Site icon IMLebanon

هل يلتقط الرئيس المكلَّف المبادرة…أم ماذا؟

كتبت صحيفة “اللواء”:

في خلوة الدقائق القليلة (بين 10 و15 دقيقة) التي عقدت بين الرؤساء ميشال عون ونبيه برّي وسعد الحريري، خرج رئيس المجلس مذهولاً، كانت الصدمة المدّوية: على مَنْ تقرأ مزاميرك يا داوود… اقترح الرجل الإقدام على مبادرة: إذ لا يجوز ان يبقى البلد معلقاً على مذبح وزير من هنا، أو وزير من هناك.

لا أدري ما إذا كان اقترح شيئاً، أم اكتفى بمخاطبة الرئيس المكلف، على مسمع الرئيس الذي كلفه بناء على استشارات ملزمة (112 نائباً)، علَّ أحداً من الرئيسين ينبس بنت شفة.. وجوم وجوم في مجلس الثلاثة. انتهت الخلوة لم يضرب الرجل أخماسه بأسداسه. تأمل ملياً بماذا يجيب على أسئلة الصحافيين، إذا سئل، وهو لطالما اعتبر ملاذ الصحافيين (من مندوبات ومندوبين) الباحثين عن خبر.. فكيف إذا كان هو مصدره؟!

سعفته كالعادة، سرعة البديهة، التي يتمتع بها، فإذا «بالخلوة الصامتة» تعبّر عن المشهد.. لم يكن من الممكن فهم الوصف كفاية، فالعبارة أقرب إلى المجاز، لكنها، بنظر مطلقها تعبّر عن حقيقة ما حدث..

بدا الغيظ، على الرئيس المكلف، وهو يجيب على أسئلة المندوبين في قصر بعبدا… على الرغم من الابتسامة التي لا تفارقه.. «ما بدّي أقلكم أيمتى الحكومة.. لو فقعتوا؟!».

ابتعد سيّد بعبدا عن الكلام المباح.. وحده وزيره المفوض، علّت الابتسامة وجنتيه الصغيرتين، المكسوتين بشعر أسود يخالطه بياض (في إشارة إلى تجاوزه سن الأربعين).. وهو يردّد في الاجتماعات الحزبية (باعتباره رئيساً لحزب هو التيار الوطني الحر) أو العامة من الشخصيات، التي تعتبر، في ما تعتبر انه مالك «كلمة السر»، والقادر على «تدوير الزوايا»، بعدما أبعد «صاحب الأرانب».. بقي «الرجل الأول» في الجمهورية على تفاؤله، بقرب تأليف الحكومة، وبرئاسة الرئيس الحريري.. وبتمثيل قوى 8 آذار من السُنَّة المحسوبين على «حزب الله» والذين دعمهم في الانتخابات النيابية.

في اليوم التالي، ابتعد الرجل عن المشهد.. كادت كل خطوط الاتصال تتعطل، ليس بقوة الرياح والعواصف المطرية، أو القطبية، العابرة للمسافات من البحر الأسود إلى تركيا، فجبال لبنان وسواحله، بل بقوة الأزمة، المستحكمة.. الرئيس المكلف أودع حكومته قصر بعبدا، وحده  حزب الله لم يسم وزراءه، أو لم يسلم الرئيس المكلف أسماء وزرائه، وحذت حذوه حركة «أمل»، التي أقصي رئيسها، وهو رئيس المجلس، عن الدور، الذي يتحسر عليه، عندما كانت تسند إليه «أدوار البطولة» في فكفكة عقد الحكومات.. وإخراج الأرانب، ذات الألوان العابرة للطوائف، ولو بحياكة طائفية (توزير فيصل كرامي مثلاً من حصة الشيعة).

قبل تكليف الرئيس الحريري تأليف الحكومة (حكومة العهد الأولى)، كانت احجار «الداما»  أو الدومينو، ركبت، من قبل المهندس البتروني بحسابات مارونية – مسيحية، كل الحصة المسيحية (موارنة، ارثوذكس، كاثوليك، أرمن، أقليات) يعينها الجسم الحزبي المسيحي، لا سيما المسيحي القوي (رئيس الجمهورية وتياره). بات بإمكان جبران باسيل أن يلعب على ساحة 15 وزيراً، تنافسه على الساحة القوات اللبنانية، وتيار المردة.. (والكل يعلم كيف انتهت المنافسة).

وضع المربعات، جعل فريق التيار القوي، يمد يده إلى المربعات الأخرى، لا سيما المربع الدرزي، وزير لحزب الأمير طلال أرسلان (هو شخصياً أو من يسميه رئيس الجمهورية) (10+1) وزيراً للفريق القوي، أي الثلث المعطلّ..

أدرك الفريق الشيعي، ان «ضرب الشطارة» الذي أنجزه في الانتخابات (27 نائباً من أصل 27 نائباً شيعياً من حصة الثنائي مناصفة)، انقلب إليه، فمهما كبر عدده ووزنه وعدد نوابه، فحصته لا تتعدّى الـ6 وزراء (وأيضاً مناصفة بين فريقي الثنائي).

راح الثنائي يخبط «خبط عشواء» في محاولة لإعادة عقارب الساعة «الباسيلية» إلى الوراء.. فاخترع قصة «النواب السُنَّة الستة»، وراح يطالب بوزير منهم، أو هم يسمونه، ومن حصة الرئيس المكلف، على طريقة (6-1=5) + 4 قوات = 9، فلا يحصل على الثلث 30/3=10.

بدت اللعبة مفاجئة للوزير السيّد جبران.. فإذا هي عُقدة سُنّية – شيعية، وهي أمّ العُقد.. حتى إذا ما حصلت المراجعة مع أمين عام حزب الله السيّد حسن نصر الله، اذعن «وزير الخارجية والمغتربين» وتبنى حقّ النواب الستة، الذين أصبحوا «لقاء تشاورياً» بالحصول على وزير (ومن حصة السيّد رئيس الحكومة المكلَّف.. أليس كل طائفة أدرى بشعابها!).

بدأ «التوتر الصامت» يلّف العلاقة بين «ميرنا شالوحي» ووادي أبو جميل (بيت الوسط): لم تعد العُقدة السُنّية سنيّة – شيعية (خوفاً على ا لوحدة الوطنية والاسلامية)، بل أصبحت وطنية.. وحده «السيد الوزير» و«معالي رئيس التيار، ومعالي رئيس تكتل لبنان القوي» (بالإذن من دولة نائب رئيس المجلس) من يحسن التسميات والتوصيفات.. ويقترح المخارج..

سقطت ورقة التوت الأخيرة: عودة السُنّي إلى السُنّي وعودة المسيحي إلى المسيحي.. أي إنهاء المقايضة بين الرئيسين (غطاس خوري في حصة الرئيس الحريري، وفادي عسلي في حصة الرئيس عون).

كيف السبيل للخروج من الأزمة التي «كبرت» (بتعبير رئيس الجمهورية)؟

دفع الكلام المنسوب إلى وزير خارجية الفاتيكان غلاغر، وبحضور الحبر الأعظم، وبعيداً عن الاعتبارات المحلية الضيقة، إلى السير بالتسوية، التي هي ضرورية أيّا كانت مرارتها تفادياً للإنهيار..

أي انهيار هو هذا؟

يجيب الأستاذ علي حسن خليل (باعتباره كان مرشحاً لرئاسة حركة «امل» في المؤتمر الحركي الماضي) وباعتباره وزير المال في حكومة تصريف الأعمال، وفي كل الحكومات المقبلة، ان «لا صحة على الإطلاق عن عدم دفع رواتب المتقاعدين، والوزارة ملتزمة وقادرة على تأمين مستحقاتهم، وهذا حق محفوظ بموجب القوانين ولا مسّ به». اذاً لا انهيار اقتصادياً؟

ولكن ماذا، هل انهيار جغرافي، كياني، سياسي؟ معلومات توطين السوريين حيث هم، وعدم التشجيع الفاتيكاني على عودتهم إلى بلادهم.. قد تكون علامة الانهيار الجنبلاطي..

لذا، والعلم عند الله وحده، سبحانه، ان تكون مقاربة الرئيس عون، حول «أُم الصبي» في مجلس سليمان الحكيم (وهو باني الهيكل لليهود في القدس، باعتباره أهم حادثة في ملحمة اليهود). وهو الذي (أي سليمان) قتل جميع منافسيه في الملك ليستريح من متاعبهم، وتكلم بثلاثة آلاف مثل (وبلغ عدد زوجاته 700 زوجة وسراريه 300)، تعني مقدمة لخطوة ذات صلة «بالسلام اللبناني» أو «بالحرب الباردة اللبنانية»، وسط معلومات عن تحوّلات في صراع المنطقة، تعيد حلب العائدة إلى حضن النظام إلى بؤرة التوتر، وتجعل من «الدببة الروسية» والثيران الأميركية، تستعد للمنازلة الكبرى، على أرض الشام..

وتتخوف الدوائر الدبلوماسية من وضع لبنان، على سكة التوتر: مع إشارات الفاتيكان، ومخاوف رئيس الجمهورية.. وإرشادات بيك المختارة.. فهل يلتقط الرئيس المكلَّف المبادرة أم ماذا…؟!