كتبت سناء الجاك في صحيفة “الشرق الأوسط”:
ينتظر أطفال أحد مخيمات اللاجئين السوريين في منطقة البقاع اللبنانية الباص عند الثانية عشرة ظهراً، لينقلهم إلى المدرسة لينتظروا نحو الساعتين قبل أن تفتح أبوابها لاستقبالهم في تمام الثانية والنصف بعد الظهر، بعد انتهاء الدوام الصباحي المخصص للتلاميذ اللبنانيين. وعندما لا يتأمن الباص يتوقف الأطفال عن الالتحاق بالمدرسة التي تبعد غالباً عن تجمعات اللاجئين السوريين في المناطق الريفية. أما بيروت وغيرها من المدن، فلا تواجه مشكلة نقل التلاميذ السوريين.
يبلغ عدد الطلاب السوريين الملتحقين بالتعليم الرسمي في لبنان 213 ألفاً و358 تلميذاً، منهم 59 ألفاً و149 يدرسون مع اللبنانيين في الدوام الصباحي، و154 ألفاً و209 يتابعون الدراسة في دوام مخصص لهم بعد الظهر. وهو رقم قياسي لا نجده في أي بلد آخر، ويعكس حجم اللاجئين السوريين بالنسبة إلى عدد سكان لبنان.
ويقول المدير العام لوزارة التربية فادي يرق لـ«الشرق الأوسط»، «تستقبل المدارس الرسمية اللبنانية أعلى نسبة من التلاميذ اللاجئين في العالم قياساً إلى عدد السكان».
وتنظيم إلحاق التلاميذ السوريين بالمدارس الرسمية ترافق مع دعم من المانحين الدوليين، لا سيما الاتحاد الأوروبي، والوكالة الأميركية للتنمية الدولية، ووزارة التنمية الدولية البريطانية، والكثير من وكالات الأمم المتحدة، وذلك من خلال إطلاق الوزارة استراتيجية «توفير التعليم لجميع الأطفال في لبنان» في العام 2014.
يقول يرق: «تعليم التلاميذ السوريين في لبنان يموله الاتحاد الأوروبي وألمانيا وبريطانيا والنرويج وفرنسا والولايات المتحدة، وتتم التحويلات عبر وزارة التربية من (اليونيسيف) والمفوضية العليا لشؤون اللاجئين وعن طريق البنك الدولي. ويتم استخدام المدارس اللبنانية لهذه الغاية». ويضيف: «يعمل في دوام بعد الظهر المخصص لأبناء اللاجئين السوريين 14 ألفاً و328 موظفاً، منهم 2076 إدارياً و9124 مدرساً، و1051 متخصصاً في برامج الدعم النفسي والإرشاد، وعدد المديرين 364 والمشرفين 1712».
ويشير إلى أن «التلاميذ السوريين سجلوا نجاحات ملحوظة في الامتحانات الرسمية. فنتائجهم جاءت أقل بنقاط قليلة من اللبنانيين ومن المستوى العالمي بشكل عام. كما أن نسبة بقائهم في المدرسة مطابقة للمعدلات العالمية. والمشكلة التي واجهها التلاميذ السوريون في بداية التحاقهم بالمدارس اللبنانية كانت اللغة الأجنبية، لأنهم في سوريا لا يتلقون المواد العلمية باللغة الأجنبية إنما بالعربية، لذا كانت الحاجة إلى دورات من خارج الدوام لتقويتهم باللغات الأجنبية. أما التلاميذ الذين التحقوا منذ بداية تعليمهم بالمدرسة في لبنان، فقد استطاعوا أن يجاروا التلاميذ اللبنانيين، مع الإشارة إلى الاختلاف في البيئة، فمن لا يسمع لغة أجنبية في بيئته، سواء كان لبنانياً أو سورياً، سيواجه صعوبات تعليمية أكثر ممن يعيش في بيئة متآلفة مع لغة أجنبية».
ويجمع من يدرِّس للسوريين على أنهم مثابرون وأكثر التزاماً من اللبنانيين. كما أنهم يتابعون الدرس في كتب متخصصة بمستوى يختلف عن مناهج التعليم اللبنانية، وذلك بناءً على دراسة وأبحاث لتمكينهم من استيعاب الرياضيات أو العلوم، ليس فقط في لبنان، بل في الدول الأجنبية التي يمكن أن يتوجهوا إليها إذا هاجر أهلهم.
تقول فاديا وهبي المتخصصة في علم النفس، إضافة إلى اختصاصها كمدرسة للصفوف التحضيرية الابتدائية، لـ«الشرق الأوسط»، إن «الملاحظة الأولى تكمن في تفاوت الأعمار بين السوريين داخل الصف الواحد. فمن هو في السادسة في صف واحد مع آخر في الثامنة، والسبب أن بعض التلاميذ لم يلتحقوا بالمدرسة لمدة عام أو عامين ما أوجب إخضاعهم لدورات لمحو الأمية والتأهيل للمواد الدراسية بشكل عام، ومن ثم تقييمهم وتوزيعهم على المراحل المناسبة لمستواهم العلمي. ورغم الفوارق العمرية إلا أن التلاميذ وبنسب كبيرة يستلحقون ما فاتهم».
وتضيف: «يتميز السوريون بقدرتهم على التأقلم مع الدراسة بنسبة 100 في المائة. وهم ملتزمون بالمدرسة أكثر من التلاميذ اللبنانيين في المدرسة الرسمية. في المقابل هناك نوع من الفوضى في سلوكهم أثناء اللعب. لكن يمكن السيطرة على الأمر، فهم يتميزون باحترام المدرسين والالتزام بالقواعد والإرشادات».
إبراهيم في العاشرة من عمره، ملتحق بالدوام الصباحي مع لبنانيين، يقول لـ«الشرق الأوسط» إن «رفاقه يصرون على مناداته بالسوري في معرض السخرية، ما يثير غضبه. حتى أنه فكر بأن يضرب كلَّ من يناديه بهذا اللقب، لكن المعلمة أفهمته أن اللقب لا يحمل شتيمة، وعليه أن يفتخر لأنه سوري وقادر على تحصيل علامات جيدة رغم الصعوبات في الدراسة. يقول إنه لم يقتنع لكنه يضبط غضبه حتى لا يسبب لنفسه المشكلات، فكل همه هو الدرس بانتظار العودة إلى بلاده».
وتتحكم التقاليد بمسألة التسرب من المدرسة، لا سيما لدى أهل الريف الذين يمتنعون عن إرسال بناتهم إلى المدرسة ما لم يكن أشقاؤهن برفقتهن. كما أن الحرب تركت آثارها على التلاميذ، إذ يسجل لدى الفتيان ميل إلى العنف، كما يلاحظ الخوف من الأماكن المغلقة بين الفتيان والفتيات.
تقول وهبي: «نخصص لهم فترة تحت عنوان (فسحة حديث) للتعبير عن أفكارهم وهواجسهم. فيروون أن أفراد عائلاتهم قتلوا في القصف. والتعبير بالرسم يكشف أكثر: يرسمون قذائف ومنازل مهدمة وهرباً للعائلة من القصف. وهم لا يريدون البقاء في لبنان، يتحدثون عن قراهم وحيواناتهم الأليفة وحدائقهم ومنازلهم الواسعة قياساً إلى حيث يقيمون في بيروت».
وتروي نعمت بزري، وهي تدير جمعية ساهمت في تأسيس خمس مدارس في وادي البقاع، التي تلبي احتياجات ألفي طالب، أن «التلاميذ من المخيمات يعانون من الجوع لذا نؤمن لهم وجبة غذائية يومياً. تلقينا مساعدات من الشركات العاملة في المجال الإنساني. لكن الحاجة أكبر من المساعدات».
وتبادر بزري إلى «تلبية الاحتياجات بسرعة، حتى لو لم ترتبط بشدة بمجال التعليم». وعدا الطعام، تعمل بزري على «تأمين تكاليف حافلات النقل المجاني. فالكثير من عائلات اللاجئين السوريين غير قادرة على تحمل حتى أبسط النفقات الإضافية. فالغالبية لا تستطيع دفع الرسوم أو النفقات المرتبطة بالتعليم مثل النقل أو اللوازم. هذه النفقات البسيطة تؤدي إلى حرمان الأطفال من الالتحاق بالمدارس».