاءت «العقدة السنّية» لتطيح بفرصة مؤكدة لإعلان تشكيل الحكومة.
عقدة «اللحظة الأخيرة» كشفت هشاشة الوضع اللبناني، وما يحمله من الاحتقان بين القوى السياسية. وقد أثارت «العقدة السُنّية»، التي قَسّمت السُنّة، جدلاً واسعاً بين مؤيدين لتمثيل نواب «اللقاء الاستشاري» في الحكومة ورافضين لهذا الطرح، إذ يعتبر «الثنائي الشيعي» أنّ لنواب «اللقاء الاستشاري» الستّة السُنّة الحق الطبيعي والمبرّر بتمثيلهم في الحكومة أسوة بغيرهم، قياساً إلى قاعدة وزير لكل خمسة نواب.
وقد تم تداول موضوع «حقّ» هؤلاء النواب خلال اجتماع عقد في أيار، وخلص الى أن تلبية هذا «الحقّ» شرطٌ أساسي، وإلا فلا حكومة، وتقول أوساط «الثنائي» بأنها أبلغت رئيس الحكومة المُكلّف بموقفها هذا.ويسألمتابعون كيف تكون الحكومة المقبلة «حكومة وفاق وطني»، وهناك من يُرفضُ تمثيلهمفيها بسبب جشع البعض؟
في المقلب الآخر، يرفض رئيس الحكومة المُكلّف تمثيل نواب «اللقاء الاستشاري» السُنّة لأن هؤلاء ينتمون الى كتل سياسية متعدّدة، وهم ممثلون عبر تلك الكتل التي شاركت في الاستشارات النيابية. وقد تجمعوا مؤخراً وطالبوا بتمثيلهم بحقيبة وزارية، مدّعين أنّهم كتلة واحدة، ولا يُمكن احتسابهم مرّة ثانية، وبالتالي لا مجال لتمثيلهم. ثم جاء موقف رئيس الجمهورية متوافقاً مع موقف الرئيس المُكلّف، فوصف نواب «اللقاء الاستشاري» بـ»الأفراد»، وإنّهم ليسوا «كتلة نيابية واحدة»، ويتمايزون سياسياً.
ويرى المتابعون أنّه في حين يطالب «الثنائي الشيعي» بحقيبة وزارية للنواب السُنّة المعارضين من حصة «تيار المستقبل»، لم يطالب «المستقبل» في المقابل بحقيبة وزارية لشخصية شيعية معارضة لـ «الثنائي»، أمّا الشارع السُنّي فإنه يدعمُ بأغلبيته موقف الرئيس المُكلّف، ويرى أن تبعة مسؤولية إطفاء «الجمرة السُنيّة» تقع على عاتق من يُحرّض على توزير نواب «اللقاء»، وعليهم إيجاد المخارج لها.
بديهيّ أنه لكي نصل الى حلّ لـ«العقدة السنّية» يجب أن نفهم طبيعتها. أولاً، لقد جاءت «العقدة» السنيّة لتلقي ظلالاً من الشك على المعيار الموحّد الواجب اعتماده. فمنذ انطلاق «بازار» توزيع الحصص والحقائب في الحكومة، روّجت القوى السياسية لأحجام الكتل النيابية التي أنتجها قانون الانتخابات الجديد ثم أرست فرضية وزير لكل خمسة نواب.
إن هذه الهرطقة السياسية التي تمارسها القوى السياسية بهدف تثبيت اعراف جديدة، عبر ابتكار سوابق واعتماد افكار ليس لها وجود في الدستور، هي التي أنتجت «العقدة السُنّية» وقبلها «العقدة الدرزية» و«العقدة المسيحية»، وستكون السبب في استحضار عُقد مماثلة حين يدعو الأمر، فليس هناك أساس دستوري لاعتماد النسبيّة في توزيع الحصص على الكتل النيابية، كما هي الحال في قانون الانتخابات، وما من نصّ دستوري يدلّ على إلزامية أن لكل خمسة نواب وزيراً. أكثر من ذلك، فإنّ تخصيص حصّة وزارية لرئيس الجمهورية هي التفاف فاضح على الدستور.
ثانياً، إنّ سهولة «تجميد» تأليف الحكومة في ظلّ السوابق الجديدة تُنذر بأنّ الحكومات القادمة ستكون رهينة المحاصصات الطائفية والمذهبية المقيتة، والكانتونات الحزبية التي ستمنع المساس بـ«حقائبها»، ما يشكّل تعدّياً فاضحاً على الدستور. فالدستور نصّ صراحةً على أنّ تأليف الحكومة يكون بالاتفاق بين الرئيس المُكلّف ورئيس الجمهورية، من دون تدخل طرف ثالث. وما يجري هو تقويض لتحركات الرئيس المُكلّف بحجّة «الوفاق الوطني».
ثالثاً، هناك عدّة تساؤلات عن دوافع وتوقيت «العقدة السُنّية»؛ فهل التعنُّت في «فرض» توزير نوّاب «اللقاء»، هو من باب الاستعاضة عن الدعم المالي (الذي شحّ مؤخّراً) برفع منسوب الدعم السياسي لهم؟ أو المطلوب عرقلة تشكيل الحكومة بهدف تصفية حسابات إقليمية واستخدام لبنان كورقة ضغط في الاستحقاقات الخارجية؟ أم إنّ هناك مَنْ يريد الإيحاء بأنّه «الحاكم المُطلق» للبلد عبر إحراج الرئيس المُكلّف؟
يبقى أنّ حلّ «العقدة السُنّية» وضمان عدم افتعال مثلها عند الطوائف الأُخرى يكون في اعتماد معايير موحّدةللتوزير، وهيالجدارة والأهلية والفعاليّة والكفاءة. وعلى القوى السياسية النّظر بجدّية إلى إمكانية تشكيل حكومة تكنوقراطية مُحيّدة عن التجاذبات الطائفية والسياسية. أمّا إذا استمرّت في خلق البِدع وهدر الوقت والفرص، فسيكون لبنان عرضة لمزيد من المخاطر في ظلّ عواصف سياسية واقتصادية تدكّ العالم!