كتبت كارولين عاكوم في صحيفة “الشرق الأوسط”:
بدأت مواقف المسؤولين في «حزب الله» تتخذ منذ أيام منحى تصعيدياً تجاه رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، على خلفية تمثيل نواب «سُنة 8 آذار» في الحكومة، وتحميله شخصياً مسؤولية حل هذه العقدة. وهو ما طرح علامة استفهام حول الهدف من هذا التوجه والحدود التي قد يصل إليها في ظل الحديث عن بدء فريق «8 آذار» البحث عن بديل للحريري، وعما إذا كان الأخير في وارد الاعتذار بعدما كان قد استبعد هذا الأمر قائلاً: «لماذا أعتذر إن كنت سأعود، وما حصل في عام 2009 كانت ظروفه مختلفة»، في إشارة إلى سقوط حكومته آنذاك بعد استقالة وزراء «8 آذار» وحلفائهم منها.
لكنّ توجّه الطرفين حتى الآن لا يوحي بأي تغيرات في «الستاتيكو» الحالي ما لم يحصل ما لم يكن في الحسبان، وهو ما يشير إلى أن الأمور لا تزال ضمن معركة شدّ حبال عبر ممارسة الضغوط المتبادلة وبالتالي بقاء الحريري رئيساً مكلّفاً غير قادر على التأليف. إذ تؤكد مصادر مطّلعة على موقف «حزب الله» أنه لا بديل بالنسبة إليه عن الحريري في رئاسة الحكومة لكنّه في الوقت عينه يتمسّك بتمثيل حلفائه السنة، في حين تجد مصادر الحريري في هذا الموقف «الرأي ونقيضه»، سائلة: «لماذا إذن يضعون العقد أمام مهمته؟». وتقول المصادر لـ«الشرق الأوسط»: «(حزب الله) يحاول عبر هذا الأمر تطويع الحريري وفرض شروطه عليه»، وتضع المعلومات المتداولة عن بدء البحث عن بديل في خانة الضغط عليه، وهو ما يرفضه «تيار المستقبل» ورئيسه، مضيفة: «إذا كان لديهم البديل فليأتوا به». وتؤكد مصادر الحريري أنه «لن ينصاع للضغوط ومتمسّك بصلاحياته في تأليف الحكومة وبموقفه الرافض لتمثيل (سُنة 8 آذار)، وهي العقدة الورقة التي لعبوها بعدما كانت الحكومة قاب قوسين من التشكيل».
في المقابل، ترمي المصادر المطلعة على موقف «حزب الله» مسؤولية التهديد بالبحث عن بديل، على ما وصفتهم بـ«الآخرين» وليس «حزب الله». وتشدد في تصريح لـ«الشرق الأوسط» على أن «التسوية التي توصل إليها الأطراف عام 2016 وأدّت إلى انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة بعلم ورضا الحزب ومن ثم إجراء الانتخابات النيابية، لا تزال قائمة ومعمولاً بها، والبحث عن بديل للحريري غير مطروح إطلاقاً، وكل ما يتم تداوله حول هذا الموضوع هي شائعات مصدرها آخرون في محاولة للضغط، وفي ظل إدراك الجميع أنه في حال اعتذر لن يكون من السّهل إيجاد البديل أو تشكيل حكومة».
وأبرز ما جاء في تسوية عام 2016 هو بقاء الحريري على رأس الحكومة وعدم استبعاد «حزب الله» عن طاولة مجلس الوزراء عبر «ربط نزاع» يشمل أيضاً تحييد قرارات المحكمة الدولية الخاصة باغتيال رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري عن القضايا اللبنانية الداخلية.
وكشفت المصادر أن المعاون السياسي للأمين العام لـ«حزب الله» حسين خليل، قال للحريري، خلال آخر لقاء بينهما: «موقفنا لم يتغيّر، ومستمرون في دعمك لأن الناس تريدك، وأنت الحاصل على تكليف من قبل 112 نائباً، لكنّنا في الوقت عينه نطالب بتمثيل حلفائنا وفق ما أفرزته الانتخابات النيابية».
وتنفي المصادر القول: إن «الحزب بموقفه هذا لا يريد استقالة الحريري لأنه لا بديل عنه في الوقت الحالي لكنّه يريده ضعيفاً»، بالقول: «رئيس الحكومة لم ولن يكون ضعيفاً، وقوته في صلاحياته التي منحه إياها الدستور، و(حزب الله) حريص على تشكيل الحكومة، لكنّ الحريري الذي قَبِل توزير شخصية محسوبة على رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي وأخرى محسوبة على الوزير السابق محمد الصفدي لا يريد أن يمنح وزيراً للقاء التشاوري لأنّ نوابه حلفاء لـ(حزب الله) وللنظام السوري».
وذكّرت المصادر بموقف أمين عام «حزب الله» الأخير الذي ترك نافذة مفتوحة عبر إعلانه وقوف الحزب خلف قرار النواب السُّنة الذين طلبوا موعداً للقاء الحريري ولن يحصلوا على رد بالقول: «فليتم اللقاء ومحاولة تخفيف المواقف المتشنّجة، وهي أمور قد تؤدي إلى تذليل عقبات تشكيل الحكومة».
وما سبق أن أعلنه الحريري وقالته مصادره، جدّد تأكيده أمس عضو المكتب السياسي لتيار «المستقبل» مصطفى علوش بالقول: إن «الدستور يعطي الحق لرئيس الحكومة المكلف أن يشكل الحكومة أو أن يعتذر، ولا يوجد بديل عن الحريري ولا حتى بالتهديد، والحلّ الوحيد للأزمة الحكومية يكون بين الرئيس ميشال عون و(حزب الله) بالاتفاق على شخصية سنّية توافقية بينهما».
وأضاف علوش في حديث تلفزيوني: «لا نقول إنه لا يوجد بديل عن الحريري، وإذا كان هناك بديل فليتم طرحه، والحريري لن يرد على هذا الكلام». وذكّر بما سبق للحريري أن أعلنه بأنه لن يعود إلى التأليف في حال اعتذر عن تشكيل الحكومة. وسأل: «هل فقط الحريري وتيار المستقبل مسؤولان عن هذا الوضع؟»، مؤكداً: «لا يمكن تحميله المسؤولية وفي نفس الوقت تقييد حركته».