كتبت صحيفة “الأخبار”: منذ عام 2016، ربط الإعلام الغربي بين حزب الله ومجموعة لبنانيين موقوفين في فرنسا اتُّهموا بتبييض أموال المخدرات. القضاء الفرنسي أكّد براءة الحزب، إذ لم يأتِ على ذكر أي صلة للموقوفين به. السلطات الأميركية التي زوّدت الفرنسيين بالمعلومات التي أدت إلى توقيف اللبنانيين تعتمد هذا الأسلوب كسياسة عامة: الإكثار من الاتهامات الجنائية لحزب الله، وإلحاقها بحملات إعلامية… وعندما يصدر الحكم النهائي، لن يتذكّر أحد أن الحزب بريء من التهمة الأميركية.
أصدرت محكمة فرنسية أمس حكماً بالسجن على ثلاثة لبنانيين متهمين بتبييض الأموال، بين أوروبا ولبنان. وإضافة إليهم، حكم القضاء الفرنسي على لبنانيين آخرين، بأحكام راوحت بين البراءة أو السجن مع وقف التنفيذ، فضلاً عن حكم غيابي بالسجن على لبنانيّين، في القضية نفسها. هذا الملف الذي خرج إلى العلن منذ كانون الثاني 2016، بدأ بناءً على معلومات مصدرها أجهزة الاستخبارات الأميركية. فالأخيرة أوقفت في ولاية فلوريدا شاباً لبنانياً – أميركياً، يُدعى محمد ع، واتهمته بالعمل لحساب كارتيل كوكايين في كولومبيا، وبأنه على صلة بحزب الله اللبناني. لم تقدّم السلطات الأميركية أي دليل على أن الموقوف يعمل لحساب الحزب، لكن ذلك لم يُسقط الادعاء. وبعد قضائه أقل من 18 شهراً في السجن، أفرِج عن محمد ع في ميامي، بعد عقده اتفاقاً سرياً مع الادعاء العام! وبطبيعة الحال، يتضمّن الاتفاق اعترافاً من محمد ع بالعمل لحساب حزب الله، كما لحساب تجار كوكايين كولومبيين في آن واحد.
في باريس، تابعت السلطات الفرنسية القضية. في كانون الثاني 2016، اوقِف أكثر من 10 أشخاص، معظمهم لبنانيون، في فرنسا وألمانيا، بتهمة جمع أموال مخدرات من أوروباً، وتحويلها إلى لبنان. واتُّهِم أبرز الموقوفين بأنه يعمل، بالواسطة، لحساب محمد ع الموقوف في فلوريدا الأميركية. دفع المتهمون ببراءتهم. أبرزهم، صرّاف لبناني يُدعى محمد ن، يعتمد نظام تحويل الأموال (المسمّى «الحوالة») الذي نشأ في لبنان منذ الحرب العالمية الثانية، لنقل العملة الصعبة بعيداً عن المصارف وسبل التحويل «الشرعية». وتشنّ الولايات المتحدة الأميركية حملة على هذا النظام وتعتبره وسيلة من وسائل التبييض. لكن الصرّاف أكّد أنه لم يكن ينقل أموال مخدرات.
أما الموقوف الثاني، علي ز، فهو تاجر ساعات كان يشتري بضاعته من أوروبا، ويرسلها إلى لبنان، وكان يصرّح للسلطات عن الأموال التي ينقلها من بيروت إلى أوروبا، سواء عبر تحويلات مصرفية، أو نقداً. وقد أقنعه الصراف بتسلّم أموال منه في أوروبا، على أن يردها له في لبنان، «لأن هذه الوسيلة أكثر أمناً من نقل المبالغ النقدية، وأقل كلفة من التحويلات المصرفية». لكن ما قام به عدّته السلطات الفرنسية تبييضاً للأموال. الموقوفان، مع الآخرين في ما سمّاه القضاء الفرنسي «شبكة»، أكدوا أنهم لم يتعاملوا يوماً بأموال المخدرات. وأحد الأدلة التي ساقوها خلال التحقيقات معهم، أن الصراف تولى في مرات كثيرة، بواسط علي ز، إيصال مبالغ نقدية إلى فهد الحريري، وإلى أحد وكلائه القانونيين، في باريس، وكان يقبض الأموال منه في بيروت، عبر شيكات مسحوبة على مصارف كبرى. ولا بد من الإشارة إلى أن القضاء الفرنسي لم يستدعِ فهد الحريري ومحاميه إلى التحقيق.
عملية مراقبة المتهمين دامت طوال عام 2015، وشملت تسجيل جميع مكالماتهم الهاتفية. وسمّت الشرطة العملية التي أدّت إلى توقيفهم «عملية الأرز»، ولم يتمكّن القضاء الفرنسي من إظهار أي دليل جدي على أن الأموال التي كانوا ينقلونها متأتية من الاتجار بالمخدرات، فاعتمد على المعلومات التي قدّمتها أجهزة الاستخبارات الأميركية، وفيها أن لبنانياً (لم يجرِ توقيفه في أوروبا بسبب وجوده في لبنان) كان على صلة بالصراف، وبمحمد ع الموقوف السابق في الولايات المتحدة. وبعد توقيف اللبنانيين في فرنسا وألمانيا، انطلقت حملة إعلامية واسعة تربط الموقوفين بحزب الله وبالاتجار بالمخدرات، حتى صار هذا الأمر يُعد كمسلّمة لا نقاش فيها. رغم ذلك، فإن التحقيقات الفرنسية، بكافة مستوياتها (الشرطة، الادعاء العام، قاضي التحقيق، والمحاكمة)، لم تُثبت أي علاقة للموقوفين بالحزب. ولهذا السبب، خلت مطالعة النيابة العامة والقرار الاتهامي من أي ربط للمتهمين بحزب الله أو بأفراد ينتمون إليه. كذلك صدر الحكم أمس، خالياً من أي ذكر للحزب. وقضت محكمة باريسية بسجن محمد ن. 7 سنوات (سبق أن أوقِف لنحو سنتين)، وعلي ز. 5 سنوات (أوقف نحو 21 شهراً)، وحسن ط. خمس سنوات (أوقف لنحو سنتين)، وبتبرئة آخرين أو الاكتفاء بمدة توقيفهم.