تلا المطران جوزيف نفاع نص “وثيقة بكركي – القوات اللبنانية وتيار المردة” والتي اكد فيها الطرفان إن المصالحة تمثل قيمة مسيحية – إنسانية – لبنانية مُجردة، بصرف النظر عن الخيارات السياسية لأطرافها الذين ينشدون السلام والاحترام المتبادل، وخير لبنان دولة وشعبا وأرضا، من دون أي حساباتٍ سياسية قد تتبدل تِبعا للظروف والتغيرات. ولفتت الوثيقة الى إن زمن العداوات والخصومات بين القوات اللبنانية والمرده قد ولى وجاء زمن التفاهم والحوار وطي صفحة أليمة والاتعاظ من دروس الماضي وأخطائه وخطاياه منعا لتكرارها، أملا بغدِ الرجاء والتفاهم.
وجاء في الوثيقة:
“انطلاقا من لقاء بكركي الرباعي للأقطاب المسيحيين بتاريخ 14/11/2018 حول المصالحة المسيحية، التي توخت خير المصلحة المسيحية والوطنية اللبنانية.
وبعد المصالحة الوطنية التي أنجزت عبر وثيقة الوفاق الوطني في الطائف، ومصالحة الجبل والمصالحة بين القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر عبر تفاهم معراب، تأتي وثيقة بكركي – القوات اللبنانية وتيار المردة، استكمالا طبيعيا لهذا المسار التصالحي العام الذي يدعم وحدة لبنان ومصالح شعبه.
وفاء لتضحيات شهدائنا جميعا، يلتقي اليوم في مقر البطريركية المارونية في بكركي، هذا الصرح الوطني الكبير، وبرعاية غبطة البطريرك الكردينال مار بشارة بطرس الراعي، رئيس تيار المرده الوزير سليمان فرنجيه ورئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع، ترسيخا لخيار المصالحة الثابت والجامع.
إن المصالحة تمثل قيمة مسيحية – إنسانية – لبنانية مُجردة، بصرف النظر عن الخيارات السياسية لأطرافها الذين ينشدون السلام والاحترام المتبادل، وخير لبنان دولة وشعبا وأرضا، من دون أي حساباتٍ سياسية قد تتبدل تِبعا للظروف والتغيرات.
لقد مثل الشمال، الحصن المنيع لنواة الحضور المسيحي التاريخي منذ يوحنا مارون والبطاركة الأوائل مرورا بالمقدمين ويوسف بك كرم والمناضلين والشهداء في المراحل اللاحقة وصولا إلى اليوم دفاعا عن الكرامة والوجود والمصير.
لقد مر المسيحيون عامة ومسيحيو الشمال خاصة، خلال الحرب اللبنانية، بمرحلة أليمة من الاقتتال والشرذمة، ما سبب لهم الحزن والألم والإحباط والتفرقة، وانعكس سلبا على وضعيتهم السياسية والديموغرافية والاجتماعية في لبنان كله، ولن يتخطى المسيحيون هذا الواقع السلبي للانطلاق نحو مستقبلٍ واعد لهم وللبنان، إلا إذا نجحوا في طي صفحة الماضي الأليم، والالتزام بالقواعد الديموقراطية في علاقاتهم السياسية.
لقد مرت العلاقة بين الطرفين في السنوات الأخيرة بمحطاتٍ سياسية وانتخابية عدة، ولم تعكر استقرارها أي شائبة، بالرغم من بقاء الاختلافات السياسية بينهما على حالها، ما يؤكد أن الالتقاء والحوار ليس مستحيلا، بمعزلٍ عن السياسة وتشعباتها.
بالاستناد إلى ما تقدم، يُعلن تيار المرده وحزب القوات اللبنانية عن إرادتهما المشتركة في طي صفحة الماضي الأليم، والتوجه إلى أفق جديد في العلاقات على المستوى الإنساني والاجتماعي والسياسي والوطني، مع التأكيد على ضرورة حل الخلافاتٍ عبر الحوار العقلاني الهادف إلى تحقيق مصلحة لبنان العليا ودور مسيحييه، والعمل معا على تكريس هذه العناوين عبر بنود هذه الوثيقة.
إن هذا الحدث مناسبة لإكبار من استشهد وضحى وعانى من النزاعات الدموية بين الفريقين. عزاؤنا الوحيد أن تضحياتهم أثمرت هذا اللقاء التاريخي الوجداني بعيدا عن أي مكاسب سياسية ظرفية ليكون بحجم معاناتهم ومآسي أحبائهم.
إن ما ينشده الطرفان من هذه الوثيقة ينبع من اضطلاع بالمسؤولية التاريخية ومن قلق على المصير، وهي بعيدة عن “البازارات” السياسية، ولا تسعى إلى إحداث أي تبديل في مشهد التحالفات السياسية القائمة في لبنان والشمال، مع التشديد على أنها لم تأتِ من فراغ، وليست وليدة اللحظة، وإنما تتويجا لسلسلة اجتماعاتٍ وحوارات، نجح خلالها الطرفان في كسب ثقة متبادلة عبر احترام قواعد العمل السياسي الديموقراطي، ووقف كل أشكال الصدامات والالتزام بتطبيع العلاقات، ما شجع الطرفين على مواصلة الحوار وتطويره وصولا إلى هذه الوثيقة.
بناء على ما تقدم، يؤكد الطرفان على الأُسس التالية:
-إن التلاقي بين المسيحيين والابتعاد عن منطق الإلغاء يشكلان عامل قوة للبنان والتنوع والعيش المشترك فيه.
-إن زمن العداوات والخصومات بين القوات اللبنانية والمرده قد ولى وجاء زمن التفاهم والحوار وطي صفحة أليمة والاتعاظ من دروس الماضي وأخطائه وخطاياه منعا لتكرارها، أملا بغدِ الرجاء والتفاهم.
– ينطلق اللقاء من قاعدة تمسك كل طرف بقناعاته وبثوابته السياسية ولا تقيد حرية الخيارات والتوجهات السياسية ولا تحمل الزامات محددة، بل هي قرار لتخطي مرحلة أليمة، ووضع أسس حوار مستمر تطلعا إلى أفق مستقبلي مفتوح.
إن الاختلاف السياسي في بلد سيَد ودولة مؤسسات لا يمنع التلاقي حول القضايا الوطنية والإنسانية والاجتماعية والإنمائية مع السعي الدائم لتضييق مساحة الاختلاف السياسي قدر الإمكان.
-احترام التعددية السياسية والمجتمعية وحرية الرأي والحريات العامة والخاصة، والالتزام بالدستور والقوانين والقواعد الديموقراطية بما يختص بالعمل السياسي والحزبي في لبنان.
– تعميم المناخات الإيجابية بين الطرفين عامة، واستبعاد المصطلحات التي تُجرح بالطرف الآخر وبرموزه وشهدائه.
-احترام حرية العمل السياسي والحزبي في القرى والبلدات والمناطق ذات العُمق الأكثري لكلا الطرفين، والتنسيق في ما يتعلق بالنشاطات والخطوات التي قد تُثير أي سوء تفاهم مُعين بينهما لمصلحة الجميع، ومنعا لأي احتكاكاتٍ تضر بأهداف المصالحة.
في الخاتمة، هذه الوثيقة شِئناها تتويجا للقاءاتِ مصارحاتٍ وحواراتٍ عقلانية، لتجاوز مراحل مدمِرة من الخلاف والاقتتال، كما نريدها استشرافا لغد أفضل، يحمل تصميما لدينا، كلٌ من موقعه السياسي، ببدء مرحلة تعاون صادق، وثيق، بناء، نابع من مسؤوليتنا الوطنية المشتركة لتحقيق أماني وتطلعات اللبنانيين في بناء دولة حقوق المواطن وكرامة الوطن. عاش لبنان”.