كتبت صحيفة “الراي” الكويتية: … «مسكّرة» (مُقْفَلَة). عبارة تختصر واقع أزمة تشكيل الحكومة الجديدة في لبنان التي دخلتْ أمس شهرها السابع من دون أي آفاقٍ تشي بوجود «طرف خيْط» يمهّد لتفكيك عقدة إصرار «حزب الله» على توزير النواب السنّة الموالين له.
وفي غمرة اشتداد لعبة «عض الأصابع» على تخوم هذه العقدة وسط «الصراخ» التحذيري من المَخاطر المالية – الاقتصادية المتعاظمة ومن ترْك البلاد مكشوفة سياسياً في ظلّ المرحلة الخطيرة إقليمياً، بدا أن «الصندوق الأسْود» لـ«لغم» سنّة 8 آذار ينطوي على «بنْك أهداف» يصعب تحديد أي منها هو الذي يتحكّم فعلياً بـ«دفّة» التعقيد الحكومي.
فمن رغبة «حزب الله» في قطْع الطريق على «تَفَرُّد» فريق رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بالحصول على الثلث المعطّل في الحكومة العتيدة، إلى ما يشاع عن سعيه الضمني لإحراج الرئيس المكلّف سعد الحريري لإخراجه… ومما اعتُبر محاولةً من الحزب لتكريس «دفرسوار» في الطائفة السنية والتحوّل شريكاً في تأليف الحكومة، إلى التلميح بأن الأزمة الحكومية ستتضخّم لتصبح أزمة نظام تضع الطائف وتوازناته على المحكّ… ومن خلفياتٍ ترتبط بحسابات الانتخابات الرئاسية المقبلة في لبنان، الى خفايا خارجية تنطوي على قرارٍ باستمرار تعليق الوضع اللبناني بانتظار لحظةِ المقايضات الكبرى في المنطقة… كل ذلك يحْضر في قراءة المشهد اللبناني «المُقْفَل» وفي محاولةِ فَهْمِ «موجبات» دفْعه الى «الحائط المسدود» الذي بدأ يستدرج تقديراتٍ بأنه سيكون من الصعب إحداث كوة فيه قبل السنة الجديدة وربما حتى الربيع المقبل.
وكان لافتاً أمس أن عون كرّس النأي بنفسه عن حلّ عقدة توزير السنّة الموالين لـ«حزب الله» بكلامه الذي اعترف فيه بأن أزمة تأليف الحكومة «لم تعد صغيرة لأنها كبرت»، مستحضراً بإزائها حكم سليمان الحكيم «يوم أتت اليه امرأتان مع طفل وكل منهما تدّعي أنها أمه. وبعد جهد جهيد، قال إنه سيحكم بالعدل بينهما بأن يتم تقطيع الطفل الى قطعتين لكّل واحدة قطعة. فصرخت إحداهما: لا تقتله بل أعطِه كلّه الى الأخرى، فعرف سليمان عندها مَن هي الأم الحقيقية. ونحن اليوم نريد ان نعرف مَن هي أم لبنان كي نعطيها لبنان».
وجاء كلام عون بعد أيام من طرْح رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل مفوَّضاً من رئيس الجمهورية مَخْرجاً لعقدة سنّة 8 آذار رمى كرتها عملياً في ملعب الحريري عبر التراجُع عن عملية المبادَلة التي كانت قائمة بين عون والرئيس المكلف بوزيريْن سني (لعون) ومسيحي (للحريري)، وهي الخطوة التي اعتُبرت «حمايةً للثلث المعطّل» بوجه مساعي حلّ هذه العقدة من كيس عون عبر «وزير وديعة» يريده «حزب الله»، وسط ربْطِ بعض الأوساط دعوة باسيل لوضع لوحة تجسّد ذكرى انسحاب الجيش السوري من لبنان (ابريل 2005) في منطقة نهر الكلب بالرغبة في توجيه «رسائل» لحلفاء في الداخل والخارج.
واذا كان تَحرُّك «التيار الحر» لـ«تخليد» انسحاب الجيش السوري على وقع استعادة نواب منه خطاب «جيش الاحتلال» السوري قوبل باستياء معلن ومكتوم من النظام السوري وباستغراب من أوساط «حزب الله»، فإن زعيم «تيار المردة» سليمان فرنجية ذهب لاعتبار ان إصرار باسيل على الثلث المعطّل في الحكومة هو «للتأكد من قدرته على إمساك الحكومة في حال حصول أي تطوّر، وهل تستأهل معركة الرئاسة توتير البلد منذ الآن؟».
وفي موازاة ذلك، وعلى وقع ثبات الحريري عند رفْضه توزير أي من سنّة 8 آذار مباشرةً أو تمثيلهم من حصته أو استقبالهم كمجموعة، دفاعاً عن موقع رئاسة الحكومة وصلاحياتها مع رئاسة الجمهورية في تأليف الحكومة كما تفادياً لتقديم اي صورة تُظهره خاضعاً لـ«دفتر شروط» حزب الله، كان بارزاً ما نقلتْه صحيفة «اللواء» عن مصادر مطلعة بأن قوى 8 اذار مررت للحريري رسالة واضحة مفادها ضرورة الاستعجال في تأليف الحكومة «وإلا الاعتذار والبديل جاهز»، وأن «هذه القوى بدأت الحديث جدياً عن إعادة النظر بالطائف».
وفيما كان رئيس البرلمان نبيه بري يكشف عما أبلغه الى عون والحريري على هامش احتفالات الاستقلال من أن «البلد على شفير ان يتداعى لو استمر الحال على ما هو»، تفاعل ما نقله بعض الزوار اللبنانيين عن وزير خارجية الفاتيكان بول غالاغر من أن الفاتيكان يريد ان يرى حكومة في لبنان متوجّهاً اليهم «الى اين أنتم ذاهبون بلبنان، وضعكم لا تُحسدون عليه، انتبِهوا، يجب ان تنظّموا أنفسكم وبلدكم كي تستطيعوا مواجهة الكمّ الكبير من التحدّيات التي تنتظركم، والكرسي الرسولي سيبقى داعماً للبنان، لكنّه بالتأكيد لا يملك عصا سحرية».
ولم يتأخرّ زعيم «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط في تلقُّف كلام غالاغر معلناً في تغريدة «(…) بعيداً عن الاعتبارات المحلية الضيقة فإن التسوية ضرورية أياً كانت مرارتها تفادياً للانهيار».