IMLebanon

بعد خطاب نصرالله ومؤتمر الحريري: الحكومة والبلد إلى أين؟!

كتبت صحيفة “الأنباء” الكويتية: جملة استنتاجات وخلاصات سياسية يمكن الخروج بها من المؤتمر الصحافي «الناجح» للرئيس سعد الحريري وأبرزها:

1 – أن المشكلة المباشرة والأساسية بين الحريري وحزب الله، والتي ظهرت في الخلاف القوي حول تمثيل سنة ٨ آذار، تكمن في التدخل الذي يمارسه الحزب في الشأن الداخلي للطائفة السنية، وهذا التدخل يحصل في عملية تشكيل الحكومة في مجالين: التدخل لفرض تمثيل سني محدد، وحيث يرفض الحريري تمثيل خصومه المباشرين ممن يصنفهم سنة حزب الله والنظام السوري، كما يرفض تدخل الآخرين في حصة السنة، في حين ليس متاحا له التدخل والتأثير في حصص أي من الطوائف الأخرى. والأمر الثاني الذي يرفضه الحريري هو تدخل حزب الله شريكا في تأليف الحكومة، مع ما يشكله ذلك من تعد على صلاحيات الرئيس المكلف وعلى دستور الطائف الذي نص على أن عملية التأليف يتولاها الرئيس المكلف وبالاتفاق مع رئيس الجمهورية دون وجود لطرف ثالث.

2 – الحريري يعطي أولوية مطلقة للعلاقة مع الرئيس ميشال عون ويقدمها على أي علاقة أخرى، إذ يعتبرها أساسا للاستقرار السياسي والحكومي ولاستمرار التسوية السياسية. وبدا أن الحريري يتحصن ويستقوي بموقف رئيس الجمهورية الداعم له في الموضوع السني، ويستند الى هذا التناغم المتجدد بين رئاستي الحكومة والجمهورية لإقامة حد أدنى من توازن سياسي في وجه حزب الله، ولاستكمال ما بدأه منذ سنتين، في وقت يعمل حزب الله على فك هذا الارتباط قبل أن يصبح تحالفا، وإقامة منطقة فاصلة بين الرئاستين. ولذلك جاءت العبارات الإيجابية في اتجاه رئيس الجمهورية (ورغم وجود تحفظات وملاحظات على مواقف أخيرة) لتخرق المنحى العام التصعيدي لخطاب نصرالله وفي كل الاتجاهات ما عدا رئاسة الجمهورية.

3 – الحريري اعتمد مثل نصرالله نبرة سياسية عالية ولغة تصعيدية، ولكن مع فارق في الشكل والمضمون: في الشكل قال ما لديه وأوصل رسائله من دون صراخ وانفعال. وفي المضمون ذهب في اتجاه «دفاعي لا هجومي، وتصالحي لا عدائي». لم يقترب الحريري في سقفه المرتفع من نقطة «الاعتذار» والانسحاب، ولم يلوح أو يهدد بهذه الورقة، وربما فعل في مرحلة لاحقة تبعا لردة فعل حزب الله وكيف سيكون لاحقا. قال الحريري إنه لن ينكسر ولكنه لم يقل إنه سيكسر حزب الله. اتهم الحريري الحزب بأنه يعرقل تشكيل الحكومة ويهدد اقتصاد البلد، ولكنه ظل متمسكا بحكومة الشراكة وبحزب الله شريكا أساسيا فيها. وفي المحصلة العامة، فإن الحريري الذي أظهر تذمرا ومرارة وصدمة حيال السلوك السياسي لحزب الله معه، وتحديدا في موضوع حساس يتعلق بطائفته، لم يظهر استعدادا وجهوزية للانتقال من مربع «ربط النزاع» الى مربع المواجهة مع حزب الله، ولا لانتهاج سياسة قلب الطاولة والانقلاب على التسوية. وإنما حصر شكواه في نقطة محددة طفح بها الكيل بعد طول تحمل وتنازلات، وكانت بمنزلة «القشة التي قصمت ظهر البعير».

4 – في الظاهر يبدو الوضع على درجة كبيرة من التعقيد، الى حد يوحي بأنه وصل الى طريق مسدود وأنه لا حكومة في الأفق المنظور.

عندما يعلن الطرفان أنهما راجعا حساباتهما وسيغيران سلوكهما: نصرالله يقول إنه لن يستمر في دور «المتواضع والآدمي» وسيطالب بما يتناسب مع حجمه، والحريري يقول إنه لم يعد يريد أن يكون «بي الصبي» وإنما «بي السنة».

وعندما يقول حزب الله إنه مصر على تمثيل سنة ٨ آذار ولا حكومة من دونهم، ويقول الحريري إنه مصر على رفض تمثيل هؤلاء ولا حكومة معهم. تكون الحكومة قد سقطت في المأزق الذي لا خروج منه إلا بتنازل أحد الطرفين أو بخروج أحدهما من معادلة التأليف. ولكن في العمق الوضع ليس على هذه الدرجة من «الإقفال التام».

نصرالله والحريري صعدا ووصلا الى نقطة الذروة، ولكنهما أبقيا نافذة للحل مفتوحة وإن ضيقة. حزب الله يطالب بوزير يمثل سنة ٨ آذار ولا يتمسك بأن يكون واحدا من «الستة». والحريري يرفض توزير واحد من مجموعة الستة، ولم يقل إنه يرفض بالمطلق تمثيل حالة سنة ٨ آذار.

وبالنتيجة، فإن إمكانية الوصول الى حل وسط تظل متوافرة كسبيل وحيد لنزول الجميع عن الشجرة العالية التي تسلقوها، خصوصا بعدما انتهت الجولة الأولى من الكباش والتصعيد الى تعادل وتوازن الرعب، وبما يجعل حزب الله لا يستطيع فرض توزير واحد من النواب السنة الحلفاء، وأن الحريري لا يستطيع منع تمثيل سنة ٨ آذار.

والحل الوسط هذا، وربما الوحيد، هو أن يتمثل سنة ٨ آذار من خارج المجلس النيابي بشخصية مقبولة من الجميع وتكون من حصة رئيس الجمهورية. فإذا كانت المشكلة الراهنة عند الحريري ونصرالله وبينهما، فإن الحل هو عند الرئيس عون والمفتاح في يده.

من الآن فصاعدا الى أين يتجه الوضع؟! وما هو مصير الحكومة الجديدة؟!

هناك احتمالان لا ثالث لهما بعد انكشاف كل الأوراق والمواقف:

– الأول: هو تشكيل حكومة في وقت قريب، قبل عيد الاستقلال أو بعده، وعلى قاعدة الحل الوسط للعقدة السنية والتنازلات المتبادلة. ونتيجة استشعار الجميع أن الأزمة بلغت «الدائرة الحمراء» وباتت تهدد مجمل الاستقرار السياسي والاقتصادي، وربما الأمني، في مرحلة لاحقة إذا انتقلت الأزمة الى الشارع. وأن الأزمة إذا طالت وتعقدت أكثر فستتحول من أزمة حكومة الى أزمة حكم ونظام، ومن أزمة حكومية بعقد داخلية الى أزمة سياسية بأبعاد خارجية.

– الثاني: الدخول في أزمة مفتوحة، أي لا حكومة حتى إشعار آخر ولا إمكانية لتأليفها في ظل المعطيات والتوازنات القائمة. هذا يعني أن عمرا جديدا أعطي لحكومة تصريف الأعمال، وأن التركيز سيتحول الى التكيف والتأقلم مع مرحلة طويلة من الفراغ الحكومي، واستنباط طرق لإدارة هذه الأزمة مثل «تشريع الضرورة» وتفعيل «تصريف الأعمال» وتعويم جزئي ومتقطع للحكومة الراهنة.

ولكن استمرار هذا الوضع في ظل حكومة تصريف الأعمال ليس مضمونا ولا يعني بالضرورة استمرار وتمديد الهدنة القائمة، ولا يعني ان البلد الذي احتمل سنتين وأكثر من الفراغ الرئاسي، يمكنه أن يحتمل شهورا من الفراغ الحكومي. فهناك أولا الخطر الاقتصادي الداهم الذي لم يعد خافيا ومخفيا، وهناك ثانيا تطور المواجهة في المنطقة وإمكان أن تنعكس على لبنان، وهناك ثالثا احتمال ألا يكون «تصريف وانتظار» على البارد وإنما على الساخن نتيجة ذلك، واحتمال أن ينتقل حزب الله الى رفع درجة الضغوط لفرض شروطه الحكومية، واضعا الحريري أمام خيارين: إما الامتثال وإما الاعتذار.