قالت مصادر سياسية لبنانية مطلعة لصحيفة “العرب” اللندنية إن الاتصالات التي جرت في اليومين الماضيين لم تسفر عن أي حلحلة للعقدة التي تحول دون تشكيل الحكومة الجديدة. ورأت المصادر أن أجواء التفاؤل التي حاول وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل بثها، لم تفصح عن أي تقدم بالإمكان التعويل عليه لولادة هذه الحكومة.
وأكدت معلومات متداولة أن مسألة تمثيل “اللقاء التشاوري” أو ما يطلق عليه اسم “سنة 8 آذار” ما زالت دون حلّ، وسط موقف أطلقه الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله في 10 نوفمبر، اشترط فيه توزير واحد من النواب الستة الذين يشكلهم اللقاء، مقابل ما كرره رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، الثلاثاء الماضي، من رفضه لأن يكون الأمر من حصته داخل الحكومة، محملاً بشكل علني مباشر حزب الله مسؤولية الأزمة الحكومية الحالية.
وعلى الرغم من وعود سابقة بتشكيل الحكومة قبل حلول الذكرى الثانية لتبوؤ ميشال عون مقاليد الرئاسة ثم وعود أخرى بأن يجري هذا التشكيل قبل عيد الاستقلال في 22 نوفمبر الجاري، إلا أن المراقبين يتوقعون أن يطول عمر حكومة تصريف الأعمال وأن يتحرك الحريري وفق الصلاحيات المحدودة التي تتحرك داخلها هذه الحكومة.
ورأت مصادر برلمانية لبنانية أن المسألة لا ترتبط باجتراح سبل محلية خلاقة لإعادة توزيع التحاصص داخل الحكومة العتيدة، بل ترتبط بمعوقات خارجية تحول وستحول دون تشكيلها مهما حاولت المهارات السياسية الداخلية التقدم بصيغ جديدة.
وترى هذه المصادر أن الضغوط التي تمارس على إيران منذ قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران وما تلا ذلك من تصاعد في العقوبات الأميركية ضد طهران، تجعل من ولادة الحكومة اللبنانية أمرا مرتبطا بمزاج الحاكم في الجمهورية الإسلامية. وتضيف المصادر أن موقف نصرالله المفاجئ، والذي أخذ شكلاً مهولا مهددا كل الطبقة السياسية والنخب الدينية والاقتصادية، يستهدف فرض حكومة يسيطر عليها حزب الله بشكل كامل، وما مسألة توزير “سنة 8 آذار” إلا أداة من أدوات ذلك، أو منع تشكل حكومة واعتبار ذلك ورقة من أوراق الضغط التي تمسك بها إيران من ضمن أوراقها العديدة في المنطقة.
تم في الساعات الأخيرة تداول معلومات حول سيناريوهات عدة يتم النقاش بشأنها لتذليل العقبة الأخيرة أمام تشكيل الحكومة، بعد أن استجاب الزعيم الدرزي وليد جنبلاط والزعيم المسيحي سمير جعجع للدعوات الداخلية والخارجية التي طالبت بتسهيل مهمة الحريري وإزالة العقد الدرزية والمسيحية التي كانت تعتبر عقداً أساسية تمنع ولادة الحكومة.
وتروي المصادر أنه قد يتم حلّ عقدة سنة 8 آذار من خلال توزير شخصية سنية قريبة من الخط السياسي لنواب “اللقاء التشاوري” من حصة رئيس الجمهورية، فيما تحدثت معلومات أخرى عن أفكار طرحها رئيس مجلس النواب نبيه بري قال الأخير إنه ينتظر ردودا عليها. غير أن مصادر قريبة من حزب الله أشارت إلى أن الحزب لن يسلم أسماء وزرائه قبل التأكد من أنه سيصار إلى توزير أحد نواب سنة 8 آذار، وليس شخصية قريبة منهم. ومع ذلك أشاع وزير المالية اللبناني علي حسن خليل، المقرب من بري، أجواء متفائلة في الساعات الأخيرة، من خلال تصريح قال فيه “أنا أتطلع بأمل وأشعر بأننا مقدمون على إنجاز تشكيل الحكومة، ومن يتحدث عن وقت طويل، أنا أعتقد أنه يبالغ في تقدير ما يمكن أن نصل إليه على هذا الصعيد”.
وتقول أوساط الحريري أن الخلاف سياسي وليس طائفيا، وأن الذي يريد توزير هذه الفئة “وفاء” لها فليقم بالأمر من حصته. وتضيف هذه الأوساط أن تيار المستقبل سبق له أن مثّل شخصيات شيعية قريبة منه من حصته ولم يطلب أن تكون من حصة الثنائية الشيعية. وتلفت الأوساط إلى أن التيار لا يتدخل في شؤون نفوذ التيارات الأخرى داخل بيئتها الطائفية، ومن المستهجن أن يسمح حزب الله لنفسه بفرض شخصيات داخل التمثيل السني في المؤسسات السياسية اللبنانية.
ويرى مراقبون أن مسألة تشكيل الحكومة شديدة الصلة بخريطة موازين القوى في لبنان والتي يراد لها أن تكون عاكسة لموازين القوى الخارجية. ويضيف هؤلاء أن الانقسام الراهن يجري على قاعدة تعويل البعض على تشكيلة حكومية تستجيب للواقع الدولي الذي أرساه مؤتمر المانحين الدوليين (سيدر) في باريس من حيث التوق إلى بناء الدولة وفق المعايير الدولية وتوازناتها، وتعويل حزب الله على قدرة إيران على فرض واقعها الإقليمي من اليمن إلى لبنان مرورا بالعراق وسوريا.
ويخلص المراقبون إلى أن العقدة المفتعلة الأخيرة التي فاجأ بها نصرالله اللبنانيين تعبر تماماً عن الأهمية التي يوليها حزب الله للأمر للإمساك بالحكومة كما الأهمية التي يوليها الحريري لنفس الأمر لمنعه الحزب من ذلك. وفي هذا السياق أكّد رئيس حزب القوّات اللبنانيّة سمير جعجع، الأحد، أن “إيران في وضع دفاعي على مستوى المنطقة للمرّة الأولى منذ 40 عاماً حيث أن المواجهة جديّة وتأخذ حدودها القصوى والجميع يرى كيف تتدرّج من مرحلة إلى أخرى”.