كتبت رلى موفّق في صحيفة “اللواء”:
مَن يقف وراء هجمة الوزير السابق وئام وهاب، حليف محور سوريا – إيران، على الرئيس سعد الحريري؟ هو السؤال الطبيعي راهناً الذي لا بدّ من بناء الحسابات على أساسه، ذلك أن الإيحاء بأن وهاب يُعبّر عن نفسه وأن أحداً لا يقود حملته من المقعد الخلفي ليس مقنعاً، ولا يكتسب أي صدقية، إذ للمكان خصوصيته ورمزيته. فقول وهاب من أمام باب نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم «إننا بحثنا في السيرة الذاتية للحريري ووجدنا أنه غير صالح لرئاسة الحكومة…»، يؤشر إلى عنوان المُرسِل كي لا يحصل التباس في فهم الرسالة ومصدرها.
لم يتوقف وهاب عند هذا الحد بل أكمل هجومه متجاوزاً كل السقوف السياسية والأخلاقيات إلى تناول الكرامات وكيفية استشهاد الرئيس رفيق الحريري، لكن الأخطر هو محاولة توريطه طائفة بعينها, إذ حين يريد الاعتذار عن «كلام في لحظة غضب» يردّه إلى شِيَم الدروز، ما يعني أنه يُعبّر أيضاً عنهم. وحين يعتذر الزعيم الدرزي وليد جنبلاط باسمه وباسم أبناء الجبل عن كلام وهاب بحق الحريري، يخرج ابن بلدة الجاهلية الشوفية ليعلن أن جنبلاط لا يستطيع أن يتحدث باسم أبناء الجبل!. فهل وهاب يتحدّث باسم أبناء الجبل؟ وإلى أي منزلق يريد أن يأخذهم في مغامرته السياسية التي يشكل فيها واجهة للاعب الأساسي؟
فما بدأه وهاب استكمله النائب في كتلة «حزب الله» وليد سكرية الذي ينتمي هو الآخر لبلدة الفاكهة البقاعية ذات الحضور السنيّ، حين اعتبر أن الحريري «يُحارب لنصرة المشروع الأميركي – الإسرائيلي في المنطقة»، فيما يخوض وزملاؤه من سنة 8 آذار، بعدما جرى تجميعهم في «اللقاء التشاوري»، معركة الجلوس إلى طاولة مجلس الوزراء إلى جانب رئيس الحكومية «العميل».
إنها المواجهة بالوكالة، التي يُديرها «حزب الله» من الخلف من أجل إبعاد سمة الصراع السنيّ – الشيعي وتحويلها إلى صراع سياسي ما دامت عدّة الشغل غير شيعية المذهب، لكنها في واقع الأمر عملية مكشوفة ببعدها, سواء الداخلي المرتبط بـ«حزب الله»، أو الخارجي المرتبط بما يعكسه هؤلاء من علاقات وامتدادات بالنظام السوري.
فحتى لو سعى منظرو «حزب الله» إلى الإيحاء بعدم قدرتهم على التأثير على وهاب المعروف بارتباطه بأركان نظام بشار الأسد، فإن «الحزب» على لسان أمينه العام السيد حسن نصرالله أعلن التصاقه وتبنّيه لنواب سنّة 8 آذار حتى قيام الساعة، ما يُعيد أي تحرّك لهؤلاء، ومن بينهم مَن هُم مرتبطون بـ«سرايا المقاومة»، إلى مرجعيتهم السياسية المتمثلة بحارة حريك.
القراءات تذهب إلى إدراج الحملات على الحريري في سياق محاولات الضغط عليه من أجل تقديم مزيد من التنازلات، ولكنها ليست على مستوى توزير سنيّ من حصته، إذ أن ما يريده «حزب الله» هو الوزير السني من حصة رئيس الجمهورية، أو مشاركته به بما يجعله وديعة على غرار وديعة الوزير الشيعي عدنان السيد حسين لدى رئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان. ما يريده «حزب الله» تنازلات على مستوى تغطية تحويل لبنان بكليته إلى حديقة خلفية للنظام الإيراني، حتى ولو كان البلد سيدفع الثمن.
الأكيد أن التزام مطار رفيق الحريري الدولي بالعقوبات الأميركية على إيران من خلال الامتناع عن تزويد الطائرات الإيرانية بالوقود لم يُعجب «حزب الله» الذي بدأ في الآونة الأخيرة التلميح إلى أهمية حدوث تحوّلات في العلاقة الاستراتيجية للبنان مع الخارج، داعياً مَن لا يعتبر أميركا عدواً أن لا يعتبرها صديقاً، ومطالباً أيضاً القوى السياسية اللبنانية ألا تنأى بنفسها لأن مصير لبنان يُصنع في ساحات المنطقة، في وقت بدأت فيه معركة العدّ التنازلي لنفوذ إيران في الدول التي اخترقتها بأجندة مذهبية وحوّلت جزءاً من نسيجها الاجتماعي إلى أذرع عسكرية لمشروعها.
على أن تساؤلات مُقلقة بدأت تتسرّب إلى أكثر من جهة سياسية عما إذا كانت السقوف المرتفعة من الحملات الكلامية، التي تشبه مرحلة ما قبل اغتيال الرئيس رفيق الحريري، تؤشر إلى أن لبنان أصبح على أبواب الدخول في حال من الفوضى الأمنية، بما يُعيد المخاوف من عودة الاغتيالات والتوترات الى الشارع، وتكرار «سيناريو 7 أيار» لجهة استخدام السلاح وسيلة لفرض شروط ومعادلات سياسية.
ورغم اعتبار بعض المراقبين أن الظروف التي أقدَمَ فيها «الثنائي حزب الله – أمل»، ومعهما حلفاء دمشق، على توجيه السلاح إلى الداخل اللبناني مختلفة اليوم، وليس في مقدور «حزب الله» ومحوره تنفيذ انقلاب أمني في البلاد وحمايته وحصد نتائجه في السياسة بالسرعة التي حصلت في العام 2008، فإن ثمة مخاوف مشروعة من أن تتسم المرحلة المقبلة بالقلاقل الأمنية والاضطرابات والفوضى الاجتماعية والمعيشية والدفع بالمؤسسات الخدماتية إلى مزيد من الاهتراء، بحيث ينطبق على لبنان «منطوق الدولة الفاشلة» بالترافق مع منع قيام الحكومة وإبقائها أسيرة التعطيل إلى حين تبلور مآل المواجهة الأميركية – الإيرانية التي ستشهد مزيداً من فصول التصعيد، لكنها ستنتهي في نهاية المطاف إلى تسوية سياسية، ستطال في جزء أساسي منها أذرع إيران العسكرية المطلوب خروجها من المشهد الإقليمي، وهو أمر لن يحصل من دون أثمان سياسية تُشكّل ضمانات لتلك الجماعات التي تشكل امتداداً لنفوذها، وفي مقدمها «حزب الله» ودوره في إدارة الحكم في البلاد، وما يفرضه ذلك من الحاجة إلى التوصل لاتفاق جديد سواء تُرجم تعديلات دستورية أو تكرّس أعرافاً جديدة في النظام اللبناني!.