كتب احمد كموني في صحيفة “المستقبل”:
تراجعت كمية المياه المتجمعة في حوض نهر الليطاني إلى ما دون الحد الأدنى، في ظاهرة آخذة «بالتجدد» منذ سنوات عشر كنتيجة «طبيعية» للتغيير المناخي العالمي، وسوء ادارة الملف المائي على المستوى الوطني.
ورغم مطر الأسابيع الماضية، وغزارتها هطلاً، وكثافتها سيولاً، فان واقع مجرى الانهر البقاعية بما فيها الليطاني وبحيرة القرعون ينحدر نحو الأسوأ، على ما قال العديد من خبراء المناخ في مصلحة الأبحاث العلمية الزراعية. وأشار هؤلاء إلى عوامل عدة جعلت من تأثير متساقطات العام الجاري صفراً في مخزون حوض الليطاني، أبرز هذه العوامل هو التبدل المناخي وتحوله إلى ما يشبه الاستوائي في لبنان ومنطقة الشرق الأوسط، وثانيها ارتفاع نسبة الجفاف في لبنان وبخاصة منطقة البقاع جراء تراجع كمية المتساقطات على مدار عقدين من الزمن، وثالثها عدم وجود خطه محكمة لـ«حصاد» المياه للإفادة منها في مواجهة النقص الهائل على مستوى الثروة المائية في لبنان.
وأمام هذا التراجع، حذر العديد من مهندسي المصلحة الوطنية لنهر الليطاني من مستقبل مظلم للثروة المائية في لبنان إذا ما تشابهت نسب متساقطات هذا العام مع سابقاتها. وبالتالي فإن أمور الأنهر البقاعية بما فيها بحيرة القرعون ستصبح أكثر مأساوية لا بل كارثية نظراً لما يحيط بهذه المرافق من حصار طبيعي قاس، و«مقتلة» بيئية متواصلة منذ عقود.
وأكد هؤلاء عدم جدوى المتساقطات الحادة لما تسببه من انجراف للتربة وتخريب لمسارات المياه الطبيعية من سلسلتي جبال لبنان الشرقية والغربية، فضلاً عما تحدثه من تغيير حاد في مصادر المياه من ينابيع وعيون ماء تاريخية، والمياه الجوفية.
وأمل العديد منهم في الذهاب نحو توحيد إدارة ملف المياه في لبنان، وحصره في مرجعية واحده كي يتمكن الخبراء من صياغة سياسة مائية مسؤولة تستطيع تنفيذ خطة شاملة أساسها حصاد المتساقطات وما تحتاجه هذه العملية من بنى تحتية، والا فنحن مستمرون في الانحدار والتراجع نتيجة الفوضى العارمة في ادارة الملف المائي معطوفا على قصورنا كدولة ومجتمع عن مواجهة التحديات الكبيرة التي فرضتها الطبيعة.. والسلطة.
وفي مقارنة بين متساقطات الشتاء الجاري ومثيله العام الماضي نجد فارقا شاسعا لمصلحة الشتاء الجاري، ومثال على ذلك، بلغت الكمية حتى اليوم 86 ملم في منطقة البقاع الاوسط يقابلها 27 ملم للفترة عينها من العام الماضي، و245 ملم في كسروان مقابل 128 ملم للفترة عينها من العام الماضي مع العلم ان منطقة كسروان شهدت وتشهد عادة أعلى نسبة متساقطات في لبنان. هذه الأرقام على اهميتها بالنسبة للشتاء الجاري وتميزها عن سابقاتها، فقد أتى تأثيرها صفراً على مجاري الأنهر البقاعية وحوض الليطاني على عكس ما اعتقد البعض. فغزارة المطر وكثافة السيول لم يؤديا إلى نتائج إيجابية لا بل أتى تأثيرهما سلباً في بعض الأمكنة.
ويراهن خبراء مناخ على شتاء واعد يعيد بعض توازن وان كان ذلك وفق التطور الاستوائي حديث العهد في لبنان، ولكن هذا الموضوع الخاص بما تجود به الطبيعة لن يكون ذا فائدة إذا ما استمرينا في فوضى إدارة الملف المائي اولاً، ومراكمة المخالفات البيئية على مساحة البقاع وكل الوطن.