كتبت صحيفة “الراي” الكويتية: لم يكن ينقص الواقع اللبناني الذي دَخَلَ «النفَقَ المُظْلِم» مجدداً مع العودة المباغتة لملف تشكيل الحكومة الى دائرة التأزم سوى «العتمة المفاجئة» التي أطلّت بـ«رأسها» من خلف خطوط التوتر العالي التي ارتفعتْ بين السلطات الرسمية وأصحاب المولدات الخاصة الذين يزوّدون البلاد بالتيار الكهربائي تعويضاً عن عجْز الدولة عن توفير التغذية لـ24 ساعة.
وبعدما «أَفْلَتَ» لبنان من الظَلام الذي كاد يقبض عليه مطلع الأسبوع على خلفية عدم وجود التغطية القانونية لصرْف الاعتمادات اللازمة لشراء الفيول، وقعتْ البلاد «رهينة» عملية ليّ الأذرع «الطاحنة» بين وزارة الاقتصاد وأصحاب المولدات بعد قرار إلزام هؤلاء بتركيب العَدادات وفق تسعيرة تحدّدها وزارة الطاقة، الأمر الذي اختار الأخيرون بإزائه «انتفاضة العتمة» عبر «تنكيس محرّكات الأنوار» لساعتين (الثلاثاء) استعادت معهما مناطق لبنانية كثيرة «زمن الشمعة».
وفيما كان هذا الملف يشهد أمس سباقاً محتدماً بين اندفاعة وزارتي الاقتصاد والعدل بوجه «المنظومة المافوية» (كما أسماها وزير العدل سليم جريصاتي) وسط تلويح بمصادرة المولدات بحال تمادى تَعمُّد قطْع الكهرباء عن المواطنين وبين المسار التصعيدي لأصحابها الذي وضع اللبنانيين في مرْمى «عقاب العتمة»، لم تتأخّر في البروز مخاوف من أن تستولد «أزمة المولدات» تداعياتٍ تتشابك مع الملف الحكومي المأزوم ولا سيما أن قطاع الكهرباء في لبنان له امتداداتٌ سياسية «مزْمنة» ويُخشى أن يتحوّل «ملعباً خلفياً» لعملية «مَن يصرخ أولاً» التي دخلها مسار تأليف الحكومة من بوابة عقدة «حزب الله» المتمسك بتوزير النواب السنّة الموالين له وسط رفْض حاسم من الرئيس المكلف سعد الحريري الذي يدعمه بموقفه رئيسُ الجمهورية العماد ميشال عون.
وبدا واضحاً أمس أن محركات معالجة هذه العقدة متوقّفة بالكامل، في ظلّ مضيّ «حزب الله» بتعليق تأليف الحكومة على توزير حلفائه السنّة «أو لا حكومة» معتبراً أن حلّ هذه المسألة هو بعهدة عون والحريري وداعياً الى محاورة «النواب السنّة»، مقابل توجيه الحريري بتمديده زيارته لباريس أقلّه حتى بداية الأسبوع المقبل رسالةً بأنه «يأخذ وقته» وغير مسْتعجل بعدما «أنْجز مهمّته» وأنهى تركيب «بازل التشكيلة» التي عرْقل ولادتها رفْض حزب الله تسليم أسماء وزرائه، مع تَمَسُّكه برفض «المطلب التعجيزي» (كما وصفته كتلة المستقبل) بتوزير «سنّة حزب الله والنظام السوري»، وصولاً الى تذكير مصدر في «تيار المستقبل» بأن الحريري كان حاسماً بقطع الطريق على تمثيل أحد النواب الستة مع رئيس البرلمان نبيه بري ومع سواه.
واستوقف أوساط سياسية ما نقلتْه إحدى الصحف القريبة من «حزب الله» أمس، عن زوار دمشق من استياء القيادة السورية «من طريقة تَعامُل بعض قوى 8 مارس مع قضية توزير السُّنة المستقلين، متوقفة عند صمت هؤلاء وعدم دعمهم حق حلفائهم»، معتبرةً أن دخول العامل السوري على هذه العقدة يزيد من وطأتها ويزيد الارتياب حول أبعادها الخارجية التي ترتبط أولاً وأخيراً بحسابات «حزب الله» وقراءته لموجبات اللحظة الإقليمية.
وفيما كان بري يكرّر أنه «انْسَحَب» من أي وساطاتٍ لمعالجة عقدة تمثيل سنّة 8 مارس، فإنّ جعْله الجلسة التشريعية للبرلمان الاثنين والثلاثاء المقبليْن مدخلاً لمرحلةٍ عنوانها «ضرورة التشريع» ولو في غياب حكومة «كاملة المواصفات»، بدا بحسب أوساط سياسية في سياق لعبة «عضّ الأصابع» ورفْع منسوب الضغط في الملف الحكومي ولا سيما في ظل تحفُّظٍ أطراف سياسية عدة في مقدّمها «المستقبل» عن عمل مجلس النواب خارج «تشريع الضرورة» قبل ولادة الحكومة الجديدة، وسط تلميحٍ في بعض الأوساط بأنّ تشريع الباب أمام تشريع business as usual قد يقابَل في مرحلة ما بتفعيل عمل حكومة تصريف الأعمال من قبل الحريري.
وكان لافتاً أمس، أن الكنيسة المارونية التي سبق أن حمّلت بلسان البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي «حزب الله» مسؤولية عرقلة ولادة الحكومة، عبرت بعد اجتماع مجلس المطارنة عن خيبة الشعب «بسبب العقدة الطارئة التي أوقفت كل شيء».
ودعت إلى «إزالة العراقيل الطارئة من أمام إعلان الحكومة الجديدة، بروح المسؤولية والضمير الوطني والأخلاقي، فتكون هدية عيد الاستقلال».
في سياق آخر، غادر زعيم جماعة «أنصار الله» الفلسطينية، جمال سليمان، أمس، لبنان إلى سورية بموجب تسوية أنهت التوتر الذي يعيشه مخيم «المية ومية» للاجئين الفلسطينيين منذ أسابيع.