كتبت كلير شكر في “الجمهورية”:
فلندع جانباً الأسباب والمسبّبات والحيثيات المحلية والخارجية التي تزيد من «تورّم» العُقد الوزارية، ولنركّز قليلاً على الطبخة الحكومية في حدّ ذاتها، وأسلوب «الشيف»، أو بالأحرى «طاقم» الطبّاخين المرابطين بحكم الأمر الواقع في المطبخ!
غالب الظن، أنّها المرة الأولى التي يحتفي فيها فريقٌ سياسي بـ«مشاريع وزرائه» قبل صدور مراسيم الحكومة. فعلتها «القوات اللبنانية» على مرأى من أنظار صاحبَي صلاحية التوقيع: رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة.
استدعى رئيس حزب «القوات» سمير جعجع «مرشحيه» قبل صدور مراسيم تعيينهم، بعدما وزّعت الدوائر المعنية في معراب السير الذاتية لـ»أصحاب المعالي».
سابقة لم تشهدها حكومات «الطائف» ولا تلك التي سبقتها. يجوز وصفها بالتجاوز الدستوري لصلاحيات القابضين على «قرار التأليف»، وتحديداً لرئيس الحكومة المكلف الذي يملك سلطة تدوين الأسماء وتوزيع الحقائب.
وعادة ما تُترك اللمسات الأخيرة لرئيس الجمهورية ولرئيس الحكومة المكلف بعد أن تكون المكوّنات السياسية قد أدلت بدلوها من مطالبها الوزارية وحصصها، مع الإبقاء على هامشٍ ولو محدود من خيارات اللحظة الأخيرة، لصاحبَي التوقيع.
ولكنّ دربَ تأليف الحكومة العتيدة شهد تجاوزاتٍ «بالجملة». بدا المسار غريباً. وكأنّه لوحة «بازل» يتمّ تجميعُها بالمفرق، حيث يتولّى كل فريق صبّ «حجارته»، أو «عمارته»، بلا استشارة صاحب العلاقة. فتحوّل رئيس الحكومة المكلف مجرد صندوق بريد يتولّى الاحتفاظ بالأمانة في انتظار تجميع القطع واكتمال العَقد، لحمل المسودّة النهائية الى رئيس الجمهورية لإصدار مراسيمها.
كل شريك في التأليف، صار أشبه برئيس حكومة مكلّف بتسمية «حكومته المصغّرة»، أسماء وحقائب. فيما على «رئيس الحكومة الأول» تجميع «قطع البازل»، لصفّها على مسودّته.
بهذا المعنى، استُفِزّت شخصيات كاثوليكية حين بدت حصة الطائفة، بـ»أمها وأبيها» مجرد جوائز ترضية عند الطوائف الكبيرة وتحديداً المارونية. وما زاد من توترها حين تناهى إلى مسامعها أنّ الثلاثية الكاثوليكية في الحكومة الثلاثينية عرضةٌ للتناتش!
درجت العادة، أن توزّع وزارات الدولة السبع في الحكومة الثلاثينية على الطوائف السبع (المورانة، السنّة، الشيعة، الدروز، الأرثوذوكس، الكاثوليك والأرمن)، ليحتفظ الروم الكاثوليك أسوة بغيرهم من الطوائف، بوزارة الدولة مقابل حقيبتين اثنتيْن.
لكنّ الصرخة علت حين كشفت «القوات» عن أوراقها الوزارية وتبيّن أنّ حصّتها رست وفق التفاهم السياسي، على وزيرَين مارونيّين وأرثوذكسي وأرمني، حُمّلوا ثلاث حقائب. ما يعني، وفق الحسبة الأوّلية، أنّ الثلاثية الكاثوليكية ستكون حكماً من حصّة رئيس الجمهورية بالتكافل والتضامن مع حصّة «التيار الوطني الحر»، في اعتبار أنّ حصة تيار «المردة» ستكون مارونية.
ووفق المعلومات التي بلغت مسامع الكاثوليك من أكثر من جهة، تبيّن أنّ الفريق الرئاسي يميل إلى تحميل موارنته، ثلاث حقائب وزارية (الخارجية، العدل والطاقة)، ما يعني بالنتيجة أنّ الوزراء الموارنة الستة في الحكومة سيكونون جميعاً مع حقائب، ولا وزيرَ دولة مارونيّاً.
أكثر من ذلك، حين تصرّفت «القوات» على أساس أنّ وزيرَها الأرمني سيكون بحقيبة (الشؤون الاجتماعية)، رفع حزب «الطاشناق» الصوت عالياً، منبّهاً من تعرية وزيره من حقيبة وزارية، في اعتبار أنّ الصيغة الثلاثينية لا تسمح بوزيريْن أرمنيَّين يحملان حقيبتين ولا بدّ أن يكون أحدُهما وزيرَ دولة. ومن الطبيعي أن تكون الحقيبة من حصّة «الطاشناق» كونه ممثلاً بثلاثة نواب.
هنا أيضاً، هناك مَن همس في أذن شخصيات كاثوليكية ما مفاده أنّ الوزير «القواتي» الكاثوليكي المفترَض ريشار قيومجيان يمكنه تمثيل الروم الكاثوليك انطلاقاً من كونه كاثوليكياً، كحلٍّ للأزمة الناشئة.
هكذا، طرق الوزير ميشال فرعون أبواب قصر بعبدا وقبله «بيت الوسط» لطرح المسألة على بساط البحث، بعدما عرضها على البطريرك يوسف العبسي الذي كان بدوره في أجواء هذه الطبخة «المريبة» التي حوّلت حصّة الكاثوليك من الحقائب «كبشَ فداء» لمصلحة الطوائف الأخرى.
الملفت أنّ الرئيس المكلّف كان «يبكي» يومها الحكومة التي كان قد شرع في «خربشة» حروف مراسيمها الأولى، إن لم نقل إنه بالفعل كتبها. وإذ بالعقدة السنّية تطيح بها مجدداً.
طبعاً، لم يحصل فرعون على التطمينات اللازمة التي تقول في وضوح إنّ هناك معالجة لأزمة توزيع الحقائب. ولكن مجرد رفع الصوت عالياً من شأنه أن يدفع طهاة الحكومة إلى إعادة النظر في ما «ارتكبته أيديهم».
ولهذا، يقول أحد المعنيين إنّ المسارعة إلى إثارة المسألة أمام أصحاب العلاقة يشي باحتمال تطويقها جيّداً والبحث عن مخارج جديدة للأزمة. ولهذا فإنّ المسودّة النهائية قد تشهد خلطة جديدة من توزيع الحقائب إذا ما احتُرِم العرفُ الميثاقي الذي يحصّن المشاركة الكاثوليكية في الحكومة بحقيبتين وزاريّتيْن، لا أقل.