كتبت ليا القزي في صحيفة “الأخبار”:
يحصل داخل التيار الوطني الحرّ تضارب في الصلاحيات بين مجالس الأقضية «المُنتخبة»، ما تعتبره «امتيازاً» لها، وبالتالي يمنحها «شرعية» حزبية، وبين هيئات الأقضية التي تتسلّح بتعيينها من قبل القيادة الحزبية، لتقول إنّ «الأمر لي»
يُعرّف النظام الداخلي للتيار الوطني الحر هيئات الأقضية، المُعيّنة من قبل قيادة الحزب، بأنّها «الأداة التنفيذية» للتيار داخل نطاقها الجغرافي، ومن مهامها مُتابعة التنفيذ العملي للقرارات المتخذة، وتمثيل «التيار» في القضاء وإدارة شؤونه التنظيمية، واقتراح إنشاء المجموعات في منطقتها الجغرافية. أما مجالس الأقضية، التي يُنتخب خمسة من أعضائها ويضم كلّ منها 4 ممثلين عن كل هيئة قضاء، فدورها سياسي يتعلّق بتحقيق الأهداف السياسية والتنموية والعلاقات العامة لـ«التيار» في القضاء. كما أنّ التعديل على النظام الداخلي، الذي أُقرّ في شباط الماضي، أعطى «المجالس» صلاحية متابعة الانتخابات البلدية واتحادات البلديات، وإعداد دراسات المشاريع الشاملة لحاجات القضاء والسعي لتنفيذها مع الإدارات المحلية، والتواصل مع كافة الأحزاب والقوى السياسية والمدنية والمرجعيات الروحية في القضاء. أما الأبرز، فهو «مراقبة عمل هيئة القضاء والهيئات المحلية واقتراح الحلول لتفعيل العمل والإنتاجية، وتقديم الشكوى إلى الرئيس بحق هيئة القضاء في حال مخالفتها أحد بنود النظام الداخلي أو الأصول المتبعة». ولكن لا يبدو أنّ النصّ واضح بالنسبة إلى الهيئات والمجالس في الأقضية، ما أدّى إلى اندلاع معركة حول الصلاحيات، لا سيّما في الأقضية التي وُظّفت انتخابات «المجالس» فيها، من قبل عددٍ من الحزبيين، للردّ على قرار القيادة تعيين منسقين من دون أن تأخذ برأيهم. الاشتباك مُستمر. أعضاء مجالس الأقضية «يُعايرون» هيئات الأقضية بأنّها مُعينة، وبالتالي «المُنتخب يملك حصانة حزبية ـــ شعبية، ويملك صلاحيات مُتقدمة على غيره، ودوراً في تعيين المنسقين والاهتمام بموضوع الخدمات والإنماء ومراقبة الهيئة»، بحسب أحد أعضاء مجالس الأقضية.
تبرز هذه الخلافات بشكل أساسي في أقضية جبيل والكورة والشوف، «حيث كان ثمة معارضة وموالاة في تعيين منسقي الهيئات، وجيء بأشخاص ينتمون إلى محاور، عوض الركون إلى تعيينات مقبولة من الجميع». الخلافات لم تُحلّ، وبقي يحكم بينهما منطق «غالب ومغلوب». اعتُبرت انتخابات مجالس الأقضية «ردّ اعتبار» لمن أراد أن يُثبت أنّه موجود في وجه ما اعتبره «ظلم» القيادة له. كان من المفترض أن يُقفل «دفتر الحسابات» بعد نيل كلّ فريق غايته، ولكن العكس هو ما حصل. لا يزال هدف كلّ واحد من الفريقين إثبات أنّه صاحب القرار، والقبض على القرار الحزبي. الخطأ لا يقع فقط على «المجالس» و«الهيئات». فبين سطور النظام الحزبي يكمن شيطان كبير، يسمح باستمرار شدّ الحبال هذا. يُخبر النظام عن تعيين هيئات أقضية، بصلاحيات تنفيذية، ثمّ يذكر في الفقرة التالية وجود مجلس قضاء يُراقب عمل الهيئات، وهو الذي يضمّ أصلاً ممثلين عنها. كما أنّ صلاحياته تتعدّى الإطار السياسي، ليُصبح واضعاً أيضاً لدراسات عن حاجات القضاء والتنسيق مع البلديات. المُفترض أن يُتابع هذه المسائل مسؤولو البلديات والخدمات والعلاقات العامة، الذين هم ممثلو هيئات الأقضية داخل «المجالس». عملياً، يُكبّل النظام الداخلي عمل هيئات الأقضية، ويحصره في تعيين الهيئات المحلية والانتسابات الحزبية وتنظيم النشاطات الحزبية الضيقة. ولكن، يُصرّ رؤساء هيئات الأقضية على أنّهم «مُعيّنون من قبل رئيس الحزب، الذي منحنا الصلاحيات». ويُضيفون أنّ الهيئات «هي التي تُمثّل الحزب في منطقة ما، وتُعتبر مجلس الوزراء في القضاء. يقولون إنّنا مُعينون ولسنا مُنتخبين، ولكن هل مجلس الوزراء في الدولة مُنتخب؟ أليس هو مُمثّل الدولة؟ فضلاً عن أنّنا جرّبنا الانتخابات قبل التعديل، وتبيّن أنّ عدم وصول فريق مُتجانس يُكبّل العمل ويُعطّله».
كلّ هذه التفسيرات المتناقضة والتضارب في الصلاحيات، سيوضع على طاولة البحث في 15 كانون الأول، خلال الخلوة التي يُنظّمها التيار الوطني الحرّ. دُعيت إلى هذه الخلوة مجالس وهيئات الأقضية، المجلس الوطني، اللجان المركزية، ولجنة الرقابة المالية. مسؤولون في مجالس وهيئات الأقضية يقولون إنّ الهدف من الخلوة وضع النصوص التطبيقية للنظام الداخلي وإصدار تعاميم من أجل تحديد صلاحيات كلّ فريق وانتظام العمل. إلا أنّ نائب رئيس «التيار» للشؤون الإدارية رومل صابر ينفي وجود تضارب في الصلاحيات أو خلافات داخل الأقضية، لأنّ «النظام الداخلي واضح». أما الخلوة، فالهدف منها وضع التقارير وخطة العمل من أجل المرحلة المقبلة وما هو المطلوب من كلّ مسؤول.