كتبت صحيفة “الأنباء” الكويتية: إذا كان موقف الرئيس ميشال عون شكل نقطة التحول الأول والمهم في مسار «العقدة السُنية» التي قفزت فجأة الى الصدارة وعشية الولادة المقررة للحكومة (التي حمل الرئيس المكلف سعد الحريري صيغتها النهائية الى قصر بعبدا، ولكن من دون أسماء بعدما رفض حزب الله إعطاء أسماء وزرائه قبل موافقة الحريري على تمثيل سُنة 8 آذار)، فإن موقف الزعيم الدرزي وليد جنبلاط يشكل نقطة تحول إضافي ويدعم موقف رئيس الجمهورية ويكمله ويفوقه وضوحا، لأنه يملك هامشا أوسع في التعبير والموقف.
قال جنبلاط (في حديث خاص الى صحيفة «الجمهورية») ما يلي: ان عرقلة تشكيل الحكومة من باب افتعال العقدة السُنية تأتي في إطار رد فعل إيران وحزب الله على العقوبات الأميركية الأخيرة.
وبالتالي، فإن عملية تأليف الحكومة أصبحت ورقة ضمن إطار النزاع الأميركي ـ الإيراني.. إيران تعاقبنا من خلال التأخير في الإفراج عن الحكومة في إطار المواجهة مع الولايات المتحدة، وأخشى ما أخشاه هو أن يؤدي استمرار الأزمة الحالية الى تدهور الليرة وخراب اقتصادي.
ويتوجه الى الحزب بالقول: أنا بصراحة مطلقة لا أفهم خطة حزب الله أو استراتيجيته لأنني حتى اللحظة لم أفهم قصة العقدة السنية في ظل تراكم التحديات، من أزمة الكهرباء العالقة منذ سنوات، الى الاستحقاق المهم الذي من الممكن أن يساعد في تخفيف وطأة الدين (أي سيدر) لكنه مهدد بأن يطير أيضا. ويتساءل: هل يظن حزب الله أن الانهيار الاقتصادي، إذا حصل، فستتوقف مفاعيله عند حدود الضاحية الجنوبية ولن تتأثر به بيئته الشعبية؟ الجميع سيدفع الثمن. لسنا أفضل من اليونان.
ويتمنى جنبلاط أن يتفهم الحزب دقة الوضع ويتخلى عن مطلب توزير النواب السنة الستة، خصوصا أن وزيرا بالزائد أو بالناقص لا يقدم ولا يؤخر بالنسبة الى الحزب الذي يملك النفوذ الأقوى والقدرات الأكبر، «وكذلك قصة الثلث المعطل كلها صارت وراءنا.. كل هيدا ما بيفيد هلّق»، وإنني ألفت انتباه الحزب الى أن هناك رأيا عاما يضع عليه الملامة في مسألة تأخير تشكيل الحكومة، بينما وطأة الأزمة الاقتصادية تشتد.
ليست المرة الأولى التي يخالف فيها جنبلاط موقفا للرئيس نبيه بري. فهو يعلم أن بري في العمق ليس بعيدا عنه في هذا الموقف ويتفهم ظروفه. ولكنها المرة الأولى منذ سنوات يأخذ جنبلاط موقفا صريحا ومباشرا ضد حزب الله في مسألة داخلية بعدما كان التعارض محصورا في الملف السوري، ويوجه إليه انتقادا سياسيا لاذعا، فيساهم في إكمال حلقة الحصار السياسي لموقف الحزب.
فإذا كان الحريري مدعوما من الرئيس الماروني والزعيم الدرزي وتقف وراءه الطائفة السنية.. لا يلقى حزب الله إلا دعما خجولا من بري وتأييدا صامتا من سليمان فرنجية.. وهذا الوضع المستجد يعيد الى الأذهان المشهد السياسي الذي كان في العام 2005 عندما كان الموقف الشيعي في مكان وموقف الطوائف الأخرى في مكان آخر.
تقصَّد جنبلاط أن يوجه رسالة علنية الى السيد حسن نصرالله عشية الخطاب الذي سيلقيه وينظر إليه كثيرون على أنه سيكون حاسما في تحديد وجهة الأزمة الحكومية، ورسالة جنبلاط هي مزيج من «النصح والتحذير».
هو ينصح الحزب بتصحيح موقفه الخاطئ وعدم «توقيف» البلد من أجل مقعد سُني، ويحذر من انهيار اقتصادي سيتحمل الحزب مسؤوليته بسبب عرقلة الحكومة.
جنبلاط واضح في اعتبار أن العقدة السنية مفتعلة وأدت الى انهيار بنيان حكومي كان قد أنجز، وأن حزب الله يتحمل مسؤولية التعطيل والعرقلة، وهو المسؤول في إيجاد حل للمشكلة، ولذلك فإنه يدعو نصرالله الى التدخل وأخذ مبادرة إنقاذية للحكومة والاقتصاد والبلد.
عندما يقول جنبلاط انه لا يفهم موقف حزب الله من هذا الموضوع، فإن كثيرين من السياسيين يشاطرونه هذا الرأي ولا يفهمون لماذا يصر حزب الله على القتال السياسي وخوض معركة مكلفة، الربح فيها إذا تحقق سيكون هزيلا والخسارة فيها إذا وقعت ستكون كبيرة.
بمعنى أن تكاليف هذه المعركة ليست في حجم ومستوى مردودها، ولماذا يعرض الحزب علاقته مع رئيس الجمهورية الحليف الأول والاستراتيجي الى خطر الاهتزاز ويواجه خطر خروج سعد الحريري، الأفضل والأنسب له في هذه المرحلة في رئاسة الحكومة؟ وبعد خروجه أو إخراجه هل يضمن الحزب إيجاد من يقبل ومن يقدر على تشكيل الحكومة؟ والآن يواجه جنبلاط، والتهمة التي وجهها إليه بعرقلة الحكومة وتحمل مسؤولية وضع اقتصادي مقبل على الانهيار.
فعلى الحزب أن يعترف بواقع أنه لم يكن موفقا في إدارته لمعركة التمثيل السُني، وأنه خسرها واقعيا، وأنها من المرات القلائل التي يتسلق فيها الى أعلى الشجرة وعليه أن يجد طريقة للنزول بانتظار أن يضع له الرئيس عون السلم للنزول، بعدما كان الحزب دائما هو الذي يضع السلم، وغيره من يتسلق ويتورط.
وحتى لو كان الحزب محقا في دعمه لحلفائه السنة ومنسجما مع موقفه العام بشأن حكومة وحدة وطنية وترجمة نتائج الانتخابات ووحدة المعايير وكسر أحادية التمثيل السُني، وحتى لو كان صادقا في ما يقوله لجهة أنه لم يفتعل هذه العقدة وأنه سبق له أن طرح الموضوع لأكثر من مرة مع الرئيس المكلف الذي لم يأخذه على محمل الجد وأعطى جوابا مواربا، وبالتالي فإن الحريري هو الذي غير وافتعل الرفض المطلق الآن ويجب أن يسأل عن سبب هذا التغيير.
حتى لو صح كل ذلك، فإن معركة المقعد السُني السادس خسرها حزب الله بالنقاط ووصل فيها الى نقطة دقيقة وحساسة، بحيث بات يصعب عليه التراجع الى الوراء، وهو لم يعتد التراجع والتنازل، وإذا فعل فإنه يخلق سابقة، كما يصعب عليه التقدم الى الأمام لفرض موقفه، لأن ذلك ربما يكون ممكنا في نهاية الأمر ولكنه سيكون مكلفا والنتائج لا تساوي التكاليف.
حزب الله مدرك لصعوبة الوضع والإحراج الذي يواجهه. داخل الحزب حركة نقاش لا يخلو من التساؤلات من نوع هل التوقيت كان سليما ولماذا انتظر الحزب حتى انتهاء حلحلة كل العقد ليعلن عن العقدة السنية، حيث سمح لخصومه بأن يوجهوا إليه اتهام العرقلة، ماذا عن موقف الرئيس عون ولماذا حصل سوء التفاهم والتنسيق معه، ولماذا أعلن عبر الإعلام رفضه لطلب نصرالله ولم يفعل عبر القناة المعتمدة «جبران باسيل ـ وفيق صفا».
حزب الله يستشعر أيضا أنه محاصر بضغوط سياسية من الداخل أبرز ما فيها «التهويل الاقتصادي»، وضغوط من الخارج تأخذ شكل التهويل بالخطر الإسرائيلي ونقل رسائل ديبلوماسية ساخنة، ووسط كل هذا الوضع الملبد بالغيوم والتساؤلات والحيرة والغموض، يطل السيد نصرالله اليوم لإلقاء خطاب لن يكون مفاجئا في أنه لا يتضمن أي تراجع وأي مبادرة حل، وفي أن الأهمية المعطاة لمسألة التمثيل السني توازي لا بل تفوق الأهمية التي يعطيها للحكومة، وأن المشكلة ليست عنده والانتظار ليس مشكلة لديه ولا عامل الوقت.
في الواقع، ليس حزب الله لوحده في المأزق الحكومي، الكل في المأزق ومتساوون في ذلك، الرئيس عون الذي كان ينتظر بفارغ الصبر حكومة عهده الأولى لا يناسبه الانتظار أطول والتآكل المتزايد في صورة «العهد القوي»، والرئيس الحريري ليس مرتاحا الى حد أنه يستطيع انتظار فراغا حكوميا يطول بقدر ما طال الفراغ الرئاسي، وهو في حاجة الى أن يصبح رئيس حكومة تجتمع وتقرر وتدير أموال ومشاريع «سيدر»، فلا يظل رئيس حكومة تصريف أعمال، والبلد كله في مأزق ولم تعد أوضاعه الاقتصادية الاجتماعية تحتمل المزيد من الانتظار والتوتر والمشاكل.
ولو كان البلد متحررا من تعقيدات وقيود طائفية لكان انفجر شعبيا واجتماعيا، وهذا التساوي في المأزق يدفع في اتجاه نتيجة مؤكدة، عاجلا أم آجلا، إذا كانت المشكلة محض داخلية ولم يكن هناك من عقد وقطب إقليمية مخفية. وهذه النتيجة هي البحث عن حل لهذه المشكلة غير المستعصية على الحل والإفراج عن الحكومة، ونقل البلد من حال التأزم التصاعدي الى حال الانفراج التدريجي.
والحل لا يكون إلا بتنازلات من الجميع فيقبل الحريري مبدأ تمثيل السنة من خارج المستقبل، ويقبل النواب السنة بتمثيل من خارجهم، ويقبل الرئيس عون بأخذ السني السادس في حصته ويكون توافقيا، أقرب الى 8 آذار ولكنه لا يشكل تحديا واستفزازا للحريري.