Site icon IMLebanon

بداية اختلال المنظومة السياسية التي أرساها “حزب الله”

كتبت صحيفة “العرب” اللندنية:

يقرأ المحللون أحداث الساعات الأخيرة في لبنان بصفتها واجهة من واجهات تصادم منطق الدولة مع المنطق الميليشياوي الذي ينتهجه حزب الله للهيمنة على القرار السياسي في البلد. ويرى هؤلاء أن التصعيد الأمني الذي شهدته بلدة الجاهلية الدرزية في الشوف لا يعبر عن احتكاك محلي الطابع، بل عن حالة انزلاق يدفع بها حزب الله داخل المكونات الطائفية للبنان.

وبغض النظر عن ظروف ما صدر عن الوزير الدرزي الأسبق وئام وهاب، فإن الشتائم التي كالها الأخير ضد عائلة الحريري ومسه بأعراض الرئيس الراحل رفيق الحريري، لها توقيت جاء بناء على أمر عمليات أصدره حزب الله في سياق الضغوط التي يمارسها ضد رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري وتيار المستقبل الذي يتزعمه.

ويجزم مراقبون لشؤون الطائفة الدرزية أن حزب الله أراد استخدام وهاب هذه المرة من أجل التصويب على هدفين: الأول هو سعد الحريري لإثنائه على الموقف الذي ما زال متمسكا به في رفض تمثيل “سنة 8 آذار” المتحالفين مع حزب الله والمنضوين داخل كتلة “اللقاء التشاوري البرلمانية”.

أما الثاني فهو الزعيم الدرزي وليد جنبلاط الذي سبق لأمين عام حزب الله، حسن نصرالله، أن وجه انتقادات إليه ناصحاً إياه بـ”تظبيط انتانه” (تصويب هوائياته) رداً على انتقادات جنبلاط لسياسة طهران ودمشق في لبنان.

وكان نصرالله قد فاجأ الطبقة السياسية في لبنان بفرضه شروطا طارئة لم تكن ضمن مداولات الأشهر الأخيرة لتشكيل حكومة جديدة تنبثق عن نتائج الانتخابات النيابية في مايو الماضي. فبعد أن تمّ تذليل العقبة الدرزية بقبول جنبلاط بتسمية وزير تسوية ما بينه وما بين رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني (الدرزي) طلال أرسلان، وبعد تذليل العقدة المسيحية بقبول رئيس حزب القوات اللبنانية، سمير جعجع، بصيغة لتمثيل حزبه أقل مما كان يطالب به، أعلن نصرالله في 8 نوفمبر أن حزب الله (وضمناً شريكه داخل الثنائية الشيعية، حركة أمل) لن يسلم أسماء وزرائه قبل أن يقع تمثيل النواب السنّة المتحالفين مع الحزب داخل حكومة الحريري العتيدة.

استهداف الحريري

تؤكد مراجع سياسية مطلعة أن المسألة لا تتعلق بتفصيل توزير واحد من حلفاء الحزب، بل ترتبط بخطط الحزب للإمساك الكامل بالنظام السياسي. ويضيف هؤلاء أن الحزب يريد كسر زعامة الحريري للسنّة في لبنان، وبالتالي، وفق رؤية طهران، كسر النفوذ الذي تمتلكه السعودية لدى بيئة الحريري السنية في البلد.

وتلفت المراجع إلى أنه سبق لتيار المستقبل أن تمثّل داخل حكومات سابقة بشخصيات مسيحية وشيعية من ضمن حصته ولم يطالب التيار بتمثيلهم من حصة خصومه الشيعة والمسيحيين. وتقول المراجع إنه إذا كانت الثنائية الشيعية حريصة على تمثيل حلفائها السنة، فليكن ذلك من حصة هذه الثنائية وليست من حصة الحريري وتياره.

وتجزم بعض المصادر أن حزب الله الذي يتعرض لضبابية في استشراف مستقبله بسبب المداولات الجارية حول سوريا وبسبب العقوبات الأميركية التي يتعرض لها وإيران، يدفع باتجاه الهروب إلى الأمام، واستخدام كافة أوراقه وامتداداته داخل الطوائف اللبنانية، لإرباك الأوضاع السياسية والاجتماعية والأمنية في البلاد، بهدف وضع كافة المكونات اللبنانية أمام الأمر الواقع الذي يريده الحزب.

وتذكّر منابر لبنانية بأن أسلوب حزب الله بات كلاسيكياً لجهة جرّ كل حلفائه لخوض معاركه، وأن لجوءه في السابق لقلب الطاولة ضد حكومات فؤاد السنيورة وسعد الحريري كما احتلاله لوسط بيروت ومحاصرته “الشعبية” للسراي الحكومي وصولا إلى تفجّر أحداث “7 أيار” الشهيرة انتهاء بإبرام اتفاق الدوحة جرى وفق نفس التكتيكات وبواسطة نفس الأدوات.

وتقول أوساط شيعية معارضة لحزب الله إن الحزب يسعى إلى تجنب تقديم الأمر بصفته صداما بين الشيعة والسنة وأنه يحاول من خلال أدواته السنية والدرزية هذه المرة تمرير رسائل استخدم لها سابقا أدوات مسيحية.

وتلحظ هذه الأوساط مدى امتعاض حزب الله من تصريحات وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال، جبران باسيل، حول تقييمه لعقدة “سنة 8 آذار”. فالرجل، وعلى الرغم من تحالفه وتحالف الحزب الذي يترأسه، التيار الوطني الحر، مع حزب الله، إلا أنه رأى أن هذه العقدة هي سنية-شيعية. ولئن سعى باسيل من خلال هذا التقييم إلى النأي بنفسه وبتياره عن هذا الإشكال المستجد، إلا أن أوساط الحزب رفضت هذا التقييم وأكدت أن العقدة سنية-سنية تجري بين الحريري وخصومه.

ويرصد المراقبون مجموعة من الظواهر الجديدة التي تعبر عن مأزق يعاني منه حزب الله لجهة عدم قدرته على صرف “انتصاره”، الذي يكثّف الحديث عنه، في سوريا، داخل التركيبة السياسية اللبنانية. فإضافة إلى اتخاذ رئيس الجمهورية، ميشال عون، وصهره، باسيل، موقفا وسطيا يفترض أنّه خرق لسلوك لطالما كان ملتصقا بموقف حزب الله خلال السنوات الأخيرة، فإن حزب الله ينظر بعين الريبة إلى بعبدا وفريق عون على نحو يؤسس لتصدّع حقيقي لـ”ورقة التفاهم” التي أسست لتحالف التيار العوني وحزب الله منذ عام 2006.

مأزق حزب الله

لئن أشارت التحليلات إلى أن تصعيد حزب الله ضد الحريري يستهدف بالحقيقة فريق عون الذي سيمتلك الثلث المعطّل من خلال 11 وزيرا من حصة عون وباسيل، كشف التصريح الصادر عن النائب السني جهاد الصمد المنتمي إلى “اللقاء التشاوري” عن حقيقة موقف حزب الله. فقد توجه الصمد إلى باسيل بالقول إنه لو تنازل عن حصة الـ11 وزيرا لكانت حلّت عقدة تمثيل سنة التكتل داخل الحكومة، الأمر الذي كشف عن عدم ثقة حزب الله بعون وباسيل وبسلوكهم المستقبلي داخل النظام السياسي اللبناني.

ولفت المراقبون إلى أن الدعوى التي رفعها محامون ضد وهاب تولت الجهات القضائية متابعتها بصرامة، وقد تجلى ذلك بشكل واضح بتحرك آليات تابعة لشعبة المعلومات التابعة لقوى الأمن الداخلي باتجاه منزل وهاب في الجاهلية بهدف إبلاغه بأمر قضائي يستوجب حضوره للتحقيق. وأتى هذا التحرك رداً على سلوك، ينتمي إلى عقلية حزب الله، ازدرى من خلاله وهاب القضاء اللبناني وإجراءاته.

ونوه المراقبون إلى أن تشكيلات من الجيش اللبناني تحركت لمؤازرة قوى الأمن في تحركها لمنع أي مقاومة أو اشتباكات عسكرية. واعتبر المراقبون أن المؤسستين الأمنية والعسكرية اتخذتا موقفا موحداً ضد واحد من حلفاء حزب الله الذي لطالما جاهر بالاستقواء به.

ولفت المراقبون إلى أن تحرك “الدولة” ضد وهاب أربك هذا الأخير، خصوصا بعد أن سقط أحد مرافقيه قتيلا أثناء إطلاق نار عشوائي قام به، وفق بيان قوى الأمن الداخلي ومختار بلدة الجاهلية. فقد تباينت تصريحات وهاب تارة بالاعتذار من الحريري عما صدر عنه من شتائم، وتارة بتأليب الدروز ضد من “ينتهك كراماتهم”، وتارة بالتوجه إلى الحريري داعيا إياه إلى حل الإشكال مع حسن نصرالله، في اعتراف ضمني أن مناورته التصعيدية ضد الحريري جاءت بناء على تعليمات من حزب الله.

وفيما يتجنب المراقبون استشراف مآلات هذا التوتر السياسي الأمني ونهاياته، وفيما ترى الطبقة السياسية أن حزب الله لا يملك هامش الحرية والظروف المناسبة التي أتاحت له استخدام القوة في مايو 2008، ترى بعض المصادر البرلمانية أن حزب الله وضع سقفا عالياً لمطالبه قد يصعب عليه التنازل عنها، وأن الحريري وتيار المستقبل ما زالا متمسكين برفض أي توزير لـ”سنة علي المملوك” (رئيس المكتب الأمن الوطني السوري)، وفق تسميات أخرى تطلق على سنّة “اللقاء التشاوري”، من حصة الحريري في حكومته المقبلة.

بالمحصلة فإنه أيا كانت التسويات التي ستعتمد لحل الأزمة الحالية، لا سيما تلك التي تتحدث عن تنازل قد يقدمه عون في هذا المجال، فإن ما أظهرته الأسابيع الأخيرة يكشف عن بداية اختلال المنظومة السياسية التي أرساها حزب الله في لبنان، وأن إخفاق أدواته الوسيطة كتلك التي وفّرها وهاب في الأيام الأخيرة سيكشف الحزب ويجعله مضطرا إما للتراجع والقبول بهذه القراءة المستجدة، وإما بالانتقال إلى صدام علني مباشر مع كل الطبقة السياسية وتياراتها، حلفاء كانوا أم خصوم.