كتب جوني منير في صحيفة “الجمهورية”:
لم ينعقد اللقاء بين الرئيسين الأميركي والروسي على هامش قمّة العشرين في الأرجنتين لتذرّع الرئيس دونالد ترامب بالأزمة الحاصلة في أوكرانيا. لكنّ الحقيقة هي غير ذلك، فالرئيس الأميركي تزداد مشكلاتُه الداخلية تعقيداً، خصوصاً بعد اعترافات محاميه السابق مايكل كوهين التي تدين بنحو مباشر وواضح ترامب الذي وصفه بـ«الكاذب والضعيف».
وبإحجام ترامب عن لقاء بوتين تخفيفاً للضغط الداخلي عليه، ضاعت فرصة ولو لفترة موقتة لإعادة رسم الصورة وترتيب الفوضى الحاصلة على مسرح الشرق الاوسط.
وكان كلام وزير الخارجية مايك بومبيو لشبكة الـ CNN واضحاً حين قال إنّ ترامب يريد الاجتماع مع بوتين لإيجاد طريقة لدفع العلاقات مع روسيا.
وفي المقابل أعلن مساعد الرئيس الروسي يوري اوشانكوف أنّ الادارة الاميركية تواصلت مع الكرملين بعيد إعلان إلغاء لقاء ترامب ـ بوتين. واضاف أنه تمّ اقتراح مواصلة الاتّصالات بين الجانبين من خلال مستشار الامن القومي الاميركي جون بولتون. وتعمّد اوشانكوف الاشارة الى أنّ واشنطن هي مَن بادرت الى الاتّصال.
ما من شك أنّ العلاقات الاميركية ـ الروسية شهدت وما تزال افضل ايامها منذ وصول ترامب الى البيت الابيض، فالتفاهم قائم حول العناوين الكبرى لا سيما في الشرق الاوسط رغم عدد من التباينات حول تفاصيل كثيرة وهي مسألة منطقية. لكنّ الملفات في الشرق الاوسط تتزاحم، لا بل تتعقد أيضاً لتصل الى حدود الفوضى. والأخطر الظرف الداخلي الصعب لرئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو.
فعلى مستوى الساحة السورية الشمالية، تبدي تركيا رفضها إقامة الجيش الاميركي نقاط مراقبة على الجزء الغربي من الحدود التركية ـ السورية. والواضح أنّ الرئيس التركي الذي يضغط بقوة على الرئيس الاميركي من خلال ملف جمال خاشقجي يسعى للاستفادة من الظرف والفوز بأثمان تطاول الأكراد في الشمال السوري. ذلك أنّ أنقرة متوجّسة أيضاً من أن تكون واشنطن تضع حاجزاً لمنع النفوذ التركي من التمدّد الى العمق السوري وتأمين حماية كاملة لحرية الحركة للأكراد.
وزير الدفاع الاميركي جيمس ماتيس حاول طمأنة السلطات التركية معتبراً أنّ في إقامة أبراج المراقبة الاميركية مصلحة مباشرة لتركيا كونها ستستفيد من كشف أيِّ تحرّك عدائي للأكراد في اتّجاه الداخل التركي.
وفيما تبدو المساعدة الروسية للولايات المتحدة الاميركية مهمة واساسية في هذا الاطار، فإنّ روسيا تبدي اهتماماً متزايداً بلبنان بعد نجاحها في استكمال تعزيزاتها وإحكام سيطرتها الجوية للسماء السورية من خلال منظومة المضادات الجوية.
صحيح أنّ اسرائيل نفّذت غارات خلال الأيام الماضية استهدفت المنطقة الجنوبية لسوريا، إلّا انها الغارة الاولى منذ إسقاط طائرة التجسّس الروسية في ايلول الماضي، وهي غارات على ما يبدو، لم تكن فعّالة ولو أنها حملت رسائل متعددة. ولكن لا بد من ملاحظات سريعة:
ـ الملاحظة الاولى، أنها بقيت في اطار المنطقة الجنوبية حيث تفهّمت روسيا في السابق وهي ما تزال لما تعتبره اسرائيل مصالح امنية مباشرة لأمنها.
ـ الملاحظة الثانية أنّ سوريا ردّت من خلال وسائل دفاعها ما يرفع احتمالات إسقاط طائرات إسرائيلية مستقبلاً في حال تكرّرت الغارات.
ـ الملاحظة الثالثة، أنّ الغارة استهدفت مواقع قالت إسرائيل إنها لإيران و«حزب الله» ما يعني استمرار وجود مواقع ومعسكرات في منطقة الكسوة القريبة من الحدود.
اضافة الى وجود مخازن محصّنة تحت الارض على رغم التزام روسيا وفق اتفاق سابق بخلوّ منطقة بعمق 100 كلم من الوجود الايراني و«حزب الله».
ـ الملاحظة الرابعة، انّ منطقة دمشق وصولاً الى الحدود الشمالية ستبقى مقفلة بإحكام بوجه النشاط الجوي الإسرائيلي.
وصحيح أنّ واشنطن سمحت بالعملية شرط أن تبقى في اطار محدّد وضيّق، إلاّ انّ السلطات الاميركية ما تزال متمسّكة بعدم التهوّر في الاستهدافات الاسرائيلية وهو ما يتطلب إعادة رسم تفاهمات واضحة مع روسيا.
في إسرائيل يعاني نتنياهو من ازمات خانقة، وهنا مكمن الخطورة، ذلك أنّ الائتلاف الحكومي الضيق والهش نتيجة مواجهات غزة يزيد من ضعف نتنياهو.
أضف الى ذلك صدور توصية من الشرطة الى القضاء لمحاكمته بتهمة الرشوة. واقع نتنياهو الصعب والدقيق قد يدفعه الى التهوّر أكثر، ليس فقط في سوريا، بل في لبنان ايضاً، وهذا بالضبط ما يقلق واشنطن.
وخلال الايام الماضية طلبت وزارة الخارجية الاميركية من سفاراتها في الشرق الاوسط وخصوصاً من سفارتيها في لبنان واسرائيل الاستنفار ومتابعة الوضع بدقة ولحظة بلحظة خشية حصول أيّ عمل إسرائيلي متهوّر يحتاج اليه نتنياهو.
فالحرب النفسية بين إسرائيل و«حزب الله» تبدو في أوجها. الجيش الإسرائيلي ينفّذ مناورات تحاكي حرباً على جبهتين في وقت يركّز فيه الاعلام الاسرائيلي على مطار بيروت ومحيطه. وفي المقابل ينشر «حزب الله» شريطاً مصوّراً لمواقع اسرائيلية مهمة مرفقاً بتحذير باللغة العبرية حول ردّ موجع ستناله اسرائيل في حالِ شنِّ هجوم ضد لبنان.
وعلى رغم الحرب النفسية فإنّ الحرب الفعلية لا تبدو واردة بسبب نقاط الضغف الكثيرة للجيش الاسرائيلي، اضافة الى أنّ إسرائيل عيّنت رئيساً جديداً للأركان خلفاً لايزنكوت وسيتسلّم منصبه مطلع السنة المقبلة، وهذا دليل واضح لعدم وجود حرب أضف الى ذلك قلق اسرائيل من تزايد قدرات «حزب الله» العسكرية إن من خلال حصوله على صواريخ دقيقة وهو ما اعلنه الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله في وقت سابق، أو من خلال الخبرات القتالية العالية التي كسبها عناصر وكوادر «حزب الله» جراء الحرب في سوريا وبعد عودة كثيرين منهم الى لبنان.
لكن قد يكون نتنياهو بحاجة لضربة محدودة في لبنان يعمل على استثمارها في الداخل الاسرائيلي. إلّا أنّ «حزب الله» اكد اكثر من مرة أنه سيردّ بالتأكيد على أيّ اعتداء مهما كان حجمه.
واشنطن في المقابل لا تريد أيّ تدهور أمني قد يطيح الهدوء الكامل الذي يتمتع به الجنوب اللبناني بنحو مطلق منذ العام 2006. ولذلك تراقب السفارة الاميركية في بيروت الوضع عن كثب لمنع أيّ هفوة قد تقوم بها إسرائيل، إن بسبب مأزقها الداخلي أو إستغلالاً لمأزق ترامب الداخلي.
وليس القلق الامني هو الوحيد في لبنان فهنالك ما هو اخطر ويطاول الوضع الاقتصادي والمالي. ففي شهر تشرين الاول الماضي زار السفير الفرنسي بيار دوكان لبنان بصفته المبعوث الفرنسي لشؤون المتوسط والمسؤول عن التحضير لمؤتمر «سيدر»، يومها أعلن دوكان تطمينات تتعلق بالاستمرار في الالتزامات حيال المؤتمر الذي يحتاج اليه الاقتصاد اللبناني المتهالك.
لكنّ الجديد انّ دوكان نفسه وخلال جلسة مغلقة وبعيدة عن الاعلام مع سفراء من الشرق الاوسط أبدى خوفاً جدّياً من تجاوز الالتزامات تجاه مقررات المؤتمر نتيجة الاوضاع التي يمرّ بها لبنان وفي طليعتها الأزمة الحكومية.
وحسب احد هؤلاء السفراء فإنّ باريس قد تجد نفسها مضطرة الى تحويل المبالغ المخصّصة لبلدان أفريقية بدل لبنان. ما يعني أنه في حال استمرار الأزمة الحكومية في لبنان فإنّ الاقتصاد اللبناني سيتلقّى ضربة قاسية اضافية.