أشار وزير الأشغال العامة والنقل في حكومة تصريف الأعمال يوسف فنيانوس ندوة، وقال في مداخلته إلى أننا “نعيش في مجتمع مزقته وشرذمته سنوات طويلة من الحروب، تبقى الزراعة وعالم الريف الرئة المنعشة التي من خلالها يستعيد المجتمع اللبناني مستقبله وازدهاره ويحافظ على أصالته”.
وأضاف، في مؤتمر مشروع الليطاني المنسوب 800م: “بالنظر إلى ضعف إنتاجية الأراضي البعلية تبذل الحكومات المتعاقبة جهدها لتأمين المياه لري أكبر مساحة ممكنة من الأراضي الزراعية. علما أن الحل المثالي على المستوى الوطني يقضي بري كامل مساحة الأراضي الزراعية أي 360 ألف هكتار، ولكنه حلم مستحيل التحقيق لأن كمية المياه المتوفرة لدينا حاليا أو التي يمكن أن تتوفر في المستقبل ليست كافية لري هذه المساحة من الأراضي”.
وتابع: “من هنا يمكن القول ان لمشاريع الري دورا أساسيا في مستقبل لبنان وذلك لأسباب اقتصادية وانمائية واجتماعية وبيئية وامتداد عمراني، ويجب إعطاؤها الأهمية التي تستحق ووضعها في المرتبة المناسبة ضمن الخطة الإنمائية التي نتحدث عنها ونحلم بوضعها منذ نصف قرن ولا نزال من دون إحراز تقدم يذكر”.
وأردف: “إننا نتحدث عن هذه المشاريع منذ الستينات من القرن الماضي، وكان بعضها قد وصل في حينه إلى مرحلة متقدمة، ويعتبر مشروع الري على المنسوب 800 لري لبنان الجنوبي من سد (القرعون) من أهم تلك المشاريع على الإطلاق، إلا أن الأعمال الهندسية من دراسة وإعداد ملفات تلزيم وتنفيذ الأشغال هي المرحلة الأسهل في المشروع، بينما نرى بأن الأعمال المكملة والضرورية لنجاح المشروع والأصعب لم تتقدم بالسرعة اللازمة”.
وأشار إلى أن “تسويق الإنتاج الزراعي يشكل حلقة أساسية في إنجاح مشروع الري وهو يحتاج على الأخص إلى: دراسة فنية معمقة لمعرفة أنواع النباتات المناسبة في ضوء مناخ المنطقة ونوع التربة، دراسة إمكانية تصريف الإنتاج في ضوء الحاجات المحلية وحاجات الأسواق الخارجية المتاحة، دراسة اقتصادية للعائدية القابلة للربح بدلا من اعتماد زراعات تحتاج إلى الدعم المالي كزراعة التبغ أو زراعة الشمندر السكري ثم وضع نتائج هذه الدراسات واستنتاجها بتصرف المزارعين لتمكينهم من اختيار أنواع الزراعات المناسبة”.
وأضاف: “لقد خسر لبنان حتى الآن ما يزيد عن 20 ألف هكتار من الأراضي الزراعية الجيدة استعملت للبناء نتيجة امتداد العمران خاصة في المنطقة الساحلية. علما بأن هذه الخسارة هي بازدياد مستمر وقد بدأت بالامتداد إلى مناطق جديدة كالبقاع الأوسط والكورة والقسم الجنوبي من سهل عكار”.
وتابع: “لا يجوز إستمرار التوجه الحالي لأسباب منها: إن ثلثي مساحة لبنان هي غير مزروعة وغير قابلة للزراعة فعليا ويمكن تأمين حاجات القطاعات الأخرى غير الزراعة كالسكن والصناعة والسياحة في الأراضي غير القابلة للزراعة والتي تزيد مساحتها كثيرا عن حاجات الوقت الحاضر والمستقبل المنظور والبعيد. كما تقوم الدولة بواسطة المشروع الأخضر باستصلاح أراض وتتكبد تكاليف باهظة لتحويلها إلى أرض زراعية تبقى أدنى مستوى من الأرض الزراعية الجيدة الحالية التي تستعمل للبناء. فليس من المنطق أن يتلف لبنان الأراضي الزراعية الموجودة الجيدة والمروية ثم يدفع التكاليف الباهظة لاستطلاع أراض جديدة لتوسيع الرقعة الزراعية في أراض كانت وستبقى دون مستوى الأرض الزراعية المتلفة فهذا هدر للمال الوطني ويؤدي فعليا إلى خفض الطاقة الإنتاجية الإجمالية للبلاد”.
ولفت إلى أن “المحافظة على الأرض الزراعية هي ضرورة وطنية لأسباب عديدة منها: إن لبنان فقير بالأرض الزراعية، كما إن الإنتاج الزراعي يشكل جزءا من الدخل الوطني ويشكل عامل استقرار في البيئة الاقتصادية الوطنية على الرغم من انخفاض نسبة اليد العاملة التي تعمل في الزراعة، ومن انخفاض نسبة الدخل الزراعي إلى الدخل القومي”، مشددا على أن “الاحتفاظ بالأرض الزراعية خالية من البناء هي سياسة دون مخاطر، لأن تحويل وجهة استعمال الأرض الزراعية وتخصيصها لغايات أخرى غير الزراعة في المستقبل هو عمل سهل وممكن في أي وقت، بينما العكس هو الصعب إذا لم يكن مستحيلا، فليس من الممكن هدم الأبنية وتحويل موقعها إلى أرض زراعية مجددا. لذلك، فإن المحافظة على الأرض الزراعية في الوقت الحاضر وتوجيه البناء إلى الأراضي غير الصالحة للزراعة هو بمثابة الاحتفاظ باحتياطي من الأرض يمكن استعماله للبناء في أي وقت عند الحاجة في المستقبل”.
وأكد أن “ترشيد استعمال الأراضي يفرض على الدولة استعمال وسائل تصنيف تلك الأراضي بغية استثمارها بطريقة لا تتعارض مع طبيعتها وذلك لتفادي خسارتها. وبموجب الفصل الثالث من الخطة الشاملة لترتيب الأراضي اللبنانية، فالأراضي اللبنانية محصورة ومضغوطة جدا: 39% منها فقط تقع على ارتفاع أقل من 800م و35% هي على ارتفاع فوق 1200م والساحل اللبناني لا يتعدى طوله 250 كلم. فلا بد أن تقود ندرة الأراضي هذه إلى تنظيم استعمالها بهدف عدم تبديد الأراضي المؤهلة لاستعمال معين عبر استعمالها لغرض مغاير لهذه المؤهلات”.
وشدد على أن “الأراضي الزراعية هي من بين تلك الأكثر خصوبة في الشرق الوسط. وبالإضافة إلى ذلك، فهي تقدم تنوعا كبيرا في المواقع والاتجاهات (مناخ، ارتفاع، منطقة ساحلية وداخلية) وهذا ما يتيح زراعة أنواع متعددة من المزروعات فيها”، مؤكدا أن “أفضل الأراضي تشكل رأسمالا وطنيا يجب عدم تبديده”.
وأضاف: “علينا وضع أنظمة من قبل المديرية العامة للتنظيم المدني لحماية الثروة الزراعية الوطنية واتخاذ إجراءات جريئة تخولها تطبيق الخطة الشاملة للحفاظ على الأراضي الزراعية في الجنوب اللبناني، وذلك بالتنسيق مع مصالح المياه التي تقوم بالإشراف لمشاريع الري قيد التنفيذ والصيانة والتشغيل فيما بعد لتلك المشاريع واتخاذ التدابير الاحتياطية لتجنيب الأراضي المستفيدة من هذه المشاريع من أي استعمال غير زراعي وبالتالي تأمين ديمومة الاستثمارات الكبيرة التي تخصص لها”.