كتبت ناتالي اقليموس في صحيفة “الجمهورية”:
ألف و500 طالب هو المعدّلُ السنويّ للطلاب الذين يستفيدون من مجموعة المِنح المدرسية والجامعية المتنوعة التي تقدمها السفارة الأميركية ضمن إطار التبادل الثقافي للراغبين بالدراسة في الولايات المتحدة عموماً، وللمتفوّقين في المرحلة الثانوية في المدارس الرسمية اللبنانية خصوصاً، والموهوبين في جامعاتهم والتوّاقين لنيلِ الشهاداتِ العليا. تتنوّع أسماءُ برامج المِنح بحسب المرحلة التعليمية من Yes program، إلى MEPI وUSAID، إلّا أنّ الغاية واحدة وهي اكتسابُ خبرة جديدة تؤمّن المسيرة الأكاديمية وتعزّز النسيج الاجتماعي المدني، الاقتصادي والثقافي بين لبنان والولايات المتحدة.
لحظاتٌ مؤثرة عاشها الطلاب وهم يتبادلون شهاداتِهم حول تأثير المنح التعليمية، التي قدّمتها لهم السفارة الأميركية في لبنان، على تطورهم الشخصي والمهني. شبانٌ وشابات تسنّت لهم الدراسةُ في الولايات المتحدة، وعادوا إلى لبنان لمواصلة مسيرتهم الأكاديمية ومنهم لتنفيذ مشاريعهم ومبادراتهم الخاصة بدعم من السفارة.
بلهفة وحماسة اجتمعوا يناقشون ما اكتسبوه في الفترة التي أمضوها بعيداً من كنف عائلاتهم وأصدقائهم وبيئتهم، بصراحة متناهية توقفوا عند نجاحاتهم وإخفاقاتهم، معلنين عن هواجسهم وأحلامهم المستقبلية. أما السؤال الأكبر الذي شغل تفكيرهم: «هل ستُساعدُنا الظروف في وطننا على تنفيذ كلّ ما نحلم به؟».
من بعلبك البداية
تروي الشابة ناتالي نصر الدين من بعلبك تجربتها الأولى في السفر إلى الولايات المتحدة حين كانت في الـ 15، وتقول: «بينما كنتُ أواصل دراستي في إحدى المدارس الخاصة في منطقة بعلبك وضعتِ الإدارةُ بين أيدينا كتيّباً عن المنح والفرص التعليمية التي تقدمها السفارة، تشجّعنا شقيقتي التوأم وأنا لملء الاستمارة الخاصة بمشروع YES program بتشجيع من والدتنا، وبعد مدة تبلّغنا قبولنا، فسافرت شقيقتي إلى ولاية انديانا، أما أنا فإلى هواي، مع الإشارة إلى أنّ الظروف كانت صعبة نتيجة اعتداء إسرائيل على لبنان في العام 2006».
وتضيف: «كنتُ قد شاركتُ في الامتحانات الرسمية للشهادة المتوسطة في لبنان وبعدها أخذتُ المنحة، وهي عبارة عن سنة دراسية في الولايات المتحدة، فسافرتُ وسكنتُ في ضيافة عائلة أميركية مدة 10 أشهر، كنتُ أتعلّم قبل الظهر وأشارك بأعمالٍ تطوّعية عصراً، فاكتسبتُ ثقةً بالنفس واستقلاليةً ذاتية. ويا لها من تجربة غنيّة في فترة قياسية».
وتتابع: «بعد انتهاء المنحة عدت وأكملت المرحلة التعليمية الثانوية، هنا لا أنكر أنني وجدت صعوبة في الرياضيات والعلوم لاختلاف البرامج الدراسية، ولكن بجهد شخصيّ، تمكنتُ من إنهاء المرحلة وفي بالي فكرة، كيف يمكن الاستفادة من منحة ثانية؟ لذا بقيت متنبّهة لتلقّف أيّ فرصة أو رسالة إلكترونية قد تصلني حاملةً فرصة العمر».
تعتبر نصر الدين نفسَها محظوظة لأنها تقدّمت لمنحة ثانية في المرحلة الجامعية، فتروي: «تمكنتُ من التقدّم لمنحةٍ ثانية قدّمتها السفارة، وهي ضمن مشروع MEPI tomorrow’s leaders، فسافرت إلى الجامعة الأميركية في القاهرة ودرست علوم الأحياء، وخلال دراستي أمضيتُ فصلاً في الولايات المتحدة نظراً إلى أنّ الفرصة متاحة للتبادل الثقافي. وعندما أنجزتُ دراستي عدت إلى لبنان واستفدت من منحة ثالثة Fullbright، ومرةً جديدة سافرت إلى الولايات المتحدة لمتابعة الدراسات العليا حول بحث في الأمراض السرطانية، وفي النهاية عدت إلى لبنان وانتسبت إلى شبكة الخرّيجين وهي تضمّ الذين درسوا في الولايات المتحدة، وهذا الانتساب وجدته ضرورياً لأنه يجمع شبّاناً وشابات عاشوا التجارب نفسها وبوسعهم التعاون فيما بينهم لجهة إعداد المشاريع التطويرية للبنان».
لم تعد نصر الدين إلى وطنها بيدها شهادة جامعية فقط إنما محمّلة بمشاريع وأحلام تطويرية، فتخبرنا: «أواصل دراستي حالياً في لبنان لنيل الدكتوراه، ومن بين المشاريع التي قمت بها خدمةً لمجتمعي، أنني أسّستُ جمعية عمرها 3 سنوات خاصة بالكشف المبكر لسرطان الثدي عند السيدات تحت الأربعين».
ومن نصر الدين رسالة إلى الطلاب: «لا تفوّتوا أيّ فرصة تتيح لكم تحقيقَ طموحاتكم وأحلامكم، تكفي زيارة موقع السفارة أو متابعة صفحتها على الفيس بوك أو الاستفادة من المنشورات التي تُرسل إلى مجموعة كبيرة من المدارس الرسمية والخاصة للإعلان عن المنح الجديدة، فالحظ قد يحالف أيّاً منكم».
قاعدة ذهبية
«ثقافة التشجيع والثقة بالنفس أساس الحياة»، خلاصةٌ وصل إليها الشاب محمد علي كلاسينا إبنُ طرابلس بعدما استفاد من برنامج Yes program، فيقول: «سافرت وأنا في الـ 15 من عمري، لم أكن بعد إعتدتُ على تحمّل مسؤولية نفسي ولا حتى ترتيب أصغر أموري أي السرير يوم تقدّمت من المنحة، ولم أعتقد لوهلة أنني قد أسافرُ بحثاً عن العلم».
يتابع والتأثر يغلب محيّاه: «تمّ قبولي وسافرت ولم أجد نفسي إلّا منخرطاً في المجتمع الأميركي المنظّم والذي يمنح الطالب أعلى درجات التشجيع والثقة بالنفس، فرغم أنني كنتُ أُنهي دراستي عند الثانية بعد الظهر إلّا أنني ما كنتُ أعود إلى المنزل قبل السادسة مساءً كوني منخرطاً في نوادٍ ثقافية وأعمالٍ تطوعية، فكنت أقصد دور العجزة للمساعدة وكذلك مراكزَ للأيتام، إضافةً إلى مشاركتي في إعداد الطعام للمحتاجين».
ولكن يضيف «المؤسف أنني في لبنان كنت أعيش وسط الدوامة نفسها، من المدرسة إلى المنزل لأدرس وأعود في اليوم التالي إلى المدرسة، فالوقت ضاغط والدروس كثيفة، لا شكّ أنّ هذا النمط يرهق نفسيّة التلميذ، لذا عندما سافرت رأيت الحياة من منظار آخر وأنّ بوسعي تحقيق أمور كثيرة لأخدم فيها مجتمعي».
محمد كغيره من الطلاب الذين استفادوا من منح السفارة، والذين يشددون على أهمية الجمع بين النهج التربوي والمشارَكة المدنية، وأنّ قضية التعلّم ليست حصراً على ما في الكتب المدرسية، هناك الكثير من الأمور يمكن إكتسابُها خارج جدران الصف عبر القيام بأنشطة تنمّي الإنسان وتخدم المجتمع. وأكثر ما أثّر في نفوس الطلاب على اختلاف تجاربهم وتنوّعها هو رسائل الشكر والدعم التي كانوا يتلقّونها من الرئيس الأميركي تقديراً لجهودهم في العمل التطوّعي، متأسّفين في الوقت نفسه لغياب سياسة تحفيز الشباب في لبنان ودعمهم، ورغم ذلك، في أنفسهم قناعة راسخة: «نعم بمقدورنا تغيير العالم».