لم تكن زيارة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الى قصر بعبدا امس عادية. اذ جاءت في الشكل مفاجئة وفي المضمون عنيفة، وفق ما اظهرت مواقفه التي اعقبت اجتماعه مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، بما يؤشر الى تنسيق وتناغم في مضمون التصريح البطريركي بين رأسي الدولة والكنيسة المارونية، لا سيما انها اعقبت المواقف الرئاسية التي اطلقها العماد عون في اطلالته لمناسبة ذكرى انتخابه الثانية في 31 تشرين الاول الماضي، في شأن الملف الحكومي وعقدة مطالبة حزب الله واصراره وتمسكه بتوزير نواب سنّة “8 آذار” المغرّدين خارج السرب المستقبلي، حيث وقف “بيّ الكل” الى جانب الرئيس المكلف سعد الحريري مدعّما موقفه بعدم احقية تمثيل نواب ينتمون الى كتل مختلفة تجمعوا لتحصيل مقعد وزاري، ومثبتا التسوية الرئاسية.
ففي اعقاب زيارة البطريرك لبعبدا، حيث ادلى بتصريح صُنف في خانة الاهمية البالغة لجهة تسمية الاشياء باسمائها في الملف الحكومي ودعوته لعدم تحميل المسيحيين مسؤولية العرقلة فيما هي في مكان آخر، جاءت الخطوة الثانية في مسيرة الاعتراض على عرقلة التشكيل بعدما “بلغت اللقمة الفم”، فاستقبل الراعي في بكركي
المفتي الجعفري الممتاز الشيخ احمد قبلان الذي اعلن بعد اللقاء “ان البطريرك حملنا رسالة إلى حزب الله ودعاهم إلى المساعدة في نزع العقبات لمعالجة قضايا الوطن وتمنى أن نسعى جاهدين للقيام بكل ما يلزم لتشكيل الحكومة ومعالجة القضايا العالقة. كما تداولنا في امكان عقد قمة روحية لبحث موضوع الاعلام والبرامج التلفزيونية.”
وكشفت مصادر مطّلعة لـ”المركزية” أن رسالة الراعي الى الحزب عبر القيادة الشيعية الروحية التي يمثلها المفتي قبلان انما جاءت مباشرة ومنبثقة من حرصه على العيش المشترك والوحدة الوطنية ومنع الانجرار الى منزلقات طائفية او مذهبية حيث دعاه الى عدم جر البلاد الى الخطر الوشيك وفكّ عقدة تمثيل نواب “سنّة 8 آذار”، موضحة أن البطريرك اكد لقبلان ان الوضع الاقتصادي على اعلى درجة من الخطورة ويوجب على القيادات الشيعية التعاون سريعا لتشكيل الحكومة. واشارت الى ان البطريرك وفي معرض استماعه الى طرح قبلان عقد قمة روحية محصورة بملف الاعلام والبرامج التلفزيونية اكد ان اي قمة روحية يجب ان تشمل كل الملفات لا سيما المأزومة منها، وفي طليعتها تشكيل الحكومة وليس فقط موضوع البرامج التلفزيونية، على اهميتها.
وفي السياق، اكدت المصادر ان خطوة الراعي المتمثلة بتوجيه رسالة مباشرة الى حزب الله بعدما حمّله امس مسؤولية العرقلة، ليست منعزلة عن موقف بعبدا التي قال ما قال من على منبرها امس. فما تخلل اللقاء مع رئيس الجمهورية من مصارحة بالحقائق التي تغلف الازمة الحكومية وما يحيط بالبلاد من مخاطر خصوصا الاقتصادية منها، حيث عرض الرئيس عون للبطريرك التحديات التي تواجه القطاع، اضافة الى عقدة توزير “سنّة 8 آذار” التي استجدت في اللحظات الاخيرة، وقد لمس البطريرك مدى استياء الرئيس مما جرى ويجري وكيف تمت فرملة الولادة الحكومية في دقائق ما قبل ابصارها النور مباشرة، حملت الراعي على الاضطلاع بمهمة توجيه البوصلة في اتجاه من يتحمل مسؤولية العرقلة، فجاءت رسالته هذه بهدف الاسهام في الحل ووضع الامور في نصابها والمسؤوليات على عاتق اصحابها، علّهم يعمدون الى اتخاذ قرار وطني شجاع يقفز فوق كل المصالح الخارجية لمصلحة الوطن فقط لا غير.