كتبت ايليا مغناير في صحيفة “الراي” الكويتية:
دأب منظّرو الإدارة الأميركية منذ مدة ليست ببعيدة على الترويج لوجوب اعتراف الولايات المتحدة بهضبة الجولان المحتلّة كجزءٍ من إسرائيل وليس من سورية. وقد نشط اللوبي الإسرائيلي – الأميركي في واشنطن في دعم هذه الفكرة استغلالاً للدعم اللامحدود الذي توفّره إدارة الرئيس دونالد ترامب لإسرائيل، وهو ما تجلى من خلال الموقف الأميركي غير المسبوق ضد قرار الأمم المتحدة الذي يدين الاحتلال الإسرائيلي لهضبة الجولان المحتلة منذ العام 1967 بعدما صوّت 151 عضواً لمصلحة دمشق ضدّ الدولة العبرية.
ولكن ما تجهله الإدارة الحالية أن أعمالها وقراراتها، منذ احتلال العراق العام 2003، تخدم مصالح إيران وحلفاءها في الشرق الأوسط.
فسورية لم تعمل يوماً لبناء مقاومة شعبية لتحرير أرضها من الاحتلال، كما فعل لبنان حين أنشأ أبناؤه «حزب الله» الذي حظي بدعم إيران اللامحدود. بل منذ احتلال الجولان والرئيس الراحل حافظ الأسد يسعى لعقد اتفاق سلام على أساس الأرض مقابل السلام. وَرَفَضَ المسؤولون الإسرائيليون مدّ اليد باتجاه الرئيس الراحل رغم محاولات عديدة قام بها رؤساء أميركيون عدة تعاقبوا على البيت الأبيض.
وعندما بدأ مشروع تغيير النظام في عهد الرئيس بشار الأسد، اعتبرت إسرائيل أنها محظوطة لوجود «داعش» و«القاعدة» على حدودها، لأن كلا من التنظيمين التكفيريين عمل لضرب أعداء الداخل الشرق أوسطي بدَل العدو الخارجي، حتى في حالة «القاعدة» في سورية فقط (القاعدة المركزية تنادي بمهاجمة البعيد وليس القريب). وهذا ما دفع بمسؤولي تل أبيب الى السعي للاستيلاء «رسمياً» على الجولان.
إلا أن انتصار الأسد في الحرب المفروضة على سورية بمعية حلفائه الشرق أوسطيين (إيران و«حزب الله») وروسيا أَوْجَدَ أجواء مختلفة من دون أن يعني ذلك العمل على استعادة الأرض بالقوة لأن موسكو تريد العمل الديبلوماسي لإرساء حالة سلام بين إسرائيل وسورية وإنهاء الحرب. لكن المساعي الروسية لا تزال بعيدة المدى لأن سورية تشهد احتلالاً أميركياً في الشمال الشرقي واحتلالاً تركياً في الشمال الغربي والشمال الوسطي واحتلالاً إسرائيلياً في الجنوب.
وعلى روسيا السير بين الألغام المتعددة للمحافظة على سلام في بلاد الشام وفي الوقت نفسه الحصول على رضا دمشق وعودة الأمور إلى ما قبل العام 2011.
إلا أن معركة غزة الأخيرة أنطوتْ على أحداث وتطورات بارزة منها:
1 – تَوَحَّد 13 فصيلاً فلسطينياً تحت غرفة عمليات مشتركة واحدة تحارب إسرائيل وتدرس الردّ، على طريقة رد «حزب الله» التَدَحْرُجي. وقد تعلّم «حزب الله» الا يبالغ في إيقاع خسائر بين الإسرائيليين من خلال عمليات نوعية إلا في حالة الدفاع عن النفس كي لا يخرج المسؤولون الإسرائيليون عن روعهم وسيطرتهم. وبالتالي بدا واضحاً هذا الأسلوب من خلال استخدام الفصائل «الكورنيت» بعد نزول الجنود من الباص لتفادي إيقاع خسائر بشرية كبيرة تدفع الحكومة إلى حرب أكيدة.
2 – استخدمت الفصائل الإعلام بفعالية إذ صوّرتْ العملية التي استُخدم فيها «الكورنيت» (سلّمه «حزب الله» لغزة حسب اعتراف الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله). وهذا التصوير له دلائل وفعالية هائلة، إذ يعطي دفعاً للداخل الفلسطيني والخارج العربي لدعم القضية التي أصبح لديها صدقية، ولا يعطي أي فرصة للإسرائيليين لتكذيب العملية المصوَّرة بما يؤثّر تالياً على معنوياتهم.
3 – بدا واضحاً التناغم في الهدف ضد إسرائيل من دون أن تتحد الإيديولوجية بين «حزب الله» والفصائل الفلسطينية. وبالتالي نجح «محور المقاومة» بدمْج غزة مع محور لبنان والعراق (الحشد الشعبي) واليمن وتبقى سورية.
الخيار يعود الى الأسد الذي أصبح جزءاً من «محور المقاومة» وسمح بإنشاء تشكيلات عسكرية متعددة تدرّبتْ على أيدي هذا المحور وخبرت كل أساليب القتال الإسرائيلية وغيرها. إلا أن من الممكن أن يقرر الأسد سلوك طريقة أبيه ودعم المحور من دون أن يندمج فيه أو يترك العنان لتشكيلات وطنية لاستعادة الأرض تحت عنوان «ما أُخذ بالقوة لا يُسترد إلا بالقوة» وان «هذا العالم لا يَفهم إلا منطق القوة».