انطلق لبنان في ماراثون من المفاوضات مع الحكومة السورية أملا في الحصول على إعفاءات جمركية على صادراته، في محاولة لإنعاش الاقتصاد الهش.
ويواجه المصدرون اللبنانيون، الذين يتوقون لنقل سلعهم إلى السوق الخليجية المربحة عبر معبر أعيد فتحه قبل أسابيع قليلة على الحدود السورية الأردنية، صعوبات كثيرة تتمثل في التغلب على الرسوم الجمركية السورية المرتفعة والمنافسة مع المنتجين الذين حلوا مكانهم.
وبثت إعادة فتح معبر جابر نصيب بين الأردن وسوريا منتصف الشهر الماضي حالة من التفاؤل بين الأوساط الاقتصادية والشعبية في لبنان بعد 3 سنوات من الإغلاق بسبب الحرب التي كانت دائرة على الجانب السوري.
وأتاحت الخطوة المجال للقيام بدفعة جديدة يحتاجها الاقتصاد اللبناني المنهك، وخاصة إنعاش شريان تجاري للفواكه والخضروات والسلع اللبنانية.
ولكن لم تظهر عند نقطة المصنع الحدودية، التي اعتادت مئات الشاحنات على عبورها يوميا إلى سوريا، أيّ بادرة تشير إلى العودة إلى مستوى حركة النقل التي كانت قائمة قبل اندلاع الحرب السورية في عام 2011.
وقال محمد البوب، تاجر الفواكه والخضروات، لوكالة رويترز إن الإعلان عن إعادة فتح المعبر “مجرد كلام”.
وأضاف من مركز التعبئة الذي يملكه “إن الأمن متوفر”، لكنه انتقد زيادة الضرائب في إشارة إلى عدم تمكنه من نقل سلعه.
وتراجع حجم السلع التي يصدرها البوب إلى النصف منذ العام 2011 إذ يعتمد في الوقت الحالي في تصدير سلعه على النقل البحري والجوي فقط.
وافتتح معبر نصيب بعدما طردت القوات العسكرية للنظام السوري مسلحي المعارضة بجنوب غرب البلاد بدعم من روسيا.
وفي سبتمبر الماضي، زادت الحكومة السورية الرسوم الجمركية على السلع المنقولة عبر أراضيها في قرار يهدف إلى دعم الموانئ البحرية السورية وفقا لما ذكرته الوكالة العربية السورية للأنباء (سانا).
وأكد رائد خوري، وزير الاقتصاد اللبناني، في حكومة تصريف الأعمال أنه أجرى محادثات مع نظيره السوري لحثه على تخفيض الزيادة في الجمارك التي بلغت خمسة أضعاف مستواها السابق.
وقال في حديث مع وكالة رويترز “نحن نتحدث معهم في هذا الموضوع. ولقد كان أول رد لهم بأنهم كبلد عانوا كثيرا، والآن الطرقات مدمرة ويريدون إعادة بنائها، وجوابنا كان نحن أيضا كبلد عانينا من المشاكل في سوريا، رغم أننا ليس لدينا مشاكل في لبنان”.
ورغم ذلك، أبدى خوري تفاؤله بشأن التوصل إلى حل مع الجانب السوري. وقال “الآن سندخل في مفاوضات، وهذا لن يحصل بشكل سريع، فالأمر يحتاج إلى وقت حتى يستوعبوا ماذا نريد منهم بالضبط”.
وتواجه علاقات لبنان مع سوريا بعض التعقيد نتيجة سياسة “النأي بالنفس” عن الصراعات الإقليمية التي تنتهجها بيروت رسميا.
وفي الوقت الذي يحث فيه بعض الزعماء اللبنانيين على التطبيع الكامل للعلاقات يعارض آخرون ذلك النهج.
وقال خوري إن “أكبر مشكلتين تعيقان تعافي الصادرات هي المنافسة من دول أخرى، وابتعاد الكثير من المنتجين عن النشاط نتيجة انفصالهم عن أسواق التصدير”.
وأوضح أنه قبل اندلاع الحرب السورية كان لبنان يصدر سلعا بنحو 800 مليون دولار سنويا عبر معبر نصيب منها 200 إلى 300 مليون دولار في صورة منتجات زراعية والباقي في صورة سلع مصنعة.
وأشار إلى أن حوالي 40 شاحنة تدخل سوريا من لبنان يوميا في الوقت الحالي، مقارنة بما يصل إلى نحو 400 شاحنة قبل عام 2011.
وافتتاح معبر نصيب بارقة أمل في مشهد اقتصادي كئيب. وقال البنك الدولي في تقرير عن النمو إن “لبنان سيستفيد على الأرجح من إعادة فتح المعبر”. وعدل التقرير توقعاته للنمو بالخفض إلى واحد بالمئة.
وبالنسبة لوسام الصمد الذي يمتلك مخزنا لتبريد السلع، قال إن “إعادة إحياء طريق الصادرات لم يأت مبكرا بالدرجة الكافية وإنه عندما اختفت السلع اللبنانية من السوق الخليجي حلت محلها منتجات أجنبية مشيرا إلى تراجع النشاط إلى النصف”.
وواجه لبنان أزمة اقتصادية خطيرة في العامين الأخيرين في ظل سعر الصرف الثابت والبعض من أسوأ معدلات الدين البالغة 155 بالمئة إلى الناتج المحلي الإجمالي، وموازين المدفوعات، في العالم، بعد أن تسببت علاقته مع دول الخليج في تقليص التدفقات المالية التي تدعم ربط عملة البلاد بالدولار.
ويشكك البعض في قدرة بيروت مع غياب حكومة حتى الآن على اعتماد خطط قد تفضي إلى حل أزمة اقتصادية عجزت عن حلها حكومات سابقة، وذلك في ظل استمرار مشاكل هدر المال والفساد والتوظيف العشوائي في مؤسسات الدولة، والذي يعيق عملية تخفيف الأوضاع القاسية على المواطنين.