كتب محمد نزال في “الاخبار”:
يوجد شيء اسمه «نقابة محرّري الصحافة اللبنانيّة». يوجد شيء اسمه «نقابة الصحافة اللبنانيّة». يوجد هيئات مشتركة بين النقابتين ومداولات ومشاورات وحكايات. يوجد، وهنا الحكاية الأهم، صحافيّون ليسوا ضمن أيّ نقابة. منهم مَن لا يعرف شيئاً عن كلّ هذا «الكرنفال» النقابي، بل ليس لديه «حشريّة» للمعرفة. يوجد مشروع قانون لمصلحة «عيش» الصحافيين نائم لدى مجلس الوزراء. لِمَ هو نائم؟ ستشهد نقابة «المحرّرين» انتخابات بعد نحو أسبوع. مبروك للفائزين… سلفاً.
كان الزميل بسّام القنطار، قبل نحو ستّ سنوات، يجول على زملاء له في المهنة، وعلى لسانه لازمة: هل جمعت المستندات المطلوبة أم بعد؟ كان متورّطاً بالأمل. يُريدهم أن ينضموا إلى جدول «نقابة محرري الصحافة اللبنانيّة». بمعنى أدق، كان يُريد، إلى جانب زملاء آخرين، النهوض بهذه النقابة أو بالأحرى إحياءها. لم يكن غريباً أن يُفاجأ بتفاجؤ بعض الصحافيين (المحررين) لاكتشافهم، في الحال، أنّ لهم نقابة ويُمكنهم (وإن بالواسطة) أن ينضموا إليها.
يسأله أحدهم: نقابة «المحررين» هذه غير نقابة الصحافة؟ هذه يطول شرحها لصحافي غُرّ. الثانية لأصحاب الصحف، حصراً، فيما الأولى لمحرري الصحف، تقريباً، وبين هذه وتلك مجالس وهيئات مشتركة، على شاكلة التكافل والتضامن، فيما كلّ ذلك لا يشمل صحافيي المرئي والمسموع. هؤلاء لا نقابة (حقيقيّة) لهم. حكاية «قطاع الإعلام» في لبنان، على المستوى النقابي، هي «طوشة» لها أول بلا آخر… بلا طائل. المهم، واجه زميلنا، آنذاك، صنفاً مِن الزملاء الذين لم يتشجعوا لمجرّد جمع المستندات اللازمة للانضمام. راهنوا على أنّهم لن يخسروا الجنة. بالفعل، بعد نحو ستّ سنوات، ما الذي كسبه مَن انضم منهم، بل، وهنا الأصل، ما الذي خسره مَن لم ينضم؟ لا شيء. آه، لقد خسروا بدل الوقوف المجاني أمام الـ»باركميتر». يا خسارة!
يوم السادس مِن الشهر المقبل ستكون انتخابات لمجلس «نقابة المحررين». في الانتخابات الماضية، قبل نحو ثلاث سنوات، طعن بعض الزملاء في النتائج أمام القضاء، وظلوا ينتظرون نتيجة طعنهم، التي لم تأتهم إلا بعد نحو ثلاث سنوات وبنتيجة: لا شيء. ربّما كانت اللامبالاة تجاه هذه النقابة، من قبل أهل المهنة، مفهومة سابقاً في ظلّ «تحنّط» سائر الأشياء في بلادنا، لكن كيف يُمكن أن يُفسّر عدم تحمّس الصحافيين لمشروع قانون يصبّ، أقلّه نظريّاً، في مصلحتهم؟ أين أصبحت مقترحات وزير الإعلام ملحم الرياشي؟ هذه مسألة لن يصعب تفكيكها. الإعلاميّون في لبنان ليسوا ولن يكونوا كتلة واحدة، وليس الحديث هنا عن السياسة حصراً، فالانقسام السياسي مشهود في سائر نقابات المهن الحرة، بل حتى في الشأن النقابي ـــ المهني المحض لن يتكتلوا، ذلك أنّ لكل «جماعة» منهم جهة «يأكلون» منها مباشرة. هذا واقع يصعب أن يُستثنى مِنه أحد في لبنان. وحدهم الذين لا يتبعون لأحد، بمعنى «الأكل» نفسه، سوف يتحمّسون لمشروع قانون يتضمن إنشاء صندوق تعاضدي وتقاعدي لحفظ «كبرتهم». هؤلاء قلّة وإن تظاهر كثيرون أنّهم منهم. هؤلاء قلّة، وضعاف، لذا غالباً ما تنتهي جولات صراخهم بأن تلتهمهم «الديناصورات». لقد لمس وزير الإعلام الحالي، وهو ابن المهنة بالأصل، هذا «التبلّط» مِمَن يتوقع أن يعنيهم الأمر تجاه المشروع الذي تقدّم به. هو من جهته قام بما عليه، وربّما توقّع هبّة إعلاميّة تضغط باتجاه إخراج مشروع القانون من مجلس الوزراء وإحالته إلى مجلس النواب لإقراره. لكن، على ما يبدو، خاب ظنّه. لهذا يقول اليوم، وكأنّه يذيع وصية وداع، إنّ «على المعنيين» أخذ ملف تحديث النقابة عبر إقرار مشروع القانون الموجود في مجلس الوزراء «على محمل الجدّ». أوصى الرياشي «المعنيين» بأن يعملوا على تحقيق مضامين المشروع، وذلك «من دون إبطاء، لما فيه مصلحة كلّ الإعلاميين، أينما عملوا، لا سيما لجهة الحصانة النقابيّة أو ضمانات التعاقد وصندوقي التعاضد والتقاعد».
يتحمّس الصحافيّون، عادّة، لتغطية أخبار انتخابات أكثر نقابات المهن الحرّة، كالمحامين والأطباء والمهندسين والصيادلة… لكنّهم في انتخابات النقابة التي تخصّهم، نقابتهم، فأشبه بصمت القبور. ليست مبالغة أن يكون صحافيّون، أمضوا سنوات في عملهم، وهم، اليوم، لا يعرفون شيئاً عن نقابتهم، أو بالأحرى «نقاباتهم». في الانتخابات الأخيرة لنقابة المحامين، كان هناك مرشّحون يدعون في مشاريعهم إلى رفع راتب المحامي التقاعدي، والحديث هنا عمّا يفوق ألف دولار شهريا، هذا فضلاً عن الضجيج الذي أثاروه لحظة المسّ بتأمينهم الصحي الرفيع… فيما الصحافي، الذي «يتفشخر» بأنّه سُلطة رابعة وما شاكل، فإنّه، عندما يشيخ، بلا طبابة وبلا معاش تقاعدي. باختصار، لن يكون أمامه، إن «استقام» نزاهة، سوى التسوّل… أو ما يقرب من ذلك. لهذا، ربّما، يهرول البعض إلى ممارسة هذا التسوّل (لدى السياسيين وسائر النافذين) وهم في مقتبل العمر… بغية تأمين «الكبرة». أصحاب النفوذ، من سياسيين وسواهم، الذي يعرفون جيّداً أصول هذه اللعبة، يهمهم جدّاً ألا يكون هناك نقابة قويّة للصحافيين. مَن لديه جواب اليوم عن سبب جمود مشروع قانون الرياشي لدى مجلس الوزراء؟ لمَ لا يسلك طريقه الطبيعي؟
يُحكى عن علاقة بين بعض «ديناصورات» المهنة، في سائر أفرعها النقابيّة من جهة، ورئيس الحكومة ومسؤولين آخرين من جهة ثانية، سعت لأن «يبقى كلّ شيء على ما هو عليه». مشروع القانون المقترح، بحسب نصّه، سيجعل العاملين في الصحافة في إطار نقابي واحد، ما يعني إقفال بعض «الدكاكين». وطبعاً، كلّ «دكّان» محسوب على جهة سياسيّة، أو بالشراكة بين أكثر مِن جهة، أو وفق تلزيمات «المكافأة» لزوم «البرستيج» وما شاكل… وبالتالي، هذا كافٍ لفهم الغموض حول مصير المشروع. أيضاً على الرياشي، رغم «يعطيه العافية» طبعاً، أن يُكاشف الجميع بالعقدة.
في هذا الإطار، ووفق الأجواء ذاتها، تُفهم موجة البيانات النافية والملمحة والغامزة إلخ، التي راحت تصدر في الأيّام الأخيرة. بيان نقابة المحررين أدان أفعال «بعض الزملاء الذين يروّجون زوراً عن دعم فخامة رئيس الجمهورية ميشال عون لهم في معركتهم الانتخابية». كذلك بيان وزير الإعلام، الرياشي، الذي ذكر أنّه «غير معني بانتخابات النقابة». ثمّة «خبريّة» أوردها «موقع إخباري» (ربّما ولد قبل قليل) تلخّص كلّ الحكاية، مفادها: «في الوقت الذي تتحدّث فيه المعلومات عن أنّ مديريّة المخابرات في الجيش تميل إلى دعم أحد المرشحين، تبيّن أنّ مديريّة الأمن العام تتجه نحو دعم مرشح مقابل». في ظل أجواء كهذه، لا يعود للحديث المهني، بالمعنى الكلاسيكي، عن انتخابات نقابيّة، أي معنى. لا حاجة إلى الدخول في «بازار» الأسماء. الهيكل هو نفسه. اللعبة هي نفسها، أقلّه منذ عام 1918 (أي قبل «لبنان الكبير» بسنتين). ذلك عندما دعا والي بيروت العثماني، إسماعيل حقّي، مجموعة مِن الصحافيين إلى ديوانه، ورغب إليهم في انتخاب جمعيّة صحافيّة بهدف «الاهتمام بالصحافة».