تحقيق رولان خاطر
من المعيب في دولة تفتخر بأن الاستقرار والأمن من اهم إنجازاتها، وبأجهزة أمنية تفتخر أنها ضبطت خلايا ارهابية “واعية” و”نائمة” وتتباهى باكتشاف عملاء اسرائيل في الداخل، من المعيب، أنّ هذه الدولة بكل قواها وقوتها و”أبّهتها”، تعجز عن كشف من سدّ مجرور الرملة البيضا ومن تسبّب بتلك “البهدلة”. من المعيب أن الموضوع لا زال موضوع جدل. وحرام ان “يُطمّش” هكذا عمل؟
مسار التحقيقات!
التحقيقات بالسيول التي أغرقت كورنيش الرملة البيضا قبل أسبوعين، بدأت مع المؤتمر الصحافي الذي عقده محافظ بيروت زياد شبيب على أثر المصيبة التي حلّت بالعاصمة، والذي سُميّ بالمؤتمر الذي سمّى المتورطين بأسمائهم، حيث حمّل المسؤولية إلى مشروع “ايدن باي”، ومجلس الانماء والاعمار، و3 مطاعم مختلفة.
آنذاك، أيّ في 18/11/2018 كلّف النائب العام لدى محكمة التمييز القاضي سمير حمود رئيس قسم المباحث الجنائية المركزية إجراء التحقيق الفوري في شأن إقدام أشخاص على سد المجارير في أماكن متعددة في العاصمة بيروت، وطلب الاستحصال على نسخة من المؤتمر الصحافي لمحافظ مدينة بيروت زياد شبيب، كما طلب من المحافظ تزويد التحقيق بنسخة عن التقرير الذي أعدته اللجنة الفنية في هذا الشأن والاستماع إلى معدي هذا التقرير، وإجراء كل الاستقصاءات لمعرفة هوية الأشخاص الذين أقدموا على هذا العمل الجرمي من أجل استدعائهم فوراً إلى التحقيق ومن ثم مخابرته بالنتيجة.
بعد أسبوعين، وفي خلال مشاركته في اجتماع لجنة الأشغال النيابية التي عقدت الاثنين 26/11/2018 لمعرفة المتسبب في فيضان مجرور الرملة البيضاء، طلب القاضي حمود إمهاله أسبوعين إضافيين لاستكمال التحقيقات.
في اليوم ذاته، أي الاثنين 26/11/2018، وبعد الجلسة نفسها، تحدث وزير الداخلية نهاد المشنوق عن ما سمّاه “اختلاط في التحقيقات ما يعرقل الوصول الى نتيجة في قضية فيضان مجارير بيروت”.
كلام غامض ومعقد، طرح الكثير من الأسئلة، هل سقطت التحقيقات سلفاً؟ وهل سيكون هناك من “راجح” في فضيحة مجارير الرملة البيضا؟
يقول مصدر أمني لـIMLebanon إن الحديث عن “اختلاط في التحقيقات” يعني أن الأمور ذاهبة إلى عدم المحاسبة، وأنه سيكون هناك تغطية على الفضيحة برمتها. وسأل: “هل هذه دولة أم ماذا؟ دولة بـ”امها وابيها” تحاول معرفة من المسؤول بقضية من سدّ المجرور؟ “حرام دولتنا ان تستهون بعقولنا”.
رئيس مجلس شورى الدولة السابق شكري صادر تحدث لـIMLebanon، فقال: “من الغريب جدا أن لا يتوقف الحديث حتى الآن عن فضيحة المجارير، وان التحقيق ما زال مستمرا، وكأن هناك عملية اغتيال طاولت جون كينيدي أو شخصية معينة لا سمح الله، مشيراً إلى أن هذا النوع من هذه التحقيقات سهل جداً، ومن السهل معرفة المتورطين فيه، خصوصاً أن من سدّوا المجرور بقيول لنحو 3 أشهر يقومون بفعلتهم. وسأل: “هل من المعقول انهم لم يعرفوا حتى الآن اين حصل سد المجرور؟ ومن سدّه؟ وبعلم من؟ وبتصرّف من”؟.
ورأى أن ما يحصل يحمل للتساؤل حول ما اذا كان هناك نية مبيّتة لنسيان الأمر على غرار ما حصل بمرسوم التجنيس، حيث توقف الحديث عن الموضوع من كل الأطراف من دون حتى معرفة ما آل اليه رأي “شورى الدولة”، معرباً عن أسفه لأن الأمور تتبخر في لبنان، وكأنه من غير المسموح ان يوجد احد لالقاء المسؤولية عليه، وهذا أمر مؤسف جداً لأنه أصبح من عاداتنا أن نرى المشكلة والسير بقربها من دون معالجتها ومحاسبة المسؤولين عنها.
الفضيحة الكبرى!
كشفت جلسة الأشغال النيابية التي عقدت يوم 26 حالي، معلومات مفادها بأن محافظ بيروت زياد شبيب ورئيس بلدية العاصمة جمال عيتاني كانا على علم بإقفال مالك منتجع “إيدن باي” مسرب الصرف الصحي الرئيسي بالباطون، وقد فتحت البلدية ثلاثة مسارب رديفة لم تستطع تحمل ضغط الأمطار والصرف الصحي. كما عُلم أن إقفال الريغار حصل بمؤازرة القوى الأمنية!
الجلسة التي رأسها رئيس لجنة الأشغال نزيه نجم، وحضرها وزير الداخلية نهاد المشنوق والمدعي العام سمير حمود ومحافظ بيروت زياد شبيب ورئيس بلديتها جمال عيتاني ورئيس بلدية الغبيري معن الخليل وممثلين عن قوى الامن الداخلي ومصلحة مياه بيروت وآخرين، كشفت عن فضيحة أخرى ترتبط بمجلس الانماء والاعمار، الذي رتّب على الدولة، منذ التسعينيات، ديناً بقيمة تفوق مليار دولار على شكل قروض لتنفيذ محطات تكرير لمياه الصرف الصحي، فيما في الواقع “لا نكرّر في لبنان متراً مكعباً واحداً من المياه المبتذلة، ولا محطات تعمل باستثناء محطات بدائية، بحسب مداخلة المدير العام لوزارة البيئة بيرت هاتجيان”.
اذا، فضيحة سيول بيروت فتحت مسألة تشغيل محطات التكرير، التي يجب أن تترابط مع بعضها البعض، على الرغم من بيان مجلس الانماء والاعمار الذي نفى كلام هاتجيان من دون أن يكشف مسؤولية من كانت فضيحة المجارير. كما طرحت الى العلن مسألة التعدي على الشواطئ اللبنانية. فمن الذي سمح بارتكاب التعديات على شاطئ بيروت، ولم يكن آخرها “الإيدن باي”؟
عضو تكتل “الجمهورية القوية” النائب عماد واكيم قال لـIMLebanon: “إنّ المدعي العام وعدنا انه خلال الاسبوع المقبل أو أسبوعين بالأكثر ان يضعنا بجو التحقيقات، خصوصاً أنه خلال جلسة الاشغال النيابية استمع إلى أمور وتفاصيل لم يكن مطلعاً عليها من قبل.
وأوضح أنّ المشكلة الفعلية، غياب المرجعية الواحدة وبالتالي قلة التنسيق وكمية المخالفات الكبيرة الموجودة، ما يؤدي إلى اختلاط المسؤوليات بين من قام بالدراسة والتنفيذ، ومن أعطى الترخيص، خصوصاً ان هناك بعض المشاريع لها علاقة بأكثر من وزارة أو إدارة، فمشروع الـ”ايدن باي” على سبيل المثال مرتبط بوزارة الطاقة والمياه، ومجلس الانماء والاعمار والبلدية والمحافظة، وببلدية أخرى، ما يستدعي أن يكون هناك مرجعية واحدة لمثل هذه المشاريع كي لا تضيع المسؤوليات.
ورأى أن فضيحة فيضانات المجارير فتحت الباب على مصراعيه على العديد من الأمور، منها ما يتعلق بمحطات التكرير الموجودة التي وضعت من أجلها ملايين الدولارات ولا تعمل، ومنها التعدي على الأملاك البحرية، مؤكداً في هذا الإطار أنهم كنواب سيثيرون كل هذه المواضيع لمنع الاستمرار في التعديات، لأن هذه الانواع من المخالفات التي يغطيها بعض رجال السلطة غير مقبولة.
وقال واكيم: “لن نسمح بأن تضيع المسؤوليات، نحن اتفقنا كنواب بيروت في اجتماعنا الأخير بأننا سنتخذ صفة الادعاء الشخصي في حال وجدت محاولات لتضييع المسؤوليات وعدم المحاسبة وهذا ما سنفعله، وإذا تلكأ أي احد من النواب لا سمح الله، فأنا موجود وإلى جانبي النائب جان طالوزيان، سنستمر حتى النهاية”.
ما تكشّف ايضا في جلسة الاشغال النيابية، أن ترخيص وزارة الأشغال لفندق “الإيدن باي” بإقامة مارينا، أي كاسر أمواج، فهو يعني بحسب ما نقل عن الدكتور هاتجيان كخبير بيئي “أن شاطئ الرملة البيضاء الذي تأتي رماله من النيل سوف ينتهي”، وبالتالي القضاء على شاطئ الفقراء الوحيد في بيروت.
هي ليست قضية غاز في البحر، أو النفط بتشعباته الدولية والاقليمية، أو مسألة حدود وصراع مع اسرائيل، هي فضيحة من المفترض أن تكون الجهات التي تتولى التحقيق عرفت من المسؤول عن إغراق بيروت بـ”المجارير”، من دون لبس ومواربة وتغطية للفاسدين في “دولة الفساد”. كل التفاصيل باتت اليوم في عهدة القضاء ولدى القاضي سمير حمود الذي طالب خلال الجلسة النيابية بأسبوعين إضافيين لإنهاء تحقيقاته. وبالانتظار، يتوقع اللبنانيون مع كل “شتوة” أن يغرقوا في مجارير جديدة، لأنّ المخالفات موجودة في كل مكان، وننتظر الأسوأ من هذه السلطة كما قال احد مشايخ بيروت.