Site icon IMLebanon

دولة الطوائف لا شعب لها

كتب فاروق يوسف في صحيفة “العرب” اللندنية:

دولة دينية مثل إيران هي أكثر كفاءة في إدارة شؤونها من دولة طائفية كالتي في لبنان أو العراق، وإن كانت الدولتان، أقصد العراق ولبنان، تدوران في الفلك الإيراني.

فبالرغم من تخلفها فإن الدولة الدينية يمكنها أن تضع، على سبيل المثال، شخصا ذا دراية ومعرفة علمية بشؤون النفط على رأس المؤسسة النفطية، وهو ما لن تتمكن منه دولة يتم توزيع المناصب الحكومية فيها على أساس المحاصصة بين الطوائف.

لقد سبق أن ترأس المؤسسة التربوية في العراق رجل، كل مؤهلاته أنه قضى الجزء الأكبر من حياته في الحسينيات وهي أماكن يرتادها الشيعة لإحياء ذكرى مقتل الإمام الحسين لطما وعويلا.

وكما كان متوقعا فقد دمر ذلك الرجل، الذي يحمل الجنسية الكندية، نظام التعليم الذي أقامه خبراء إنكليز وعراقيين عبر أكثر من عشرة عقود.

تلك عينة ليس إلا لما يمكن أن يقود إليه نظام الدولة الطائفية من كوارث، يدفع ثمنها مجتمع وصل الجهل ببعض أفراده أنه صدق أن في إمكانه أن يتصل بالإمام الحسين من خلال خدمة توفرها إحدى شركات الهاتف الجوال. وهذه ليست سوى خطوة في عملية الانزلاق إلى الهاوية السحيقة المستمرة هناك منذ سنوات.

في لبنان هناك وزير للخارجية مؤهله الوحيد أنه زوج ابنة ميشال عون، وهو رئيس الجمهورية اللبنانية. الرئيس وصهره عُيّنا في منصبيهما من قبل حزب الله باعتبارهما ممثلين للمسيحيين.

ولأن قَدَر الدولة الطائفية في لبنان أن يكون رئيس الجمهورية فيها ووزير خارجيتها مسيحيين، فلم يجد حزب الله مَن يناسب المنصبين أكثر من دميتيه اللتين تقومان بما يُملى عليهما بالرغم من تعارضه مع ما يفكر فيه مسيحيو لبنان. وهو ما يكشف كذبة توزيع المناصب بين الطوائف.

غير مرة رشح باسيل نفسه للانتخابات النيابية وفشل. وهو ما يعني أنه لا يمثل أحدا من المسيحيين. وما تعيينه إلا دلالة على أن حزب الله قد احتكر اللعبة وصار ينتقي مَن يراه مناسبا لمشروعه القائم أصلا على احتكار السلطة.

ذلك ما يؤكد أن ممثلي الطوائف في الحكومة هم أفراد في عصابة واحدة.

فالدولة الطائفية لا يمكنها أن تقوم على أساس الاعتراف بالشعب.

المواطن الذي يذهب إلى مراكز الاقتراع الانتخابي يتم شطب مواطنته ما إن ينهي ممارسته الديمقراطية الجليلة، ليعود إلى حظيرته الطائفية مهانا، مكبّلا بندمه التاريخي الذي ينطوي على قدر كبير من الشعور بالعار.

في العام 2003 قال الأميركان كلمتهم في العراق. وهي كلمة لا تزال سارية المفعول حتى اللحظة. وستكون كذلك في المستقبل إلا إذا غامر العراقيون بالانقلاب على أنفسهم منحازين إلى هويتهم، وهو ما يعني إعلان المقاومة ضد الاحتلاليْن الأميركي والإيراني. وهو أمر مستبعد في الوقت الحالي.

فنظام المحاصصة الطائفية الذي هو اختراع أميركي تم تكريسه إيرانيا، وهو ما سبق أن حدث في لبنان الذي كان نظامه الطائفي اختراعا فرنسيا وصار الآن من حصة إيران.

الأميركان ومن قبلهم الفرنسيون تحججوا بالعدالة والخوف من احتكار السلطة من قبل طائفة أو فئة معينة وهم يكذبون في ذلك. فلو كان نظام المحاصصة ناجحا لطبقوه في دولتيهم اللتين صارتا عنوانا للمواطنة التي يرعاها القانون. لذلك يمكنني القول إن اللبنانيين لا يزالون يدفعون ثمن جريمة ارتكبها الفرنسيون، وهو الشيء نفسه الذي يفعله العراقيون في مواجهة تداعيات جريمة ارتكبها الأميركان.

إن نظام المحاصصة الطائفية لا يمت بصلة إلى العدالة والإنصاف، بل هو عدوهما المباشر. ذلك لأنه يشكل غطاء لصعود الفاشلين من أمثال جبران باسيل اللبناني وإبراهيم الجعفري العراقي إلى مواقع، كان يحتلها شارل مالك ومحمد فاضل الجمالي، وهو ما لا يقبل المقارنة.