لم تُقنع الجولة “الاستكشافية” التي نظّمها وزير الخارجية جبران باسيل لعدد من الدبلوماسيين العرب والأجانب في محيط المطار وهدفُها دحض “مزاعم” رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بوجود مصانع لـ “حزب الله” لتطوير الصواريخ في المنطقة، وتكذيبُها أمامهم وأمام العالم، الكيانَ العبري. وبيّنت التطورات أن الخطاب الذي ألقاه نتنياهو في الأمم المتحدة لم يكن للتهويل فقط أو لتأليب المجتمع الدولي ضد “الحزب”، بل لتوجيه رسالة إلى كل من يعنيهم الأمر بأن تل أبيب تتابع الملف من كثب وستتحرّك على الأرض إذا اقتضى الأمر، لإبعاد هذا التهديد عن حدودها. ولم يكن أدل إلى مدى جديّة إسرائيل، من الرسالة التي حرصت على تحميلها إلى الموفد الخاص للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أوريليان لو شوفالييه، الذي زار الأسبوع الماضي الأراضي المحتلّة، والتي دفعته إلى التوجّه إلى بيروت مباشرة حيث التقى باسيل على مدى ساعة ونصف الساعة في قصر بسترس، ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، ومستشاري كلّ من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري.
المبعوث الفرنسي، وفق ما تقول مصادر دبلوماسية مطّلعة لـ”المركزية”، نقل إلى من قابلهم في لبنان، موقفا إسرائيليا حازما وعالي النبرة، فحواه أن “على الحكومة إيجاد حل سريع لهذا الواقع الميداني وإلا فإن الدولة العبرية ستقدم فعليا على استهداف مصانع الصواريخ أو المواقع التي تشتبه أنها مخازن أسلحة، بالقرب من المطار وفي أي مكان آخر، ولو كانت تقع في مناطق آهلة بالسكان، تماما كما تستهدف المواقع الإيرانية ومواقع حزب الله في سوريا.
وأشار لوشوفالييه بحسب المصادر إلى أن “تل أبيب كانت جدّيّة في القول أن على لبنان إنهاء أزمة مصانع صواريخ حزب الله، وإلا فإنها ستحلّها بالطرق المناسبة”.
وقد أبلغ نائب رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي إيتان بن دايفيد، الموفدَ الفرنسي “أن لدى إسرائيل سقفاً زمنياً لإنهاء هذا الملف، وهي على استعداد للانتظار لوضع حلول دبلوماسية لهذا الأمر، لكن ليس إلى ما لا نهاية”، مؤكداً في المقابل أن “إسرائيل لن تقبل أبدا بالتسليم بـ”الأمر الواقع” في هذا الشأن”.. وفي وقت توضح أن نتنياهو يتحرك على أكثر من محور لتفادي “الأسوأ” حيث وجّه رسالة إلى “راعي” حزب الله الاقليمي، إيران، عبر عُمان خلال زيارته للسلطنة الأسبوع الماضي، مفادها أن “جنبوا لبنان حربا جديدة وكفوا عن محاولة بناء صواريخ دقيقة في بيروت”، تلفت المصادر إلى أن بن دايفيد طلب من مستشار ماكرون ايصال التحذير إلى الرئيس سعد الحريري، لما تملكه فرنسا من علاقات وثيقة مع لبنان ومع الحريري بشكل خاص، وحثّ الحكومة اللبنانية على التحرك سريعا بشأن مصانع الأسلحة التابعة لحزب الله، قبل فوات الأوان.
وبحسب المصادر، فإن دخول أكثر من عاصمة على هذا الخط – وآخرها لندن التي حذرت بيروت، عبر كبير مستشاري وزارة الدفاع البريطانية لشؤون الشرق الأوسط الجنرال السير جون لوريمر، من تجاهل “التهديدات” – يعكس مدى دقة وحساسية الوضع، ويتطلّب معالجة لبنانية من نوع آخر. فاكتفاء رئيس الجمهورية بالتأكيد أمام ضيوفه على “زيف الادعاءات الاسرائيلية حول وجود صواريخ في أماكن آهلة، لا سيما قرب مطار رفيق الحريري الدولي والتي تتزامن مع استمرار الانتهاكات الإسرائيلية للسيادة اللبنانية”، يبدو لن يفي بالغرض بعد اليوم، ولن يحمي لبنان من الاستهداف الإسرائيلي.. فهل يبدّل المعنيون مقاربتهم للقضية أم يبقون مراهنين على الموقف الدولي الذي يعتبر استقرار لبنان خطا أحمر، رغم كل شيء؟