Site icon IMLebanon

أنشودة كرامي.. على “مقام” المقاومة!

كتب علي الحسيني في صحيفة “المستقبل”:

«للفيصل نرفع قبعة بلون التربة والمنجل، ونحيل الضاد زوبعة كي نكتب اسمك يا فيصل». هذا ليس بيت شعر للمتنبي ولا قولاً مأثوراً لجبران خليل جبران ولا حتّى كلاماً موجهاً الى ثائر انتصرت ثورته وما زالت أصداؤها تتواتر حتى اليوم. ما تقدم هي كلمات لأنشودة أطلقها منشد «حزب الله» علي بركات خصّ بها النائب فيصل كرامي في العام 2015، واليوم يُعاد نشرها مجدداً، لاسيما بعد الدور الذي لعبه مع نوّاب آخرين وبقيادة الحزب طبعاً، لعرقلة تأليف الحكومة ومنع تشكيلها حتّى الساعة.

من يستمع إلى الموسيقى التي تسبق الأنشودة، يلمس على الفور أن اللحن ليس بغريب عن موجة التعصب التي انطلقت منذ فترة بعيدة وأن لمنشد «حزب الله» علي بركات يداً فيه، ويتأكد هذا الأمر عندما يُطلق بركات العنان لصوته لتمجيد النائب كرامي ووضعه في مرتبة لا تليق سوى بعظماء قدموا لأوطانهم وشعوبهم، العزّة والانتصارات أو رفعوا بلادهم من الحضيض إلى مصاف الدول الحضارية والمتقدمة أو حققوا إنجازات سيذكرها التاريخ، وذلك من خلال وصفه بـ «رمز التحرير» في جملة يقول فيها «يا رمز التحرير العربي يا جسد الأمة والقلب، يرسمك سيف يا فيصل ما بين الجد واللعب». هنا يعود المُستمع ليُصدم مُجدداً، بعدما حوّلت أنشودة بركات، فيصل كرامي، إلى رمز وطني أفنى عمره وحياته في النضال الوطني، وجال لبنان من أقصاه إلى أقصاه لنصرة المظلومين والمُضطهدين.

ثمة إجماع عام على عُمرِ النائب فيصل كرامي القصير نوعاً ما في السياسة، فهو سبق له أن تولّى وزارة الشباب والرياضة في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي في العام 2011، ليغادرها بعد ذلك من دون أن يترك أي بصمة مميزة أو إنجاز يُذكر لا على الصعيد الرياضي ولا حتى لجهة إدارته العمل في وزارته آنذاك. وهذا الأمر وحده كفيل بتأكيد أن الأنشودة ما هي إلّا عربون شكر من منشد «حزب الله» لكرامي، على مشاركته في تعطيل تأليف الحكومة ولعب دور رأس حربة في التهجم على الرئيس المُكلف سعد الحريري مع بقية النواب المعروفين بـ«سنّة حزب الله». ومن المعروف أن كرامي ردّ في تغريدة على موقع «تويتر» منذ أيام على تحّية الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله إلى «سنّة 8 آذار»، بالقول: «ونحن نفتخر بالمقاومة».

أصبح للنائب كرامي نشيد خاص به بتوقيع مُنشد «حزب الله»، يُفنّد «بطولاته» و«خياراته المصيرية» ويرتكز على ماض مليئ بـ«الانجازات»، هذا بحسب النشيد طبعاً، وأصبح بإمكان صاحب النشيد في حال سار بأسلوب التعطيل نفسه في السنوات اللاحقة، أن يضم إلى مكتبته الشخصية، عشرات الأناشيد، المسبوقة الدفع من مواقف مُعطلة وادعاءات في غير مكانها، ومن بطولات لا تُصرف لا في وزارة الشباب والرياضة، ولا حتّى من على منابر المجالس السياسية، واليوم يُعيد استعمالها فقط لعرقلة قيام الدولة وانطلاق العهد.

المؤكد أن أنشودة بركات تُصلح إلى حد كبير لتكون موجهة إلى عم النائب كرامي الشهيد رشيد كرامي أو إلى جده عبد الحميد كرامي الذي خلع عمامته الدينية المتوارثة ضمن عائلته، للعب دور سياسي والخروج للنضال ضد المستعمر الفرنسي قبل أن يُصبح الزعيم الأبرز والأوحد في طرابلس. كما كان كرامي الجد، النائب الأوحد الذي سُجن في قلعة راشيا خلال الاستقلال مع بقية القيادات السياسية في لبنان. لكن من خلال تعطيله اليوم لقيام الدولة، يضرب فيصل كرامي إرث والده وعمه وجده، والمكافأة، يتم تسليمها له كالعادة، في كل مرة يُقدم فيها ولاء الطاعة.

تعوّد اللبنانيين بين الحين والآخر على سماع أنشودات مستفزة لبركات، الذي كان أوقف لدى الأجهزة الأمنية اللبنانية بعد تعرضه بالسوء لدول عربية شقيقة. وآخر إساءاته كانت بحق أبرز المقدسات الدينية الإسلامية، الكعبة المشرّفة، اذ قال في مقطع من أنشودته: «لو بدنا سيدنا يحج الكعبة بتشرف لعندو»، الأمر الذي استدعى ردوداً من عدد كبير من رجال الدين في لبنان، على رأسهم مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان.

وفي هذا السياق، يتساءل البعض، كيف لنائب لبناني أن يقبل بنشيد يُمجده ويضعه في أمكنة من المُبكر بعد أن يصل اليها، خصوصاً أن المنشد هو صاحب شخصية تهوى استفزاز الناس والتطاول على الحرمات والمقدسات. والأغرب أن كرامي مع عدد من المقربين منه، سمحوا بإعادة توزيع الأنشودة مجدداً، لكن تحت خانة وفاء أهالي طرابلس لـ«عطاءاته».