كتبت هلا صغبيني في جريدة “المستقبل”:
4577 مليار ليرة، أي نحو 3 مليارات دولار، هو العجز الذي سجلته المالية العامة في النصف الأول من العام 2018. رقم يُنذر بأن نهاية العام الحالي ستُسجل أعلى مستوى للعجز في تاريخ لبنان. فالنصف الثاني من العام سيحمل بالتأكيد عجزاً مضاعفاً لما تم تسجيله فعلياً، إن لم يكن أكبر، حيث تشير تقديرات إلى أنه قد يصل إلى مستوى الـ11 ألف مليار ليرة في نهاية العام 2018، وبالتالي سيتخطى نسبة الـ10 في المئة إلى الناتج المحلي. حتى أن وزير المالية علي حسن خليل حذّر في إحدى الجلسات المغلقة من أنه في حال استمر التمادي بالإنفاق على المنوال نفسه، فقد نصل في العام 2019 إلى عجز بقيمة 14 ألف مليار. وهو ما يستدعي البدء سريعاً بتنفيذ الإصلاحات البنيوية والهيكلية لا سيما تلك التي التزمها لبنان في مؤتمر «سيدر» على صعيد المالية العامة وقطاع الكهرباء، والتي من شأنها تحسين القدرة التنافسية للاقتصاد وجاذبيته. وبالتالي على كل الأطراف أن تعي خطورة الوضع المالي وتفاقم التحديات الاقتصادية المتصاعدة (وفق توصيف البنك الدولي) وانعكاس كل ذلك على حاجات المواطنين، وأن يصار إلى تشكيل حكومة سريعاً تتخذ القرارات المطلوبة لبدء تنفيذ عملية الإصلاح. فعامل الوقت لم يعد لمصلحة أي جهة، فالسفينة ستغرق بالجميع ولن ينجو أحد.
في مقارنة للأرقام الصادرة عن وزارة المالية أمس حتى حزيران 2018، يتبين أن العجز الإجمالي ارتفع بنسبة 234.5 في المئة في الأشهر الستة الأولى من العام الحالي، مقارنة بالفترة نفسها من العام 2017، حين بلغ 1368 مليار ليرة، وبات يُشكل ما نسبته 33.8 في المئة من النفقات الإجمالية في مقابل 13 في المئة حتى حزيران من العام الماضي.
وقد تأتى نمو العجز عن نمو كبير للنفقات العامة الإجمالية في مقابل تراجع للايرادات العامة. فالنفقات العامة زادت بنسبة 28.8 في المئة في الأشهر الستة الأولى من العام 2018، بينما تراجعت الايرادات العامة بنسبة 1.9 في المئة.
وقد تأتت زيادة النفقات الإجمالية عن:
– ارتفاع نفقات الموازنة بنسبة 25.7 في المئة لتصل إلى 12199.8 مليار ليرة، وذلك بسبب زيادة تحويلات الخزينة إلى مؤسسة كهرباء لبنان بنسبة 33.6 في المئة (1113 مليار ليرة) في ظل ارتفاع أسعار المشتقات النفطية، وإلى ارتفاع خدمة الدين العام بنسبة 5.48 في المئة (4195 مليار ليرة).
– ارتفاع نفقات الخزينة بنسبة 66.6 في المئة، حيث كان لافتاً الزيادة الكبيرة في التحويلات إلى البلديات (زادت بنسبة 333.7 في المئة) أي من 154 مليار ليرة في الأشهر الستة الأولى من العام 2017 إلى 668 مليار ليرة حتى حزيران 2018.
وفي المقابل، فإن تراجع الايرادات العامة الإجمالية يأتي من:
– تراجع ايرادات الموازنة بواقع 5.7 في المئة إلى 8184 مليار ليرة، والذي يعود إلى تراجع الايرادات غير الضريبية بنسبة 16.9 في المئة منها ايرادات الاتصالات بواقع 26 في المئة، كما انخفضت الايرادات الضريبية بواقع 3.24 في المئة مع تراجع الضريبة على الدخل بـ10.12 في المئة وأبرزها ضريبة الدخل على الأرباح بنسبة 38.57 في المئة أي بـ767.4 مليار ليرة. مع الإشارة إلى أن هذه الضريبة ارتفعت بشكل كبير العام الماضي مع احتساب المبلغ الاستثنائي الذي سددته المصارف إلى الخزينة. وفي المقابل، ارتفعت ضريبة الدخل على الفوائد لدى المصارف بواقع 73.7 في المئة الى 767.5 مليار ليرة. كما انخفضت ضريبة الأملاك بواقع 16.86 في المئة، والضريبة على المبيعات بواقع 11.27 في المئة، في حين زادت الضريبة على القيمة المضافة بواقع 9.7 في المئة.
ما تقدم يشير إلى أن الإجراءات الضريبية التي اتخذت العام الماضي لم تُسهم في زيادة الايرادات من أجل تغطية التكلفة المتفاقمة لسلسلة الرتب والرواتب. بل تنامت الضغوط التضخمية والركود الاقتصادي وارتفعت تكاليف المعيشة وتراجعت القدرة الشرائية وذلك مع اجتزاء الحلول الإصلاحية.
من هنا، فإن التصحيح المالي الذي تعهدت به حكومة الرئيس سعد الحريري في باريس خلال مؤتمر «سيدر» والمقدّر بنحو 2.5 ملياري دولار أو 5 في المئة على خمس سنوات هو المخرج الوحيد المُتاح إلى حين حصول لبنان على أموال «سيدر». فالخيارات المُتاحة باتت ضيقة جداً، وبالتالي يجب أن تنصب الجهود على باب الإنفاق لخفضه، على أن يطاول الخفض دعم الكهرباء القادر على تحقيق وفر بالنفقات، وصولاً إلى زيادة التعرفة الكهربائية بعد إصلاح القطاع، كما خفض النفقات الجارية، وإقرار موازنة غير انفلاشية.