كتبت صحيفة “العرب” اللندنية: تزامنا مع رفع السلطات العراقية لحالة التأهب لخوض معارك جديدة ضد مقاتلي تنظيم داعش في محافظة نينوى وفي غرب البلاد بالمناطق الحدودية مع سوريا، عاد الحديث بقوة عن تواصل مسلسل داعش الذي لم ينته على أرض الواقع رغم تكبّده خسائر كبرى انطلاقا من عام 2016 في العراق أو في سوريا.
وعلى وقع التحذيرات التي أطلقها مؤخرا رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي، بإفصاحه عن وجود نشاط متزايد لتنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي في محافظة نينوى، تعدّدت الروايات والتحليلات لأسباب تواصل مخاطر داعش في منطقة الشام.
ويرى خبراء أمنيون وعسكريون أن هذه التحذيرات الجديدة على ضوء تحركات مقاتلي التنظيم توحي بوجود محاولات جديدة لإعادة بث الروح في التنظيم الإرهابي الذي خسر المعركة ميدانيا في العراق وسوريا.
كما دفعت هذه التطورات إلى تحذير البعض من أن يتمكن التنظيم المتطرف من خلق جيل جديد قد يتمكن من إعادة خلط الأوراق أو كسب النفوذ في بعض المناطق على الحدود السورية العراقية خصوصا في ظل الاتهامات الموجهة إلى الولايات المتحدة الأميركية وتركيا، بأنهما لا تريدان الآن استئصال الإرهاب من المنطقة تنفيذا لخطط واستراتيجيات هدفها إبقاء وضع الفوضى الذي تستفيدان منه.
وتعاني المنطقة بالتوازي مع كل هذه التطورات من تمدّد نفوذ إيران وأذرعها في عدة بلدان على رأسها العراق وسوريا، ورغم أن طهران تريد منذ العام 2016 الظهور في موقف المحارب القوي لتنظيم داعش في العراق على وجه الخصوص بدعمها ميليشيات الحشد الشعبي، إلا أن العديد من المحللين يعتقدون أنها تستفيد من بقائه أكثر من القضاء عليه في ظل تضييق الخناق عليها دوليا وإقليميا في منطقة الشرق الأوسط. ومن بين الأسباب الأخرى لتواصل وجود داعش، يعتبر مراقبون أن المقاربات العسكرية والهجومات والغارات الجوية لن تكون قادرة لوحدها على كسر شوكة التنظيم المتطرف بصفة كلية في وقت يعاني فيه أبناء سوريا والعراق من أوضاع اقتصادية واجتماعية خانقة قد تكون منطلقا لإعادة تجنيد الشباب ضمن داعش الباحث عن شكل جديد وجيل جديد من المقاتلين.
وفي سوريا، يدافع تنظيم الدولة الإسلامية بشراسة عن آخر جيب تحت سيطرته في شرق البلاد، بمواجهة عملية عسكرية تشنها قوات سوريا الديمقراطية بدعم من التحالف الدولي في المنطقة منذ أكثر من شهرين.
وسيتطلب حسم المعركة، وفق المحللين، وقتا طويلا لأسباب عدة يبقى أبرزها تمرّس الجهاديين في القتال واستماتتهم في الدفاع عن آخر معاقلهم بعد انحسار نفوذهم.
ويتحصّن في الجيب الواقع في ريف دير الزور الشرقي بمحاذاة الحدود العراقية نحو ألفي مقاتل من تنظيم الدولة الإسلامية، بحسب التحالف الدولي، وتعد هجين والسوسة والشعفة من أبرز بلداته. ويرجح أن يكون العدد الأكبر من مقاتلي التنظيم من الأجانب والعرب وبينهم، بحسب قوات سوريا الديمقراطية، قيادات من الصف الأول.
وكان المتحدث باسم التحالف الدولي ضد داعش، شون ريان، قد قال في وقت سابق إن اثنين من أبرز قادة التنظيم قد يكونان في المنطقة رغم أن “العديدين منهم فروا”.
ويقول الباحث نيكولاس هيراس، من مركز الأمن الأميركي الجديد (سنتر فور إيه نيو أميركان سيكيوريتي)، “هناك جيش صغير من مئات المقاتلين الذين جمعهم التنظيم، بمن فيهم أفضل قناصته”.
ويقاتل عناصر التنظيم بشراسة للدفاع عن هذا الجيب الذي تحاصره قوات سوريا الديمقراطية منذ أشهر، وتستهدفه غارات التحالف الدولي، بوصفه آخر معاقله على الضفاف الشرقية لنهر الفرات.
وتلقى التنظيم المتطرف خلال العامين الماضيين هزائم متلاحقة في سوريا، ولم يعد يسيطر سوى على جيوب محدودة في أقصى محافظة دير الزور وفي البادية السورية شرق حمص.
ويربط الخبير في شؤون الجهاديين بمعهد الجامعة الأوروبية تور هامينغ، صمود مقاتلي داعش في هذا الجيب بكون العديد “من المقاتلين الذين يحاربون مع التنظيم منذ سنوات عدة لديهم خبرة في هذا النوع من الحروب في منطقة صحراوية”.
ويدرك عناصر داعش، وفق هامينغ، أنهم عاجلا أم آجلا سيُقتلون أو سيعتقلون ويُلقى بهم في السجون، ما يفسر التزامهم القتال حتى آخر رمق.
ويعتمد التنظيم، وفق ما يشرح مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبدالرحمن، في القتال على “قوات النخبة، بالإضافة إلى الخلايا النائمة المنتشرة بكثرة” في محيطه لصدّ تقدم قوات سوريا الديمقراطية.
ويقول عبدالرحمن “ليس لدى هؤلاء ما يخسرونه”. ويتفوق التنظيم، وفق المرصد ومحللين، بمعرفته لطبيعة المنطقة الجغرافية أكثر من القوات المهاجمة.
ويشرح هامينغ أن مقاتلي التنظيم “يعرفون المنطقة جيدا لكونهم ينشطون فيها منذ أكثر من خمس سنوات”، موضحا أنها “عبارة عن خليط من صحراء وبلدات صغيرة ما يجعل من الصعب جدا عزلها” مقارنة مع مدن أخرى مثل الرقة، معقل التنظيم سابقا في سوريا، حيث كان من السهل جدا محاصرة مقاتليه.
ويُجمع المحللون على أن حسم قوات سوريا الديمقراطية المعركة ضد الجهاديين لن يكون سهلا، خصوصا مع استغلال التنظيم للظروف المناخية السيئة في مثل هذه الفترة من السنة لشن هجمات مضادة، مستفيدا من عدم قدرة طائرات التحالف الدولي على توجيه ضربات مساندة للعمليات البرية.
ويعدّد المتحدث الرسمي باسم قوات سوريا الديمقراطية كينو غابريال صعوبات عدة تؤخر حسم المعركة، أبرزها إلى جانب سوء الأحوال الجوية، والتكتيكات التي يستخدمها تنظيم الدولة الإسلامية والدفاعات المختلفة التي أنشأها والتي تؤثر على سير العمليات الهجومية.
ويضيف “يخوض داعش قتالا قاسيا وشرسا في محاولة منه للخلاص من حالة الحصار”، لافتا إلى استعماله “جميع أنواع الأسلحة والسيارات المفخخة، والمدنيين كدروع بشرية”.
ويؤكد غابريال أن قواته “تستخدم كل قدراتها من وحدات خاصة وأسلحة ثقيلة” وتعتمد هذه القوات، وفق هيراس، على “مقاتلين عرب من القبائل لشن الهجمات ضد التنظيم الذي حوّل تلك المنطقة إلى مصيدة للموت”، مشيرا إلى أن مقاتلي قوات سوريا الديمقراطية يدركون ذلك جيدا.
ويوضح “المقاتلون المحليون يريدون الاستفادة من علاقتهم بقوات سوريا الديمقراطية، لا أن يموتوا من أجلها”، ما يجعل القتال “بطيئا ومضنيا ويسبب ضغوطا لقوات سوريا الديمقراطية”.
ويبدو التحالف الدولي رغم العراقيل والصعوبات واثقا من قدرته على إنهاء تواجد تنظيم الدولة الإسلامية في المنطقة، بعد خسارة الأخير لغالبية موارده وأسلحته والهزائم الكبيرة التي لحقت به خلال السنوات الثلاث الماضية.
وقال نائب قائد قوات التحالف الدولي اللواء كريستوفر غيكا في بيان للتحالف “التنظيم خسر معظم موارده المالية التي كان يعتمد عليها سابقا لتوسيع نفوذه، وهو يعتمد حاليا على العبوات الناسفة وتجمعات المغاور للاحتفاظ بتأثير متهالك”.