كتبت رشيد درباس في صحيفة “الجمهورية”:
بعد الزيارة المهمة التي قام بها غبطة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي إلى الفاتيكان، مع الوفد المرافق، ومقابلة قداسة البابا، وتصريح أمين سرّ الدولة حول لبنان واللاجئين السوريين فيه، وبعد التعليقات المتضارِبة المصحوبة باللامبالاة، أو بالتحريض، أو بالعويل، وجدتُ من واجبي، أن أعيدَ الاعتبار في بضعة سطور، إلى واقعية القضية، وإلى الوسائل التي يمكن أن نستخدمَها من أجل وضع المسألة في إطار الحلول الممكنة والعملية، بدلاً من أن تكون ساحةً للتجاذب والاتّهامات، أو سبباً لليأس والإعلان يالفشل.
يجب التذكير أولاً، أنّ الحكومة اللبنانية، قد رسمت سياسة وطنية تجاه قضية اللاجئين السوريين، جرى إقرارُها بالإجماع في مجلس الوزراء في شهر حزيران من العام 2014، وتمّ العملُ بها فعلاً على أكثر من صعيد، فتوقف اللجوءُ نهائياً منذ الخامس من كانون الثاني 2015، وبدأنا ورشةً للتحقق من وضعية اللاجئين وتوفر شروط اللجوء، (جرى إيقاف البرنامج بعد ذلك) وجرى اعتبار كل سوري يذهب إلى سوريا، لأيّ سبب كان، فاقداً لصفة لاجئ، عملاً بميثاق جنيف.
وبعد ذلك اطلقت الخطة الوطنية للاستجابة لأزمة النزوح السوري L.C.R.P في 27/8/2014، بالاشتراك مع السيد بان كي مون امين عام الأمم المتحدة آنذاك، وتجدّدت الخطة عدة مرات، واشترك لبنان في المؤتمرات التي عُقدت تحت رعاية الامم المتحدة.
الآن، وقد وضعت الحرب السورية أوزارها- تقريباً – نلاحظ أنّ عمليات العودة أقرب إلى البرامج التلفزيونية منها إلى الحقيقة، لأننا لا نجد لدى الدولة السورية أيَّ خطة معلنة لاستعادة مواطنيها- وجلّهم من النساء والأطفال – كذلك لا نجد ورشة إقليمية أو دولية للاضطلاع بهذه المهمة، فيما يقتصر عملُ القوى السياسية اللبنانية على ضرب كفّ بكف أو على تبادل الاتّهامات.
حيال هذا، وجدت في كلام الفاتيكان، المحبّ للبنان، ولدوره كرسالة تفيض عن وطن، حثاً للدولة ومؤسساتها، وأحزابها السياسية لانتهاج سياسة عملية، تضع مسألة اللجوء في مصاف القضية الوطنية الكبيرة، وتُعْلَنُ من أجلها حال طوارئ سياسية تستنفر الطاقات، وتُسَخِرُ العلاقات، وتُلَوِّحُ بالعواقب، وشتان ما بين الحثّ وإثباط الهمم.
لقد كتبت منذ مدة مقالاً أشدتُ فيه بالمبادرة الروسية حول خطة للعودة، جرى بحثُها مع دولة رئيس مجلس الوزراء، واعتبرتها، يومها، فرصةً يجب ألّا تضيع.
والآن أعيد التأكيد على ضرورة تحقيق الأمور الآتية:
أولاً: عقد مؤتمر وطني برعاية رئيس الدولة لاستخلاص سياسة صارمة حيال هذا الموضوع، تشترك فيه القوى السياسية كلها.
ثانياً: الأخذ بعين الاعتبار، أنّ المناطق التي تسيطر عليها الدولة السورية قد أصبحت خالية من التوتر، وهذا يعني، أنّ عودة السوريين العزل، (ومعظهم من اطفال ونساء كما أشرت) يمكن أن تتمّ برعاية دولية أو روسية على أقل تقدير، خصوصاً وأنّ البوليس الحربي الروسي يتولّى الأمن في كثير من المناطق، فلماذا لا يحميها، بمظلّته الجوية الفعّالة؟!
ثالثاً: ترتيب عودة عدد كبير من الأخوة السوريين إلى المناطق التي تخضع لسيطرة التحالف الدولي، لأنّ 43% منهم، بحسب إحصاءات U.N.H.C.P، ينتمون لتلك المناطق.
رابعاً: تكليف شخصيات سياسية وثقافية وفنّية للقيام بجولات على الدول العربية ودول القرار.
خامساً: التأكيد على أنّ لبنان ليس مستودعاً ديمغرافياً، فهذا لا يليق به وبالضيوف، بل إنه كما أعلن الرئيس تمام سلام في مؤتمر القمة العربية في نواكشوط وطنٌ نهائيٌّ لأبنائه فقط.
سادساً: إنّ إهمال معالجة اللجوء، هو الحاضنة المثالية لانفجارٍ سكاني وإقليمي، لا تقف آثاره ضمن حدودنا، بل ستتعدّاها، براً وبحراً، إلى الجوار، وإلى ما بعد بعد الجوار.
وهذه نقطة لا بد من التركيز عليها، في حملتنا الوطنية التي أدعو إليها.