تحقيق رولان خاطر
“طويلة هي دروب التحرير ومشوار الحرية هو اغلى المشاوير”. من هنا، يبدو أن دروبنا كلبنانيين طويلة، وهذه الأرض الغريبة في هذه البقعة من الشرق التي ارتوت في الماضي بكثير من دماء الشهداء، لا زالت عطشى إلى المزيد، للوصول الى الحرية الحقيقية التي تبدأ بوجود دولة فعلية تبسط كامل سلطتها وسيادتها على كامل الجغرافيا اللبنانية.
في اليوبيل الماسي لاستقلال لبنان، كلمات للتاريخ، ولأخذ العبر، من سياسيين ومفكرين وكل مكون معني باستقلال هذا البلد، فماذا قالوا؟
السيدة صولانج الجميل، قالت لـIMLebanon: “إن استقلال لبنان بدأ يتعثر منذ سنة 1958 حين انقسم اللبنانيون حول الوحدة مع مصر وسوريا، وظهرت تعددية الولاءات التي هي نقيض الاستقلال. وجاءت كل الأحداث حتى يومنا هذا لتؤكد أن الاستقلال ليس خروج المحتل أو المنتدب من أرضنا بل دخول اللبنانيين إلى الوطن الواحد والدولة الواحدة”.
واضافت: “لو كان استقلالنا جدياً لما حصلت كل الحروب والأزمات ولما احتلنا الفلسطيني والسوري والاسرائيلي، ولما كنا نبقى أشهرا لتأليف حكومة لا يتطلب تأليفها سوى أيام. لذلك كان مشروع الرئيس بشير الجميل يبدأ بتوحيد ولاء اللبنانيين لكي يتمكن من بناء دولة الاستقلال”.
واعتبرت الجميل أن استقلال لبنان يبدو وكأنه للبعض جزءاً من مشروع يهدف إلى إخراج لبنان من فرنسا لإدخاله إلى العروبة من دون المرور باللبننة. وهكذا يتبين بعد مرور نحو مئة سنة على تأسيس دولة لبنان الحديث، وبعد مرور خمس وسبعين عاماً على نيل الاستقلال، بأن هناك جماعات لبنانية تتصرف وكأن لا الدولة تأسست ولا الاستقلال تم. وهذا الواقع سيستمر طويلا ما دامت ترتبط هذه الفئات اللبنانية بدول خارجية وتؤمن بعقائد قومية منافية للكيان اللبناني”.
وأشارت الى ان المسألة هنا لا تتعلق بطبقة سياسية، بل بالشعب. فهذه الطبقة من هذا الشعب وهي تمثل مختلف انتماءاته. إن الشعب اللبناني المقسوم طائفياً مقسوم أيضاً حول الكيان اللبناني. ولا أرى حلا لهذا الانقسام خارج دولة علمانية لكن المشكلة ان العلمنة مرفوضة من كل الطوائف.
وتابعت الجميل: “صحيح أن الناس تردد نريد بشير جديدا، لكن من أين سيأتي في ظل هذا الاستسلام الشعبي للطبقة السياسية؟ وفيما نحيي عيد الاستقلال بالاحتفالات على الطرقات وبالاستعراضات، حبذا لو نحتفل به في القلوب والعقول ونتعلم من أخطائنا”.
وقالت: “حرام أن يكون سقط عشرات آلاف الشهداء في سبيل السيادة والاستقلال ولا نزال من دون سيادة ومن دون استقلال. لذا ادعو الشعب اللبناني بمناسبة عيد الاستقلال إلى وقفة ضمير حيال الوطن وليقرر ماذا يريد. فللبنان المستقل طريق هو الولاء، وللبنان المقسم طريق آخر هو تعددية الولاءات. نحن حسمنا قرارنا وخيارنا بالنضال في سبيل لبنان مستقل”.
رئيس حزب “الوطنيين الأحرار” دوري شمعون، سرد جزءا من مرحلة الاستقلال يوم تم اعتقال والده الرئيس كميل شمعون، وهو احد أركان الاستقلال. “كان عمري 13 عاما، يقول شمعون، عندما جاء الجيش الفرنسي واعتقل الرئيس شمعون من المنزل، لكن الضابط الفرنسي آنذاك كان محترماً فسمح لوالدتي بأن تحزم حقيبة صغيرة لحاجات الرئيس شمعون في السجن، بينما معلوم ان عبد الحميد كرامي تم اعتقاله بثياب النوم”.
يستذكر شمعون تلك المرحلة بأسف، مؤكداً أن الامير مجيد ارسلان على سبيل المثال شكل ومجموعة من الشباب نوعاً من مقاومة، ليؤكدوا للفرنسي ان الناس مستعدة ان تموت من اجل الاستقلال، وبالتالي، فإن استقلال لبنان لم يأت هدية، بل نتيجة نضال رجالات السياسة ورجالات الاستقلال حتى تحقق.
الثمن الذي دفع كان كبيرا يقول شمعون، ومحاولات تحويل لبنان الى سلعة لم تتوقف، من السياسة الاميركية التي حاولت ارضاء اسرائيل الى محاولة تحويل لبنان الى فلسطين البديلة في العام 1958 وفي السبعينيات. لذلك، من المؤسف ان سياسيي اليوم لا يقرأون التاريخ ويتعلموا من عبره.
مرحلة الماضي يؤكد شمعون تميزت بالبطولات وبالكرامة والأمل بالمستقبل، اما اليوم فخناق على الكراسي. حتى المصالحات المسيحية أتت على حساب الآخرين. وهذه المصالحات، ندفع ثمنها طويلاً قبل ان يقوموا بما يجب ان يقوموا به.
يضيف شمعون: “نعم، لسنا في استقلال حقيقي، ايران لا زالت رغم مصاعبها تتدخل بأمورنا. “حزب الله” الذي يملك السلاح ويفرض نفسه على الشارع يتحكم بالبلد، فلا استقلال نتيجة وجود “حزب الله” والسلاح غير الشرعي. هذا إضافة إلى بعض من وصفهم بـ”المفكرين الوطنيين”، الذي يتبرعون لأن يكونوا أذناب للنظام السوري في لبنان. ورغم كل ما حصل معنا مع سوريا وما فعلته بلبنان، وما يحصل اليوم داخل سوريا، يتباهون بعلاقاتهم الطبيعية مع النظام السوري. ويضيف بأسف: “هناك وضع غير طبيعي لا اعلم متى نخرج منه”.
شمعون الذي يتأسف على كل النضالات الماضية التي من الممكن ان تكون ذهبت هدراً نتيجة سياسات اليوم، فداني وعائلته راحوا ضحية الاستقلال الضائع، اكد انه رغم كل ذلك لم نفقد الامل بلبنان.
النائب السابق مصطفى علوش، اعتبر عبر IMLebanon أن الحديث عن استقلال يعني الحديث عن دولة، وقال: “بالتأكيد أخذنا الاستقلال عن فرنسا لكن بعد الاستقلال لم نستطع ان نؤسس دولة ولا مؤسسات. وبالتالي، فإن معظم اللبنانيين نادمون على اللحظة التي حصلنا فيها على الاستقلال عام 1943، واذا أجرينا استطلاعا للرأي لأظهر أن جميع الطوائف يقولون يا ليته لم يكن الاستقلال”.
من هنا الأمر المؤكد أن لا استقلال من دون دولة. خرجنا من الانتداب الفرنسي واصبحنا مأسورين لقبليتنا وطوائفنا وتجاذباتنا الاقليمية والأنانيات، والواقع الذي نحن فيه اننا لسنا لا مواطنين مستقلين ولا شعبا مستقلا ولا بلدا مستقلا.
ورأى أن المسؤولية في ذلك تعود إلى الشعب والطوائف والنظام، فبداية كل مجموعة من الناس تعتبر نفسها شعباً بحد ذاته، من المواطن العادي إلى المسؤول السياسي، الى النظام السياسي الذي لم يستطع أن يطوّر نفسه ويحوّل مجموعة القبائل والطوائف المتشاركة في قطعة أرض إلى وطن لجميع اللبنانيين، لذلك شعب ومؤسسات نتحمّل المسؤولية.
الكاتب والصحافي علي الامين قال لـIMLebanon: “إن الاستقلال كان انجازا لبنانيا مهما جرى التشكيك فيه ومهما قيل فيه، فهو كان يعبر عن ارادة لبنانية جامعة باستقلال لبنان والتخلص من الانتداب ايماناً بقيام الدولة. ولا شك ايضاً أن الاستقلال بطبيعته عندما حصل كان يعني في مضمونه مسارا استقلالياً على مستوى المؤسسات، بمعنى ان الدولة والنظام لا يزالان يحتاجان الى النضال لاستكمال بناء الدولة، والتأسيس لقيام عناصر الاستقلال، خصوصا تلك المتصلة بالاقتصاد والسياسات الخارجية التي تعني لبنان وإلى تحقيق المساواة وكل العناوين التي تناضل الشعوب من اجلها.
وأضاف الأمين: “لبنان قطع مسافة في هذا السياق وكنا نتابع ما شهده هذا البلد في الخمسينيات على المستوى الاقتصادي والتطور الحضاري ما جعل منه منارة في المنطقة وهذا كان يعكس مسارا استقلالياً ومسار تبلور الهوية اللبنانية على الرغم من انه لم يكن يخلو من التحديات والازمات، اذا اعتبرنا ان الحرب الأهلية كانت احدى المفاصل التي نقلت لبنان الى مرحلة جديدة ناتجة اما عن جوانب متصلة في بعدها بازمات داخلية وفي بعد اساسي بصراعات اقليمية محيطة بلبنان.
أما اليوم، يقول الأمين: “نعيش انكسار هذا الاستقلال وتراجعه، ليس لصالح بنى طائفية او مذهبية تشكل مجال الانتماء الوحيد للحراك السياسي اللبناني انما اصبح لبنان أكثر مرتبط في ولاءاته، بالولاءات الخارجية لمعظم المجموعات اللبنانية وهذا ما ساهم الى حد بعيد بعدم الانتقال الى مرحلة جديدة على مستوى اعادة تثبيت مشروع الدولة بانحياز عدد كبير من القوى السياسية ودفع البلد الى مسار مختلف”.
أمين سرّ الحزب التقدمي الاشتراكي ظافر ناصر، قال لـIMLebanon: “لسنا في استقلال حقيقي، لأن الاستقلال اصلا نسبي، في كل دول العالم، وليس فقط في لبنان، خصوصا ان الدول الصغيرة تتأثر بسياسات الدول الكبرى على المستويات الاقتصادية والسياسية وغيرها”.
واضاف: “لبنان لا يعيش الاستقلال الحقيقي، في وقت لبنان مجتمع مفتّت مشتت والمجموعات اللبنانية لا احد يستطيع ان ينفي ان لها ارتباطات خارجية ولا احد يستطيع ان ينكر وهذه الارتباطات تؤثر على القرار الوطني وعلى الاستقلال”.
كما لا احد يستطيع ان يدعي اننا نعيش في استقلال في ظل الوضع الاقتصادي والاجتماعي الذي يعيشه المواطن اللبناين، فكيف يمكن ان يكون هناك استقلال والمواطن اللبناني لا يشعر بقيمته الحقيقية. معاناة اقتصادية اجتماعية وغيرها.
وقال: “هذه المعايير غير قائمة لكي نقول إننا في استقلال حقيقي، لكن لا يلغي انه في لحظة من اللحظات استقلينا عن الانتداب الفرنسي، والاستقلال حقيقة موجودة ولا احد يستطيع نكرانها، وكان هناك نضال لهذا الامر قام به اللبنانيون ورجال الاستقلال. لكن هذا الاستقلال يحتاج لكل هذه المعايير التي تحدثت عنها لكي يكون منجزاً”.
حققت معركة الإستقلال ايجابيات كثيرة للبنانيين، فأصبح لبنان دولة مستقلة ذات سيادة، علم جديد، بنشيد وطني جديد. إدارة لبنانية واعدة ومؤسسات شرعية وسلاح واحد وجيش واحد هو الجيش اللبناني. السياسة تحررت، العسكر تحرر، والاقتصاد تحرر بليرته، وطغى منطق الدولة. هذا، كلّه نفقتده اليوم، فمتى يتحقق الاستقلال الحقيقي؟