كتب طوني عيسى في “الجمهورية”:
«قد تتشكّل الحكومة في موعد ليس ببعيد، فملامح التسوية بدأت تتبلور. لكنّ الأزمة ستُطوى «على زَغل»، وستنفجر مجدداً في داخل الحكومة الآتية. وستكون خسائر البعض أكبر حينذاك». هذا ما يقوله أحد أقطاب 8 آذار، حلفاء «حزب الله». لذلك، في رأي المتابعين، يمكن اليوم التفاؤل بالتأليف… ولكن، هناك تشاؤم إزاء الحكومة التي ستولد!
في الأوساط الوثيقة التحالف مع «حزب الله»، كلام كبير فيه من العتب على الحلفاء ما يفوق الغضب من الخصوم. والانطباع السائد فيها هو أنّ الثنائي الشيعي، و«حزب الله» خصوصاً، يدفع ثمن «التواضع» الذي التزمه في عملية تأليف الحكومة.
ويردُّ أحد الأقطاب حلفاء «الحزب» على الكلام الذي يُطلقه أركان 14 آذار – وآخرهم الرئيس تمام سلام – والذي يعتبر أنّ إيران وحلفاءها يعرقلون تأليف الحكومة لاستخدامه ورقة في النزاع الإقليمي.
ويقول: «سيكتشف الجميع أنّ هذه الصورة ليست في محلّها، وأنّ الحكومة ستولد في موعد قد لا يكون بعيداً، فور أن يتبلور الحلّ لأزمة التمثيل السنّي. وسيتبيّن للجميع أن لا علاقة لموقفنا لا بالعقوبات الأميركية ولا بأي عامل خارجي آخر».
ويضيف هذا القطب: «منذ البداية كانت المقاربات التي تمّ اعتمادها لتشكيل الحكومة مغلوطة، والمعايير غير دقيقة. وقد أدار البعض عملية التأليف في شكل يتجاهل تماماً موقعنا ودورنا كفريق 8 آذار، وتحديداً الثنائي الشيعي «أمل» و«حزب الله».
ولذلك، وقف رئيس مجلس النواب نبيه بري قبل فترة ليقول: «هناك 10 أطراف يشكلون الحكومة، وأنا لستُ بينهم». وهذا أمرٌ له دلالاته بالنسبة إلى رئيس المجلس الذي يبقى منذ 30 عاماً، أي منذ «اتفاق الطائف»، عرّاباً لكل التسويات الداخلية والحكومات.
وثمة استياء في الأوساط المعنية من هذا الإبعاد. وفي الموازاة، خرج السيّد حسن نصرالله ليسأل عن المعايير التي تمّ اعتمادها في عملية التأليف، وهنا بيت القصيد.
ويضيف: اليوم، يتمّ توزيع القوى داخل الحكومة العتيدة كالآتي:
- فريق 14 آذار: 12 وزيراً (6 للرئيس سعد الحريري، 4 لـ«القوات اللبنانية»، و2 للنائب السابق وليد جنبلاط).
- فريق 8 آذار: 7 وزراء (3 لـ«أمل»، 3 لـ«الحزب»، و1 لـ«المردة»)
- فريق رئيس الجمهورية و«التيار الوطني الحرّ»: 11 وزيراً.
وهنا يطرح القطب الحليف لـ«الحزب» مجموعة من الأسئلة:
- فريق 14 آذار وجنبلاط له 44 نائباً، وكذلك فريق 8 آذار له 45 نائباً. فبأيّ عدالة يتم منح الأول 12 وزيراً والثاني 7 وزراء؟
- لماذا يُراد استبعاد أي تمثيل للنواب السنّة خارج «المستقبل» (8 آذار والمستقلون) فيما هم لهم تمثيلهم الوازِن داخل المجلس؟
- كيف تُعطى، مثلاً، «القوات اللبنانية»، التي لها 15 نائباً، 4 وزراء، فيما كتلتا بري و«الحزب» اللتان لهما 30 نائباً تمثَّلان بـ6 وزراء فقط؟
ويضيف: «لقد حرص نصرالله على تهدئة الاعتراضات داخل فريق 8 آذار، فعَمّم على الكوادر التزام الصمت، وتفاهَم مع بري على الصبر، وطلبَ من الحزب السوري القومي الاجتماعي أن يتجاوز الملف الحكومي.
ففريق 14 آذار، الذي خسر في الانتخابات النيابية، يربح اليوم في الحكومة. وثمة استياء لدى قواعد «حزب الله» الشعبية من استضعافه في عملية تأليف الحكومة، ويُقال: لماذا التراخي؟ وهل هكذا نكافَأ على ما قدّمناه من تضحيات في الحرب على الإرهاب؟ وإذا لم تترجِم هذه الحكومة حقيقة انتصارنا في الانتخابات النيابية، فلتكن متوازنة في الحدّ الأدنى. وما معنى الانتصار في الانتخابات إذا لم يُتَرجَم في الحكومة؟
هذا الكلام يوحي بأنّ الأزمة الحكومية الحالية تتخطى أزمة التمثيل السنّي، وربما يتم التوَصّل إلى حلّ للعقدة السنّية بإعطاء سنّة 8 آذار وزيراً من حصة رئيس الجمهورية مثلاً، فيكون لفريق 8 آذار 8 نواب، بدلاً من 7.
ولكن، هذا لن يحلّ المشكلة التي تسبّبت بجرح عميق في التعاطي بيننا وبين العديد من الأفرقاء. وربما تُطوى الأزمة في موعد ليس بعيداً، لكنّ ذلك سيكون «على زَغل». فقد دفعونا إلى تسوية غير عادلة نتيجة اعتماد معايير مغلوطة. وهذه الأزمة ستنفجر لاحقاً، في داخل الحكومة».
ويتابع هذا القطب: «لا علاقة لإيران بالأزمة، كما يحلو للبعض أن ينادي. وأساساً ليست إيران هي التي تُملي على «حزب الله» مواقفه، لا في ملف الحكومة ولا سواه. فالسيّد حسن نصرالله هو صاحب الكلمة الفصل، والقرار له في الملفات الداخلية والإقليمية التي تعني «الحزب».
ويُسأل القطب في 8 آذار: ولكن، أنتم كتحالف سياسي واسع لا يمكن أن تفصلوا أنفسكم عن العهد و»التيار الوطني الحر». وفي أي حال، ستكون لكم غالبية مريحة في الحكومة المقبلة، تماماً كالغالبية في المجلس النيابي. فعلى الأقل، سيكون لكم 18 وزيراً مقابل 12 لتحالف 14 آذار؟ أوَليس الرئيس ميشال عون وفريقه السياسي جزءاً من 8 آذار، بمعنى التزام الخط السياسي؟
فيجيب: «العهد يعمل اليوم على أن يكون على مسافة واحدة بين الجميع. ونحن وقفنا عامين ونصف العام مع هذا الحليف المسيحي لنوصِله إلى رئاسة الجمهورية. ولكن، بالإصرار إيّاه سندعم حلفاءنا السنّة ليشاركوا في الحكومة. وعندما قال السيّد نصرالله إننا سننتظر حتى يوم القيامة ليتمثّل حلفاؤنا السنّة، فإنما هو يبعث برسالة إلى عون كما إلى الحريري لأنهما معنيّان معاً بالتأليف».
ويذهب القطب الحليف لـ«حزب الله» إلى أبعد من المطالبة بتمثيل «سنّة 8 آذار»، فيقول: «نريد أن نعرف أيضاً مَن هم الوزراء شركاؤنا في الحكومة؟ وأي حقائب سيتولاها كل منهم؟ لأنّ ثمّة أسماء ربما يكون لنا «فيتوات» عليها».
لكنّ اللافت هو قول هذا القطب إنّ «حزب الله» مصدوم من الطريقة التي تمّ التعاطي بها معه وتجاهل مطالبه. ولذلك، تحدّث نصرالله في خطابه عن «خطأ التواضع». وكان قد التقى الوزير جبران باسيل قبل ليلة من إلقاء الخطاب. ووفق ما يكشف هذا القطب، فإنّ أجواء اللقاء لم تكن إيجابية. وهذا ما ترجمه مستوى الانفعال الذي مَيّز الخطاب وتسميته الأشخاص: عون وجنبلاط وجعجع.
وثمّة من يشير إلى أنّ عامل الثقة الذي تَرسّخ بين «التيار» و«الحزب» مع عون، خلال حرب تموز 2006 وما تلاها، تعرّض لاهتزاز معيّن في المرحلة الحالية. وهذه مسألة يجدر التوقف عندها.
ويقول القطب: «في النهاية ستتألف الحكومة، وربما لم يعُد الموعد بعيداً. وقد يتمّ التفاهم على صيغة يتخلّى فيها عون عن وزير سنّي لتكتل سنّة 8 آذار، فيصبح التوزيع: 12 لـ14 آذار، 8 لـ8 آذار و10 للعهد وفريقه السياسي. ولكن، ستنفجر الأزمة داخل مجلس الوزراء. وإدارة ملف التأليف أظهرت ثغرات فادحة واهتزازاً للثقة».
إذاً، يوحي «حزب الله» بأنه «سينام على ضَيم» التسوية. ولكن، يضيف القطب الحليف لـ«الحزب»، «من مصلحة الجميع أن تعالَج الأزمة قبل تأليف الحكومة، فلا يُقفَل الملف «على زَغل»، لأنّ هناك مَن سيخسر من انفجار الأزمة في داخل الحكومة، ولو اعتبر نفسه اليوم رابحاً في التأليف. والفرصة ما زالت سانحة، ولا مصلحة لأيّ كان في إضاعتها.