Site icon IMLebanon

قنابل شيعية تنفجر في وجه إيران

كتبت د. باهرة الشيخلي في صحيفة “العرب” اللندنية:

رغم أن النفوذ الإيراني تراجع داخل الوسط الشيعي العراقي، في تغير جذري لاتجاهات الشارع العراقي، الذي تحول إلى رفع شعارات احتجاجية ضد هيمنة نظام الولي الفقيه على العراق، كما أظهرت ذلك نتائج استطلاعات رأي حديثة نشرتها صحيفة واشنطن بوست الأميركية، إلا أن ثوابت ذلك النفوذ مازالت قائمة طبقا للواقع.

النفوذ المادي الذي تمثله اختراقات الحدود اليومية مستمر، ومظلة حماية الأحزاب الدينية لم ترفع، كما يمكن تلمس أن العملية السياسية مرتهنة للقرار الإيراني، ولم يتسنَّ ترشيح الرئاسات الثلاث إلا بعد موافقة طهران عبر سفيرها في بغداد، والميليشيات مازالت تصول وتجول مدعومة من طهران ومنفذة لأجندتها، فضلا عن أنه يمكن ملاحظة اتساع رقعة النفوذ الإيراني من خلال الأعداد الهائلة من المؤسسات والشركات وأغطيتها ومراكز الاستخبارات، واستخبارات الحشد الشعبي بقيادة “اطلاعات الإيرانية” وسيطرتها المعلوماتية على العراق بالتمام.

من ذلك يتبين أن لا مؤشر واحدا على تقلص النفوذ الإيراني في العراق، لكن صوت الرأي العام هو الذي أصبح مسموعا في رفض الهيمنة الإيرانية، ولا سيما في مناطق البصرة والجنوب، وهو رفض شديد وصريح بعد أن كان معتما عليه بشدة، وهذا الرفض الشعبي يتصاعد مقابل التوسع الحكومي.

وحسب الرئيس التنفيذي لمركز المستقلة للأبحاث في بغداد منقذ داغر، فإنه “في حين يتعامل العديد من المحللين مع النفوذ الإيراني على أنه إحدى الحقائق الطبيعية، فإن أدلة مستقاة من استطلاع جديد للرأي العام تظهر أن شهر العسل الإيراني مع الشيعة العراقيين يتلاشى بسرعة”.

ويمكن تلمس تغييرات جذرية حقيقية في موقف الشيعة العراقيين، من خلال نتائج الدراسات الاستقصائية الأخيرة للصحيفة الأميركية نفسها كشفت عن انخفاض نسبة الشيعة العراقيين الذين لديهم مواقف موالية لإيران من 88 في المئة سنة 2015 إلى 47 في المئة في خريف عام 2018، وخلال المدة نفسها ارتفعت نسبة من لديهم مواقف مناهضة تجاه إيران من 6 في المئة إلى 51 في المئة مما يعني أن غالبية الشيعة العراقيين لديهم الآن مواقف سلبية تجاه إيران.

يحمّل الشيعة العراقيون بعد احتلال بلدهم، إيران مسؤولية بؤسهم على المستوى السياسي، فقد كانت إيران الداعم الرئيسي لجميع الحكومات التي تشكلت منذ 2006، والتي تسيطر عليها الأحزاب الشيعية المدعومة من إيران بصفة كاملة، وقد فشلت تلك الحكومات في توفير مستوى معيشة لائق بهم، بنحو عام، وبالمناطق الشيعية على وجه الخصوص، وقد بدأ تذمر شيعة العراق من النفوذ الإيراني مبكرا لكن الحكومات المدعومة من إيران وميليشياتها المسلحة ورجال الدين المرتبطين بإيران نجحوا في التعتيم على هذا التذمر، حتى تفجرت احتجاجات جنوب العراق ذي الغالبية الشيعية، وبلغت حد إحراق القنصلية الإيرانية في البصرة ومهاجمة مظاهر هذا النفوذ في كربلاء والنجف وبقية المدن، وقد شاهد العالم كيف مزق الشيعة صور الخميني وخامنئي والرموز الإيرانية، واستهدفوا مقرات الأحزاب والميليشيات المرتبطة بإيران في تلك المدن، وكانت احتجاجات الشيعة من القوة بحيث فشلت كل محاولات التعتيم عليها.

واستشعر شيعة العراق أن إيران تؤذي اقتصاد بلدهم وأن هذا الأذى بات يؤثر على حياتهم اليومية، فقد استخدمت العراق سبيلا لتجاوز العقوبات الاقتصادية، التي أعادت واشنطن فرضها على طهران، وأغرقت الأسواق العراقية ببضائعها، خاصة في المناطق الشيعية القريبة من الحدود بين البلدين، وهي منتجات رخيصة ورديئة، حتى بات العراقيون يصفون بلدهم بأنه أصبح مكب نفايات لإيران، ما أثر سلبا على الاقتصاد المحلي، وتسبب في تدمير المشروعات الإنتاجية العراقية الصغيرة والمتوسطة في مجالي الزراعة والصناعة، وتوقف أكبر مجمع للبتروكيماويات في البصرة، وامتناع أصحاب الآلاف من مزارع الطماطم في البصرة والنجف، عن الإنتاج بسبب هذه المنافسة غير المشروعة.

وكان الضرر الذي لحق بالعراق جراء قطع إيران تدفق الأنهار التي توفر المياه النظيفة للعراق، قد أدى إلى نقص كبير في المياه الصالحة للشرب في جنوب البلاد الذي يغلب عليه الشيعة، وفجر احتجاجات شيعية وعراقية واسعة ضد إيران والحكومات المرتبطة بها.

إيران فشلت في ترسيخ نفوذها الذي يتآكل الآن في العراق بفعل وعي العراقيين، وسياستها وممارساتها في العراق التي أنتجت قنابل شيعية عراقية انفجرت في وجهها، وهناك أخرى ستنفجر نتيجة تردي حياة العراقيين وسوء معيشتهم بعد تدمير الصناعة والزراعة العراقيتين لصالح ضخ المنتجات الزراعية والصناعية الإيرانية الرديئة، ونتيجة سرقات السياسيين التي أفرغت خزينة العراق، والأهم من ذلك شعور العراقيين أن كرامة بلدهم وسيادته وقراره قد صادرتها إيران.