كتبت صحيفة “الراي” الكويتية: يحيي لبنان اليوم الذكرى 75 لاستقلاله باحتفالٍ عسكري مركزي في وسط بيروت وبحفل استقبال في القصر الجمهوري، على وهج تحوُّل البلاد الى ما يشبه «جمهورية خواء» في ظلّ تَعاظُم أزمة تشكيل الحكومة الجديدة والانكشاف على خطر انهيار مالي – اقتصادي واستفحال مَظاهر الفساد والاهتراء والعجز عن تسيير أبسط شؤون المواطنين.
وفيما تترقّب الأوساط السياسية ما ستشهده احتفالات الاستقلال من مشاورات جانبية بين رؤساء الجمهورية العماد ميشال عون والبرلمان نبيه بري والمكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري، فإن من المستبعَد أن تفضي هذه المشاورات الى أي خرْق من شأنها الإفراج عن الحكومة التي باتت أسيرةَ شرط «حزب الله» توزير أحد النواب السنّة الموالين له.
وفي رأي الأوساط السياسية أن «عقدة حزب الله» تضخّمتْ وأصبحتْ أكثر استعصاءً بعد ملامح «الانقلاب الناعم» الذي قام به فريق عون عبر الوزير جبران باسيل بالانتقال في «الخندق الواحد» مع الحريري في رفْض مبررات توزير سنّة 8 مارس والإصرار على رئيس حكومة قوي، الى مماشاة «حزب الله» في تأكيد أحقية تمثيل هؤلاء (ولو عبر شخصية قريبة منهم) ورمي «كرة النار» في أحضان الرئيس المكلف عبر «الارتداد» على مبدأ المبادلة الذي كان اتُفق عليه مع عون على قاعدة ان يسمي الأخير من حصته وزيراً سنياً مقابل تسمية الحريري وزيراً مسيحياً من حصّته.
وفيما لم يكن ممْكناً قراءةُ خطوة فريق عون إلا على أنها تعني ترْك الحريري لـ «يقلّع شوك» هذه العقدة وحيداً بعد «سَحْب» رئيس الجمهورية نفسه من أي دور في الحلّ وحصْر المَخْرج الوحيد بحصة الرئيس المكلف، فإن هذا التحول في مجريات التشكيل بات كأنه يُراد منه وضْع الحريري أمام 3 خيارات أحلاها مُر: فإما الصمود على رفْضه التسليم لـ«حزب الله» بـ«الشراكة» في عملية التأليف كما في الحصة السنية مع ما قد يستتبعه من تحميله من قبل فريق 8 مارس مسؤولية تداعيات اي انهيار محتمل، وإما القبول بشروط الحزب في محاولة لاحتواء الأضرار عبر التجرُّع الهادئ لهذه «الكأس» مع ما سيترتب على ذلك من أثمان لهذا التنازل ولا سيما في زمن العين الحمراء الأميركية على «حزب الله»، وإما اللجوء الى قلْب الطاولة بالاعتذار وهو الأمر الذي ربما يريده «حزب الله» ومن شأنه فتْح الباب أمام دخول البلاد في المجهول في لحظة المقايضات الكبرى في المنطقة.
وترى الأوساط السياسية ان الحريري الذي لم يكن مرتاحاً لما انتهتْ اليه حركة باسيل والذي يتعرّض لضغوط لاستقبال «مجموعة الستة» الموالين لـ«حزب الله» في سياق الدفع لـ«الاعتراف» بهم كـ«كيان سياسي»، ما زال يملك في يده أوراقاً ثمينة، تبدأ من كونه «رئيس بقبعتين» حكومة تصريف الأعمال والرئيس المكلف، ولا تنتهي بخياراتٍ ودائماً تحت سقف بقائه في موقعه من شأنها إعادة الكرة الى ملعب الآخرين انطلاقاً من «ثابتته» بأنه أنجز تشكيلته ولم يعد ينقصها سوى أسماء وزراء «حزب الله».
وفيما كانت الأنظار شاخصة أمس على الكلمة المسائية التي وجّهها عون الى اللبنانيين لمناسبة اليوبيل الماسي للاستقلال والتي سبقها كلام لباسيل أكد فيه «ان هناك اتفاقاً مع الأطراف المعنيّة على صحة التمثيل ومعيار التأليف ومستمرون بجهدنا ونترك وقتاً لهذه الأطراف وبقدر ما هي مستعجلة بقدر ما تُشكل الحكومة بسرعة وخصوصاً أن ثمة حلولاً عدة»، حمل حفل إزاحة الستارة عن النصب التذكاري في وزارة الدفاع بحضور رؤساء الجمهورية والبرلمان والحكومة المكلف إشاراتٍ أطلقها قائد الجيش العماد جوزف عون الذي أعلن «صحيح أن الاستقلال جاء تتويجاً لملاحم تاريخية امتدت عبر أجيال متعاقبة، إلا أن الاهم يبقى واجبنا في استكمال السيادة، في معارك قد يكون بعضها سلمياً وبعضها الآخر دموياً، ليتجسد الاستقلال واقعاً».
وتوجه إلى رئيس الجمهورية بالقول: «على عاتق عهدكم مسؤوليات جسام ملقاة، ليس أقلّها استكمال المهمات الوطنية. فمسيرة وطننا بكل تعقيداتها أثمرت دولة، مع كل الضغوط التي عرفتها، نجحت في بلورة نموذج مجتمعي متطور»، مضيفاً: «وجب علينا أن نحمي المكاسب وأن نرتقي بها، على رأسها الدولة بمؤسساتها، باعتبارها الضامن الوحيد لاستمرارية المجتمع وتماسكه، وأمنه الذي نجحت القوى العسكرية والأمنية في إرسائه».